الرئيس اوباما وإدارته يريدون شن الحرب لأنهم يدركون التحكم بمداها ونتائجها, وما سيحدثه ذلك من انعكاسات خطيرة قد يكون ثمنها باهظاً على موقع ومكانة الدولة العظمى ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط, لهذا رمى الكرة في ملعب الكونجرس بغرفتيه بعد أن كان قد اتخذ قرار معاقبة سوريا اعتماداً على صلاحياته كقائد أعلى للقوات المسلحة الأمريكية.. ربما يمكن تفسير هذا التراجع في تحمل المسؤولية في قرار كهذا يعود إلى عجز الولايات المتحدة عن إيجاد تحالف دولي مشارك في هذه العمليات العدوانية كما كان الحال في الحرب التي شنت على العراق عام 2003م بذات الذريعة في عهد سلفه بوش الابن ومعه الجمهوريون الجدد الذين اعتقدوا بأن القوة هي التي ستمنحهم الهيمنة على العالم ليكون القرن الـ 21 قرناً أمريكياً, إلاَّ أن الرئيس أوباما لم يستوعب ما حصل من متغيرات خلال العشر السنوات الماضية.. فعام 2003 ليس 2013م, وسوريا ليست العراق, وهاهي أمريكا تجد نفسها في عزلة متزايدة يتخلى عنها أقرب الحلفاء, ونعني بذلك بريطانيا وغيرها من دول أوروبا.. ليجد الرئيس نفسه يدفع ثمن أخطاء سلفه التي جعلت أيقونة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي طالما تبجحت بها أمريكا مجرد هراء يثير الاشمئزاز ليس فقط في أوساط الشعب الأمريكي, بل والعالم أجمع .. فالمشاهد المقرفة والشنيعة لسجن أبو غريب وجوانتنامو وفضيحة ويكيليكس والتجسس على خصوصية المواطن الأمريكي ومواطني كافة أصقاع الأرض بمن في ذلك رؤساء ومسئولون كبار لدول حليفة جعل ذريعة الكيميائي في سوريا واهية, وإن وجدت فهي من صنيعة استخباراتية لأمريكا ومن جمعوا أوباش الأرض من الإرهابيين إلى هذا البلد.
العالم لم يُعد يثق بأمريكا , ولم يتبق لها إلاَّ حفنة من الحلفاء الذين طالما تعاطوا في الماضي مع جيش الدولة كبلطجي عالمي يتم استئجاره وقت الحاجة, ولو أن ذلك يلبي مصلحة أمريكية في الهيمنة على العالم , وهذا ما يجعل من شن حرب على سوريا مأساة سوف تمتد إلى المنطقة كلها , لكنها ستنتهي إلى شرق أوسطي جديد مغاير لما حاربت من أجله وحلفاؤها طوال العقدين الماضيين , وهذا سيجعلنا نقف على أعتاب نظام دولي متوازن متعدد الأقطاب .. فهل أمريكا تتحمل وزر عنجهيتها وعدوانها .. هذا هو ما يفسر لنا لجوء الرئيس اوباما إلى الكونجرس هروباً من أخذ المسؤولية على عاتقه بعد أن تخلى عنه حلفاؤه .. ليجد نفسه أمام مغامرة يجهل عواقبها!!