ومع الاسف ما زالت عدن ضحية المستمتعين بسرد حكايات ما تعرضت له المدينة وابناؤها من مظالم وقهر، حكايات اختلف حولها البعض، باختلاف توجهاتهم السياسية والفكرية، ومع الاسف ان المنتصر صاغ التاريخ لخدمته، وترك الآخرين يجتهدون، وتعددت الروايات، ومع مرور الزمن اجتهد البعض لخدمة توجهاته ايضا، و اليوم لا نستطيع ان نجمع اكاديميين نهلوا علمهم من ابحاث وكتب ودراسات، ومدونات التاريخ في مراكز الدراسات والبحوث الاجنبية والمحلية، وجماعات عاشوا المرحلة وتداولوا روايات حدثت في مرحلة النضال لم تؤرخ علميا وتاريخيا، وظلت حكاوي متداولة.
لا يختلف اثنان ان عدن تعرضت ومازالت تتعرض لشتى وسائل الاقصاء والتهميش والمذلة والمهانة، وطمس معالمها التاريخية وارثها المدني والثقافي والسياسي والاقتصادي، ومن المعيب ان تبقى عدن تبكي حظها، ويبقى البعض في زاوية النواح.
لابد من ان تنهض عدن لتستعيد دورها ومكانتها، لتلحق بركب التقدم والحضارة، ولن تنهض دون الانعتاق مما علق بها من ضرر، اضعفها وصار عقبة امام رص صفوفها، وتقوية ادواتها المدنية والثقافية والسياسية، بالعلم والبحث العلمي والدراسات، القادرة على رسم السياسات والاستراتيجيات، واستنساخ تجارب ماثلة والتخلق باخلاق ادواتها الناهضة.
مع العلم ان ما تعرضت له عدن على مدى سنوات من التدمير والتغيير الديمغرافي والعبث الثقافي والسياسي والاقتصادي بمقوماتها، لم يكن خارج مخطط القوى الاستعمارية في العالم وعلى رأسها الاستخبارات البريطانية والصهيونية العالمية، باعتبار عدن كانت النقطة المضيئة الوحيدة في منطقة تعيش حالة من الظلمة والتخلف والجهل، في عدن تخلقت نواة الحركة الوطنية، و اول حركة عمالية وثقافية وسياسية، اول برلمان( مجلس تشريعي) وحكومة وانتخابات، واحتجاجات ومظاهرات ومقاومة حقيقية للمستعمر ومشاريعه ومخططاته الاستراتيجية ( عدن التي اسقطت المستعمر ومشروع توظيفها ضد الامة )، عدن اول ميناء عربي واسلامي ومركز اقتصادي ينافس بقوة حتى وصل لثاني ميناء عالمي، وكانت عدن السباقة بالحضارة والتقدم وكل جديد، عدن النافذة الاولى التي اطل منها ابناء الجزيرة العربية على العالم.
هذه عدن التي ما زالت تملك كل المقومات، و مؤهلة لتقود التغيير، وهي اكبر من ان ننعاها بالبكاء والشكاء، عدن المفترض اليوم ان تنهض وبقوة لتقول لكل عابث ومستكبر ان عدن اكبر من ان تستسلم، وعلى شباب اليوم ان يدرسوا تاريخ عدن النضالي من منابعه المحايدة، هذا التاريخ الذي حاول المنتصرون في الصراعات تزييفه، وتجييره بما يخدم مشروعهم التدميري، وحان الوقت لنعيد للمدينة مكانتها، ونعيد تصحيح هذا التاريخ، بطرح ما يخدم مكانة عدن، وبما يوضح للجيل الجديد اهمية عدن ودورها في ترسيخ الدولة المنشودة.. دولة المواطنة والحريات والعدالة، حيث التعايش والتسامح والسلام، لترتقي عدن بالعلم والثقافة والفكر المضيء، لتضيء ما حولها، وتكون مصدر اشعاع وتنوع ثقافي وعرقي وتعدد سياسي وفكري، لتنهض من تقوقعها لتعود مركزا اقتصاديا هاما ينافس بقوة على المراكز الاولى في العالم.
وبفضل العقول والافكار والقامات والمقومات التي تملكها عدن ستعود عدن منارة لكل من حولها.