أن الإنسان - وهي مشكلة العالم كلِّه، وخاصة في منطقتنا - لا ينشأ في ظل مؤثرات إيجابية؛ فهذه (إنْ وُجِدَتْ) هي قطرة في بحر! إننا نتعرض جميعًا، في البيت والمدرسة والشارع، في علاقاتنا مع الإخوان والأقارب والأصدقاء، وفي توجهاتنا الفكرية والسياسية والاقتصادية، إلى أنواع مختلفة من المؤثرات الخارجية السلبية الضاغطة، ليس أقلها عدم الاحترام والتأنيب والانتقاص من شخصياتنا وعدم المبالاة بإبداعاتنا وخبراتنا وكلما استمرت هذه المؤثرات السلبية، أو كانت أوقَع أثرًا على نفس الإنسان، ازداد ميلُه إلى السلوك العنفي. ويظهر ذلك جليًّا في سلوكه المتوتر: فهو عصبي المزاج على الأغلب، لا يتحمل الآخرين، لا يتصف برحابة الصدر، لا يريد أن يسمع الآخرين ولا يحترم وجهات نظرهم، عنده رغبة في تلبية مطالبه وتحقيقها على حساب الآخرين، يغضب من أول لحظة يشعر فيها أن الحديث لا يروق له .
لهذا لازالت مقاييس القوة والخشونة تسيطر على أفكارنا يروقنا ان نتصف بأوصاف القوة صقور أو نسور أو أسود نتفاخر بالبطش والهيمنة لا نزن الأشخاص بعقولهم ولا بأفكارهم ولا برؤاهم ولا بمشاريعهم هذه ثقافة المجتمع السائدة التي تبني عليها القوى السياسية والإعلام للترويج للأشخاص او مشاريع القوة والزعامة .
هل تعتقد من الصدفة الهجوم الشرس على لقيادة والحكومة كأشخاص والتأكيد المستمر على الضعف الشخصي وعدم القدرة بالبطش والهيمنة والتسيد على الأخر لم نسمع يوما تقيم خارج هذا النطاق بمقاييس الفكر والثقافة والعلم هذا التوجه الذي تسلكه حتى بعض المثقفين منا يخاطب العامة من الناس للترويج لشخصيات بعينها كالقول كان الزعيم شخصية قوية رجلاً يهز الأرض لا يعصيه احد حتى وان كان خاوي العقل والفكرأما هؤلاء ضعاف هزيلين لا يستطيعون قيادة كتيبة حتى وان كانوا يملكون ثقافة وفكراً نيراً لهذا يغضبني كثيرا الهجوم المتعمد للأشخاص وإظهارهم بالضعف والهزل لأنني أدرك المعنى الحقيقي من إرساء هذه الثقافة داخل المجتمع ومخاطبة العامة بها لغرض في نفوسهم .
أي هناك من يتعمد الإبقاء على هذه الثقافة داخل المجتمع ليخدم أسياده لا يساهم في إرساء ثقافة مجتمعية سليمة واعية تقيم الواقع وفق الأفكار والرؤى والعقول لتحدد بصدق وأمانة موضع الخلل الذي دون شك سيكون مؤسسياً وثقافياً وسلوكياً عام لا علاقة له بالإفراد او الشخصيات فلنتخيل ان يكون رئيس وزراء أي دولة عظمى يستعان به أن يدير بلدنا في ضل هذه الثقافة وهذا السلوك وهذا الصراع هل سينجح ام سيفشل ؟ اترك الإجابة للمنطق.
هذه مقدمة لتعرفون ان ما يدور في الأعلام هو جزء من صراع هذه القوى فاليوم للأسف يتحول الأعلام أداة من أدوات إحقاق الباطل وإبطال الحق بعضهم تصور انه استطاع ان يخلق رأياً عاماً يخدم الثورة المضادة ضد ثورة الشباب توهموا أنهم استطاعوا ان يثبتون ان ثورة الشباب تآكلت من داخلها .
هناك صحف وقنوات أخذت على عاتقها هذه المهمة على مراحل وهي ألان في مرحلتها الأخيرة اتضحت رويتها وأهدافها لا مجال للشكوك حولها لكن أؤكد لكم بحكم خبرتي في الحياة أن الشباب في هذه الصحف و القنوات ضحايا القوى التقليدية لم يتحسسوا جيدا تحت أقدامهم بل اندفعوا اندفاعاً ستكون عواقبه عليهم وخيمة وبيننا الزمن هم ألآن يعيشون نشوة كاذبة بأنهم أدوا المهمة بينما الوطن يسير بخطى بطيئة لكنها صحيحة وقريبا ستنكشف أعمالهم وسيحدد مصيرهم المحتوم وسيقولون بل يتمنون لو كانوا مع الوطن وليس ضده
للعلم الصحافة ليست وظيفة مهنية فقط بل هي موقف ومبدأ ورسالة وطنية لا تستخدم لضرب القيم وتخريب الثقافة والسلوك المجتمعي لكنهم يتعمدون هذا التخريب ويدفعون الثمن من المال المدنس الذي صار مصيبة من مصائبنا كالمال المنهوب والمستورد يحطم كل ما نقدم على بنائه او تأسيس قواعد لهذا البناء كان الله بعون من يبنون ويشيدون أسساً طيبة لبناء الوطن لان هناك من يهد ويدمر هذا البناء قبل ان يجف ويتصلب لهدف في نفوسهم المريضة لكن التاريخ لا يرحم فقد كان سيدهم يعتقد انه دون لنفسه تاريخا سيمجده ولكنه سقط سقوطاً مذلاً ومهاناً ويحاولون اليوم ترميم هذا التاريخ المزور لكن دون جدوى فالفشل صار عنوانهم .
عندما يفتقد الصحفي للشرف فهو ليس بحاجة لميثاق لكن الديمقراطية التي نحلم بها هي أساسا ثقافة وسلوك ومبدأ دون ذلك تتحول الى فوضى ومصيبة تعيق تطورنا ما لم تتقيد بالشرف والمواثيق والعهود كالدستور والقوانين النافذة .
والله من وراء القصد