![](https://14october.com/uploads/categories/7SWQO3B5-010ND0/أحمد ناصر حميدان.jpg)
ما اخرج الناس للشوارع هي اسباب حقيقي، بعد ان احتقن الواقع بفشل حقيقي في ادارة المؤسسات، احتقان اعاد مدينة عدن لما قبل الكهرباء، وهي المدينة التي عرفت الكهرباء مبكرا في الجزيرة العربية، حيث تم افتتاح اول محطة كهربائية في منطقة حجيف عام 1926م أي قبل مائة عام، والكهرباء نقلت عدن لمصاف الدول الحضارية، واصبحت مصدر مهم للطاقة التشغيلية للحياة العامة للأنوار والادوات المنزلية ( مكيفات وثلاجات خلاطات وافران وغيرها من وسائل الحياة الحضرية)، بل تشغيل مؤسسات الدولة والشركات الخاصة والمصانع، أي انها حافز مهم للنهضة والتطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
واليوم وبعد مائة عام تعيش عدن في ظلام دامس، لا كهرباء يعني لا مياه ويعني لا خدمات صحية ولا تصريف لمياه المجاري، ولا حياة حضرية بل العودة لما قبل الكهرباء، أي العودة للأدوات التقليدية الفخارية لتبريد المياه، وتبدأ حالة فرز حقيقية بين الميسورين الذين بمقدورهم اقتناء طاقة شمسية او مولدات كهربائية، وبين غير الميسورين ورواتبهم الحقيرة التي لا تكفي حتى لتناول وجبة غذائية.
فقدان عدن للكهرباء يضاعف معاناة الناس المعيشية, ونتائج هبوط العملة المحلية، وما تسبب من فقدان الراتب لقيمته الشرائية، وانعكس ذلك على حياة الموظف، تسبب في معناة حقيقية للكوادر وعلى راسهم المعلم، وانعكست تلك المعاناة على التعليم اهم ركيزة من ركائز التنمية، وكل هذا ترتب عليه افقار وتجويع للمجتمع والعودة بعدن لما قبل الحضارة والرقي.
هل تستوعب السلطات القائمة اسباب ودواعي هذا الانهيار، مع احترامنا لكل المشاريع المتصارعة اليوم، التي اهتمت بالمناكفة التي سادت على منطق العمل الجماعي والتعاون المشترك، وقوضت الدولة وعطلت مؤسساتها، وتركت شروخا تسرب منها الفاسدون والنفعيون والمزايدون بالمصلحة، واصبح البعض يكيل التهم ويؤجج الواقع لما يفرق اكثر مما يوحد الصفوف والجهود لتصب في خدمة المواطن والوطن.
خرج الناس يقدمون رسالة، وما زالت بعض الاصوات تكابر وتناكف، وما زالت تكيل الاتهامات وتحرض لمزيد من الاحتقان، وخرج الناس متأملين من كل الجهات المسؤولة ان تصحو وتسيّد العقل والمنطق، ولكن هناك من لا يريد ان يستوعب ومازال يمارس نفس الخطاب، ويلوح بنفس العصا ويهدد ويتوعد، يخون ويتهم هذه الجماهير التواقة للتغيير والتحول لمستقبل افضل.
نتمنى من الجميع ان يعود لجادة الصواب، ويعرف ان الوطن هو ملك الجميع، واننا خلقنا احرارا ومختلفين، واختلافنا نعمة ان ترك له المجال يتمخض خيرا، بتبلور الافكار والتوافقات لما يخدم المصلحة العامة، ولا يمكن ان نعيش دون تنوع فكري وتعدد سياسي وعقائدي تنظمه قوانين و يحكمه دستور، وان القوة لا يمكن ان تخضع المختلف وتفرض على الناس واقعا لا يرغبون به.
هذه رسالة يجب ان تلتقطها القوى السياسية وتعيد ترتيب اوراقها وتشذيب خطابها بما يتناسب وتطلعات الناس، فإلغاء الآخر وإقصاؤه هو استمرار للاحتقان المؤدي للانفجار، والخاسر الوطن والمواطن، الخاسر انا وانت.