يحوي في محيطه واحد امن أكبر المشاريع الاستثمارية سياحيا
صنعاء / محمد السياغي :يبدو وكأنه نبته عبقرية خرجت من الصخر ، أو لوحة فنية باذخة كانت تفاصيلها قد داعبت مخيلة فنان ماهر لسنوات قبل أن تتركها أنامله مقطوعة فنية معمارية واقعية منحوتة فوق صخرة نادرة التكوين، وعليها بلل حسه الرومانسي المترف.من لم يزره فكأنما لم يزراليمن قط.. هكذا يقول غالبية زواره حينما تتملكهم الدهشة وهم يتمعنون في أدق تفاصيل بناءه وتخطيطه الهندسي، ويحيل المشهد أخيلتهم إلى واحات شاسعة تتسع معها مساحة التأمل والتذوق في ثنايا نموذج معماري فريد يطبع نفسه في الذاكرة ولا يغادرها أبدا .إلى قصر الصخرة العملاقة و الذي يتوسط واحدا من أجمل و اشهر الوديان في الجنوب الغربي من العاصمة اليمنية صنعاء يعرف ب(وادي ظهر)، يتجه غالبية زوار اليمن يسبقهم الفضول في معرفة أسرار وعجائب القصر الذي يعود تاريخ بناءه إلى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي حينما أمر ملك اليمن حينها الأمام المنصور على بن العباس وزيرة الأديب و الشاعر والمصمم المتميز في عصره على بن صالح العماري ببناءه على أنقاض قصر سبئي قديم كان يعرف بحصن ذو سيدان الباقية أثاره منحوتة في الصخرة حتى الآن .وعلى الرغم كثرة القلاع و الحصون اليمنية ، إلا ان ما يتمتع به دار الحجر من ميزات كثيرة و مكانه سياحية و معمارية كبيرة ، قد جعلت منه انموذجا معماريا فريدا من أبرز نماذج العمارة اليمنية و العربية الأصيلة على الإطلاق ، و قبلة سياحية يقصدها آلاف الزوار سنويا من مختلف أنحاء العالم.تتجلى خصوصية القصر لمشاهده من الوهلة الأولى ، وهي لحظة الانبهار بعبقرية التصميم، و ثنائية التناغم بين الطبيعية و الإبداع الإنساني، وفي واجهاته المختلفة غير المتشابهة مع بعضها ، ليوحي المشهد للناظر بمدى الغناء الباذخ في تفاصيل كل واجهه على حدة، وهي تعطي القصر من الخارج عدة مناظر ، بينما تمنح كل نافذة من الداخل مشهدا مغاير للوادي الشهير بزراعة (العنب و الفرسك والسفرجل واشجار الدوم العملاقة) والتي أخذت جميعها تنحسر بسبب التوسع في زراعة القات.حيث يظهر القصر الأعجوبة المكون من سبعة طوابق ، الذي يروى ان بنائه لم يكتمل بصورته الحالية كما هي اليوم إلا في بداية القرن العشرين على يد الأمام يحيى ابن حميد وتوارثه عدد من ملوك اليمن ،كقطعة فنية معمارية واحدة نبتت فوق صخرة ضخمة لا علم لأحد بسر وجودها، ولا كيف تدحرجت من الأعلى لتتوسط المسافة بالمتر الواحد في بطن الوادي، ويبدو مع ما حوله من مناظر للخضرة المستديمة ومساكن تقليدية، أشبه بتحفه طبيعية رائعة تعود بالزائر إلى البدايات الأولى للتاريخ.يعرف القصر بين أوساط السكان المحليين ب (قصر العجائب)، وهي عجائب تنكشف لك من مدخل القصر الخارجي حيث تنتصب شجرة معمرة يقدر عمرها بـ 700 عام تقع إلى اليمين من بوابته القصر الرئيسية مرحبة بزوار ه على اختلاف الوانهم وأشكالهم، ودون كلل أو ملل من الخدمة في هذه الوظيفة القديمة.تختلف الروايات حول تحديد نوعية الشجرة المعمرة ، غير ان الأهم ارتباطها الوثيق بمرحلة من المراحل التاريخية المختلفة للقصر الذي يعتقد بأنه يعود لعصر ازدهار الحضارة السبئية في اليمن، و تعد جزء لا يتجزء من النسيج التاريخي والتراثي للقصر، وكثيرا ما وقف الكثيرون إلى جوارها في وجه محاولات اقتلاعها ما ان يتجاوز الزائر الشجرة و تتخطى قدماه عتبة البوابة الرئيسة الخشبية الضخمة، وغرفة الحراسة الخاصة بالقصر ، حتى تستقبله باحة واسعة مرصوفة أرضيتها بالأحجار" الحبش " الضخمة، وبها ملحقات القصر الأسطوري من مسجد "مصلى" ، و استراحة،وجناح استقبال خارجي عبارة عن مبنى مستقل يقع قبالة القصر من الجهة الغربية .يمثل المبني المنفصل مجلس صيفي للمقيل يصله بالباحة درج حجري و يرتبط ببهو فسيح به نافورة جميلة ، وتحيطه نوافذ خشبية هلالية الشكل ، تطل على الوادي من الجهة الغربية يمكن ان تحجب الرؤية من الوادي إلى المجلس الذي يستمتع فيه الجالس بمنظر بديع للوادي والقصر، وقد شيد المجلس بطابع المجالس العلوية المعروفة (بالمفرج) في مدينة صنعاء القديمة وكذا مجالس مدينة كوكبان لتاريخية .لكن الإثارة تتزايد عندما يتجه الزائر إلى القصر عبر منحنيات ودرج حجرية، وأول ما يستوقفه باب خشبي تقليدي سميك مصنوع محليا من خشب (الطنب)، وفيه من المغالق ما هو ظاهر وما هو سري ليكشف للزائر بالإضافة إلى متانة الصناعة المحلية ، مهارة و دقة التقنية المتناهية التي عرفتها الصناعة في اليمن منذ وقت مبكر.بعد تجاوز الزائر لعتبة الباب يستقبله القصر ، بجدرانه الملونة ودرجاته الحجرية ، وهي توصله إلى غرف وطوابق القصر الذي يتكون من نحو 35 غرفة يتجلى من خلالها التناغم بين ما هو مبني وما هو محفور على الصخر .يفضي الدرج إلى الطابق الأول حيث جناح الاستقبال ، و الذي لا يصله سوى عليه القوم، و يضم صالة واسعة وغرف ملحقة .. بينما تنتهي به الملاحق إلى الطابق الثاني حيث يستغرق لردهه يخرج بعدها إلى خارج البناء الأساسي للقصر ليمر في رواق مكشوف منحوت في الصخرة وملتو عليها .تنكشف للزائر بعض الأعاجيب هنا متمثلة في قبور صخرية منحوتة تعود إلى بدايات التاريخ .. بينما ينتهي به الممر إلى غرف قديمة النحت أيضا لها نوافذ مطلة على الوادي وتوحي باستخدامها للحراسة والقنص لعدم القدرة على تحديد مكانها من خارج الصخرة .يمثل هذا الجزء الصخري من الطابق الثاني بقايا القصر السبئي غير ان الجزء المكشوف من الممر قد غطي ببناء استخدم كمطبخ منفصل عن القصر، وما بين الغرف الصخرية والمطبخ تقع أعجوبة الأعاجيب في القصر الأسطوري .تبرز هذه الأعجوبة في بئر بفتحتين تشقان بطن الصخرة، ولا يعرف أحدا تاريخ حفرهما الموغل في القدم ، وتنقسم هاتين الفتحتين إلى فتحة صغرى تبدا في هذا الممر ، و تخلص بالتقائها بالفتحة الرئيسية بعمق خمسين مترا تقريبا .. بينما الفتحة الرئيسية التي تتصل بالأسفل عبر منحنيات وتعرجات ، لا يعرف نهايتها أحد قط.والغريب المثير للتساؤل في نفس الوقت نفسةان أحدا ، وهو يطل برأسه على الحفرة ، لا يجرؤ على اكثر من العودة بتساؤلاته خائب الرجاء حول نهايتها ، وما إذا كانت بالمياه الجوفية وأين هي يا ترى؟ أم إنها تنتهي بمخرج لا يعلمه إلا الله ؟ ومن عساه حفرها ؟ وما سر اتصالها بأعلى المبنى نفسه؟ ولماذا انتهي التجويف المبني في الطابق السادس عند عتبة جناح الأمام تحديدا ، بعد تجاوز الطوابق من الثالث وحتى الخامس دون أي فتحات جانبية .يعتقد بعضهم أنها بئر جوفية كانت خاصة بتوفير الماء للقصر .. بينما يروي آخرون إنها مصيدة نصبت لمن يحاول الاعتداء على القصر .. غير ان الأرجح بان تكون ممرا يفضي إلى خارج المبني في حال تعرض القصر للسطو .نعود للقصر و الى طوابقه العلوية، وقبل ان نلج إلى الطابق الثالث تستوقفنا غرفة صغيرة كانت مخصصة لمستخدم دون سن الحلم كان يعمل على خدمة المراسلة و جلب حاجيات حريم القصر و يطلق عليه لفظ " الدويدار " وهو لفظ تركي بينما تمثل الغرفة الحد الأخير الذي كان يسمح للحرس بالوصول إليه وعدم تجاوزه إلى الأعلى أبدا.وفيما يشكل الطابق الثالث الجناح الخاص بوالدة الإمام، ويتكون من مجموعة غرف ، بالإضافة إلى خزانه محكمة ، فان الطابق الرابع ينقسم إلى قسمين الأول خاص بولي العهد به غرفة مربعة لها نافذة بديعة وفي نفس الغرفة نفسها خزانة كبيرة مرتفعة الفتحة لا يمكن الوصول إليها إلا عبر سلم مبتكر تتعمق درجاته في الخشبية .أما القسم الآخر المبني على الصخرة وتمثل الصخرة أرضيته فقد خصص لغرف الجواري والخادمات وفي الطابق نفسه توجد مطاحن الحبوب الحجرية المعروفة (بالرحى )، وتوجد أيضا الشرفة الظاهرة في الجهة الشرقية وهي المكان المخصص لغسيل الملابس وفيها بركة صغيرة تتجمع فيها مياه الأمطار المنسابة من أسطح القصر عبر قنوات معينة تنم عن ذكاء الاستغلال لهذه الكمية من المياه .إلى الطابق الخامس حيث ينقسم الطريق إلى قسمين قسم يؤدي إلى الطابق السادس حيث جناح الإمام ودون المرور بالطابق الخامس المخصص مع جزء من السادس لأجنحة الحريم ، ويضم غرف للنوم وملحقاتها بالإضافة إلى مجلس واسع تميزه القمريات والنوافذ الواسعة " المشربيات " التي لا تسمح بالرؤية من الخارج للداخل.يظهر عند عتبة الدرج الخاص بالإمام والمؤدي إلى جناحه طرف فتحه البئر الرئيسية، بعد ان تم تغطيتها بقطعة من الزجاج السميك ، وفي جناح الأمام نجد غرفة ركنية مريحة تطل على جهتي الشرق و الشمال ، وهي تمنح الغرفة جو باردا خلال فصل الصيف حيث كان يحرص الأمام يحيى على أن يقضية في هذا القصر .ويوجد على أحد جدران الغرفة بورترية متخيل للأمام يحيى بريشة فنان إيطالي ، وفي الجوار كما توجد غرفة صغيرة جدا تضم ثلاث نوافذ صغيرة، وتسمى " الكمه " وهي المكان الذي كان فيه الإمام يختلي بنفسه، ويخصصها للتفكير ، والكتابة و حفظ أوراقه المهمة .يتجلى في الطابق السابع والأخير مجلس واسع وملحقات ومطبخ علوي وشرفة مكشوفة كبيرة محاطة بإشكال بيضاوية كنوافذ تسمح بالرؤية بحرية بالإضافة إلى نوافذ مخصصه لإطلاله النساء كما يوجد في زاوية الشرفة مكان مخصص للحمام الزاجل يبدو ان الإمام كان يستخدمه في المراسلات.في هذه القصر تسمع الكثير من الحكايات ، إذ يقال ان البلاد في فترة حكم الأتراك شهدت أمطار غزيرة أدت إلى تهدم الدار ولم يبق له أي اثر بعد ذلك أتى إلى المنطقة الأمام عبد الله المنصور الذي أعاد بناء الثلاثة الأدوار بحجر حبش اسود وهو الموجود حاليا ومن ثم سكن فيه بعد موت الأمام عبد الله المنصور الأمام الناصر ويقال انه في عهده قامت بعض الحروب والخلافات بينه وبين أهل همدان والذين قاموا بقتله وهو نائم على فراشه وأخذوه ودفنوه هو والحراسة التي كانت معه في منطقة تقع جنوب وادي ظهر و يقول أبناء المنطقة ان قبره موجود حتى الآن ومعروف لدى الجميع .وعقب وفاة الإمام الناصر كان الأئمة يتخوفون من سكن هذا الدار حتى ان الأمام يحيى بنا بعض القصور الأخرى في الوادي ولكن سرعان ما غير رأيه أعاد ترميم الدار وبناء بعض الأدوار الإضافية من مادة الياجور وقام بإضافة بعض المرافق الأخرى مثل المجلس الخارجي والجامع المجاور وكتب على بابه " بناه لله المتوكل على الله ".ولعل النقوش الجصية وحكمة التخطيط الهندسي للقصر والخزائن أو الثلاجات الطبيعية للمياه المبردة ، ومدافن الحبوب ، والفتحات الضيقة في أركان الدرج والتى لا تسمح إلا بمرور فتحات البنادق ، وغرف الحراسة المحيطة بالقصر و التي يتجاوز عددها سبع غرف تتوزع على الجبال المحيطة بالقصر ، وغيرها من الاحتياطات الأمنية ، جميعها توحي بسيطرة الهاجس الأمني للقصر كما تبين روعة وعظمة التصميم للقصر .اليوم وبعد أن بات المكان وجهة سياحية مهمة بالنسبة للوافدين لليمن فأن محيطة بات مهيئا لاقامة واحدا من اهم المشاريع الاستثمارية السياحية والتي من المقررانشاءها خلال المراحل المقبلة والبالغة كلفته الاجمالية 20 مليون دولار امريكي،بالاضافة الى مشروع تطوير منتزة وادي ظهر والذي يضم استراحات ومطاعم سياحية وحديقة للاطفال وموقف للسيارات وحمامات وأحواض سباحة، وملعب رياضي متكامل.. وهي مشاريع تطرح في مؤتمر الفرص الاستثمارية كواحدة من الفرص الاستثمارية السياحية في اليمن.