لم يمر القضاء المصرى على مدار تاريخه بمحنة عظيمة كالمحنة التي يمر بها الآن، والمتمثلة في تلك الهجمة الشرسة التي يتعرض لها من تنظيم الإخوان الحاكم لمصر والذى يسير غير مبال في طريق أخونة الدولة بكاملها والقضاء وهو السلطة الثالثة - بعد السلطتين التنفيذية والتشريعية واللتين أصبحتا في يد الجماعة - يجب أن يصبح هو الآخر في يد الجماعة حتى تأمن الجماعة منه وحتى تنفذ ما تشاء، وكله بالقانون، ولأن الجماعة تدرك أن السلطة القضائية متماسكة إلى حد كبير ولن تقبل المساس بها فكان المطلوب هو اصطناع أزمة للقضاء والدخول في متاهات كثيرة ومعقدة وأن يظهر د. مرسي بمظهر الذي يحاول حل الأزمة وهو ما حدث ورأينا عناوين الصحف الحكومية وصحيفة التنظيم الحاكم تتحدث عن أزمة القضاء والقضاة، وأن د. محمد مرسي اجتمع بمجلس القضاء الأعلى لمحاولة حل الأزمة، والحقيقة أن التنظيم الحاكم لا يدرك أن المساس بالقضاء هو عصف بالدولة بكاملها فالقضاء هو حصن الحريات وملاذ الضعفاء وملجأ أصحاب الحاجات في ظل دولة قوية تحترم القانون وترفع راية سيادة القانون، والمساس بهذا القضاء يؤدى إلى فقد المواطنين لإحساسهم بالعدالة وإمكان تحقيقها وشكهم في القضاة وما يصدر عنهم من أحكام، وهذا إن حدث فسيعانى منه الجميع حاكمين أو محكومين لأن إعادة بناء السلطة القضائية من جديد وبث احترامها في نفوس الجميع والرضا بما يصدر عنها من أحكام، وأنها تمثل العدالة بكافة أشكالها وصورها هو أمر في غاية الصعوبة ويحتاج إلى وقت كبير جداً، ولكن قد يكون السؤال لماذا القضاء ولماذا الآن؟ والواقع أن الإجابة عن هذا السؤال لا تقتضى بذل الكثير من الجهد فالقضاء هو أول شىء يفكر فيه كل من لديه مظلمة وكل فرد يصدر له قرار من جهة إدارية وهو الجهة الوحيدة القادرة على كبح جماح السلطة وإيقافها من خلال إيقاف قرار الرئيس والوزراء والمحافظين وكل عناصر السلطة، ولأن القضاء اأيضاً به الكثير من القضاة المستقلين الذين يقومون بأعمالهم بعيداً عن أى تدخلات أو حتى مجرد السماح بها وبخاصة شيوخ القضاة ولأن الجماعة وتنظيمها الحاكم تعلم ذلك جيداً أو تعلم أنه في ظل عنفوان النظام السابق كان القضاء هو حصن كل مصرى وكان القضاء المصرى نصير كل محتاج ومنهم الإخوان وكثيراً ما أصدر هذا القضاء الأحكام لصالح المنتمين لجماعة الإخوان وأفرج عن المعتقلين منهم وكان ذلك ضد رغبة النظام الحاكم وكان الإخوان يشيدون بهذا القضاء كثيراً بل وشاركوا في بعض وقفات نادى قضاة مصر في فترة النظام السابق، والآن تحول هذا القضاء - رغم عدم تغييره - من وجهة نظر الجماعة إلى عائق يحول دون تنفيذ مخططات التمكين والأخونة فلا بد من ضربه واصطناع الأزمات له وهو ما يؤدى في النهاية إلى استقطاب المزيد من القضاة المتأخونين والذين أصبحوا معروفين للجميع وكذلك دخول الكثير من المحامين المنتمين للإخوان للقضاء تطبيقاً لأحكام قانون السلطة القضائية الحالى وهو ما يعنى المزيد من التمكين والأخونة للقضاء وهو ما يضمن البقاء الدائم بهذه السلطة الهامة ويبقى السؤال لماذا الآن؟ والإجابة لا تحتاج أيضاً لمزيد من الجهد، فالانتخابات النيابية - وفق رأى الإخوان - على الأبواب وقبل أن تمر هذه الشهور وتأتى الانتخابات تكون جماعة الإخوان وتنظيمها الحاكم قد انتهوا من خطة التمكين للجماعة في القضاء وأصبحت هذه السلطة الهامة في أيديهم وحينها فالانتخابات مضمونة النتائج فلن يستطيع أحد إثبات أى انتهاك أو تجاوز أو أى شىء على الإطلاق وبخاصة في ظل نظام انتخابى تم تفصيله لخدمة التنظيم الحاكم وحزبه وجماعته بل وسيصبح أى طعن في نتائج الانتخابات هو أمر عبثى معدوم القيمة، ولكن ما آثار اندهاشى هو موقف مجلس القضاء الأعلى من الذهاب لقصر الاستبداد ومقابلة د. مرسي وتصبح العناوين الرئيسية للصحف هو أن الرئيس يتدخل لحل أزمة القضاء، وكأن المشهد هو أن القضاء لديه مشكلة والرئيس هو من يحلها ولم تكن هذه هي المرة الأولى للقاء مجلس القضاء الأعلى بالرئيس فقد حدث ذلك من قبل أثناء أزمة النائب العام الشرعى المستشار عبد المجيد محمود وسرعان ما استجاب الرئيس لهم ظاهرياً وبعدها أطاح به في أول فرصة بإصداره الإعلان غير الدستورى الصادر في نوفمبر 2012 والدكتور مرسي وجماعته ليس لديهم أى ثقة على الإطلاق في القضاء على اختلاف درجاته، وهو ما عبر عنه المستشار القانونى المستقيل للرئيس صراحة ولذلك فلا أمل في استجابة وإن حدثت فهى كاذبة ولن تستمر طويلاً وسيتم ما تريد جماعة الاخوان إن عاجلاً أو آجلاً ولن تصبر الجماعة طويلاً على ذلك ولذلك يجب على مجلس القضاء الأعلى ونادى القضاة والهيئات القضائية الأخرى بل والأحزاب والقوى السياسية وجميع المواطنين أن يهبوا جميعاً للدفاع عن السلطة القضائية من هذه الهجمة الشرسة، فخسارتها خسارة للجميع، وليعلم القادة فيها جميعاً أن التاريخ سوف يذكر الجميع بمواقفهم وأفعالهم وأن أوقات المحن هي التي تصنع سير العظماء.