الإجحاف أو الإهمال أو التجاهل - أياً كان المسمى- الذي يتعرض له المبدع، ليس خاصًا بمجتمع معين، أوبلد بحد ذاته. بل عانى منه المبدعون في مختلف البلدان، وعبر العصور، لكن قد تكون أكثر أو ابرز وضوحا في بلد دون غيره كما هو الحال عندنا في بلادنا. فقد عانى عميد الأدب العربي طه حسين، ليس من العمى في طفولته بسبب الجهل فحسب، بل أيضًا من صعوبات اجتماعية وفكرية وتصادم مع الجمود الفكري في الأزهر والجامعات، كما تعرض لهجوم شديد واتهامات بالكفر بسبب آرائه التنويرية. ورغم هذه المعاناة، تمكن من التفوق في تعليمه وحصوله على الدكتوراه، ليصبح عميد الأدب العربي وداعيةً لإصلاح التعليم والثقافة في مصر.
وهاهو أديبنا الكبير أديب قاسم الذي عانى هو الآخر ماعانى من إهمال واجحاف يشير إلى معاناة الأديب الكبير علي احمد باكثير، في بلد قال فيه احمد شوقي يومًا عن مصر والتقطه منه الشاعر صالح جودت في مرثيته للأديب الكبير علي احمد باكثير لما لقيه من معاناة حرب شديدة ضده من اليسار واليمين المصري... غير أننا هنا مع الشاعر الغنائي الجنوبي _ اليمني المبدع عبدالله بقعي وفي عدن الجنوب إنما أنت في بلَد كل شيء فيه يُنسى بعد حين. كان باكثير رائداً عبقرياً فذاً، لكنهم حاربوه بسبب توجهاته الإسلامية حتى أنهم كانوا يطلقون عليه “علي إسلامستان”. قرأت روايته واإسلاماه في مكتبة اخي محفوظ في الديس الشرقية والعديد من مؤلفاته، وحضرت الفيلم السينمائي الشهير المأخوذ عن روايته بنفس الاسم في “سينما الأهلية” في الشيخ عثمان، بطولة أحمد مظهر، وحسين رياض وفريد شوقي ولبنى عبدالعزيز. ومن أهم أعماله الروائية: الثائر الأحمر، سلامة القس، سيرة شجاع. كما اشتهر بمسرحياته مثل سر شهرزاد ومأساة أوديب. وترجمت بعض أعماله إلى الفرنسية والإنجليزية. كما ترجم مسرحية شكسبير ( روميو وجوليت ) بالشعر المرسل عام 1936 م وبعدها بعامين -عام 1938م - كتب مسرحيته (أخناتون ونفرتيتي) بالشعر الحر ليكون بذلك رائد هذا النوع من النظم فى الأدب العربي.
ويبدو أن القليل الذي كتبته عن شاعرنا المظلوم عبدالله بقعي في هذه الزاوية الاسبوع الماضي قد أثار أشجان عديدين..
فهاهو الزميل والكاتب محمد الشقاع المقيم في المملكة المتحدة يستشهد بما تعرض له شاعرنا الكبير صاحب المدرسة التجديديةللشعر والغناء في لحج عبدالله هادي سبيت من إهمال وتجاهل في حياته، فيذكر إلى أن سبيتًا كان صديق أعمامه في الحديدة، وكان جليسهم المفضل وطبعوا ديوانه (الدموع الضاحكة). عاش وتزوج هناك وانقطعت أخباره وساءت أوضاعه وانتهى به الأمر حارس مدرسة...لم يهتم به أحد كحال معظم المبدعين وبمجرد موته وبعد دفنه سيلت الأحرف في البكاء عليه!!”
ويكشف زميلي الإعلامي محبوب علي نقيب الصحفيين السابق أنه شخصيا تتلمذ على يد الأستاذ صالح نصيب الشاعر والاديب واللغوي في كلية بلقيس بالشيخ عثمان. ويضيف: “كثيرون لا يعلمون ان انامله أيضا ذهبية في فن الكتابة المبهرة كأنه ينحت الحرف ويستنطقه”!! وهكذا كان أيضًا في شعره.
ولم يكن حظه بأفضل من حظ عبدالله هادي سبيت ومعاصريه.
وصديقي الجميل شاعر الدحيف من شقرة أحمد قصعان غمرني بفيض كرمه: “ياسلام ما قصرت نبشت وفتشت واعطيت هذا الشاعر المشهور “المغمور” حقه الذي لم ينله من احد، ورغم تكريمه مع الأديب اديب قاسم الا ان تكريمك له في هذا المقال يعد اكثر من تكريم.” ويضيف المصور التلفزيوني صديقي جمال ناجي : الأستاذ عبدالله بقعي يستحق اكثر من هذا لأنه بالفعل تم تجاهله من أُولئك الذين لم يعرفوا بقدره وكفاءته وابداعه. وقد ربطتني به علاقة حميمة لفترة من الزمن حتى انه عندما يتواجد في صنعاء كان يقيم عندي إلى أن يغادر الى عدن وعشت معه فترة جميلة وذكريات رائعة جدا وعرفت عنه الكثير من خلال هذه اللقاءات ربنا يعطيه العافية وطولة العمر.”