اول مدينة في المنطقة عرفت التخطيط المدني العمراني، الادارة المالية والاقتصادية، التعدد السياسي والفكري والثقافي، الازدهار التربوي والصحي والفني والرياضي والاعلامي.
من المستغرب ان الحلول اليوم لا تبنى من تجارب الماضي، بل يتم ابتكارها من قوى الحاضر، لم يتبق من كوادر الماضي غير القليل مهملين، لا يستشارون ولا يستفاد منهم.
عرفت عدن نظام المهندس البلدي، وكانت مدينة ذات تخطيط عمراني علمي يراعي الخصوصية المناخية للمدينة، لا يسمح لأيٍّ كان ان يخرق هذا العمران، مبان تراعي حركة الرياح، مجاري السيول، اهمية الحدائق والمتنفسات، الارتفاع المحدد للمباني، استمر هذا النظام حتى بعد الاستقلال بفترة، وبدأ يدمر شيئا فشيئا حتى صار ماضياً لا وجود له، كوادره مهملة في البيوت، واتذكر منهم المهندس العدني بدر محمد ناجي، الذي يملك تجربة يمكن الاستفادة منها ان كان هناك رغبة في الاصلاح.
للنظر لهذه التجربة التي تحولت لمجرد تاريخ في عالم متطور، صار البديل سيئا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حوّل المدينة لكتلة عشوائية، ومخنوقة ومعرضة للكوارث والسيول ، افتقدت للحزام الاخضر الذي كان يلطف مناخها صيفا ويحميها شتاءً، صارت مجرد كتل خرسانية متزاحمة، تمتص الحرارة نهارا وتبثها ليلا، كتل خنقت رئة المدينة، وتمددت لتبسط على متنفساتها.
تجربة الخزينة العامة التي كانت تجربة حديثة تضبط حركة المال والصرف، ولا تسمح للفساد ان يتوغل في هذا المجال، الذي اصبح اليوم مجالا خصبا للفاسدين، الخزينة العامة رغم آلياتها اليدوية، لكنها كانت تحفظ للجميع حقوقهم، اتذكر الرسائل التي كانت تصل للموظفين بقرارات علاواتهم وتسوياتهم دون أي متابعة، اليوم ومع تطور وسائل العمل الا اننا تأخرنا كثيرا، والسبب اهمالنا للتجارب والكوادر، وصارت المحاباة والاصطفاف المناطقي والسياسي هما معايير اختيار المسؤول، فلهذا وجدنا الكثير ممن يعملون في وظائف في غير تخصصهم، بل وبعضهم لا يملك أي تخصص.
التعليم كان عمودا صلبا في التنمية في عدن، لا يتم قبول المعلم دون المرور في اختبارات تؤكد حقه بالوظيفة، دون فحص نفسي واجتماعي، وبدأ الانهيار عندما فقدنا لمعيار اختيار المعلم، بل اختيار التأهيل للمعلمين، والكل يعرف عزوف الاذكياء عن التأهيل في دار المعلمين وكلية التربية، بسبب ان المعلم اقل اهتماما من قبل الدولة، راتب ضئيل وغير محفوظ المكانة، بل كانت الادارة تلزم البعض لتدريس مواد غير متخصص بها ، أي تكملة فراغ ، ومن هنا بدأ تدمير التعليم.
اليوم مفهوم المجالس المحلية لزيادة الإيرادات هو زيادة في حجم الاتاوات والجبايات، التي تضاعف من الغلاء، وتضيق الخناق على الرأس المال والتاجر وذوي المشاريع الصغيرة، و امامهم مرتكزات اقتصادية معطلة يمكن تشغيلها، تنمية بشرية واقتصادية، تشجيع للمشاريع الصغيرة والكبيرة، السياحة والاصطياد، تشجيع الشباب للعمل الخاص المنضبط، تشجيع الاستثمار بدون اعباء مالية مثقلة.
فهل نعود لنأخذ من الماضي ما ينفع الحاضر، وهذا يتطلب العودة لكوادر عدن وابنائهم ، ومعظمهم من ابناء عدن يعرفون تاريخها الذي عاشوه وتربوا عليه فهل يسمع من يقود دفة المدينة، ليسجل التاريخ انه كان الافضل في قيادتها؟!. ولله في خلقه شئون.