نبيل مقبل.. رائد التجديد في الإخراج الإليكتروني بصحافة عدن


عدن / 14 أكتوبر/ خاص:
كتبها / نجيب مقبل:
سيرة ذاتية
اليوم 1سبتمبر 2025م يمر عام كامل على رحيل المخرج الصحفي والفني نبيل محمد مقبل، اخي وشقيقي الأصغر ، الذي توفي بصورة مفاجئة عصر ذلك اليوم اثر ذبحة صدرية لم تسعفه حشرجة الموت من أن يأخذ نفسا من حياة وكان على شفا ..
رحل نبيل مقبل ولم يتجاوز سوى ثلاثة أشهر من بلوغه الستين عاما ، حيث كان يوم ميلاده الخامس من يونيو (حزيران ) 1963م، وهذا اليوم كان سهلا علينا حفظه لأنه يوافق في اليوم والشهر تاريخ نكسة حزيران عام 1967 م ولكنه سبق هذا التاريخ بأربع سنوات.
كان نبيل ، رحمة الله عليه، هو الاخ الأصغر فينا نحن الخمسة أبناء محمد مقبل، وهو الذي سبقنا إلى دار القرار، عندما توفي أبي محمد مقبل في مارس 1963م كان هو في بطن أمي في شهره السادس، حيث ولد بعد وفاة أبيه بثلاثة أشهر تقريبا ..فيما كنا نحن صغارا وأنا في سن الخامسة.
وتحت هذا الظرف القدري كان نبيل محط رعاية واهتمام خاصين من الجميع من الوالدة ومن أخواته ومنا انا وفؤاد، وقد ترعرع تعليميا على يدي ويد اختيه حتى وصل إلى الثانوية.
لن أطيل في سرد حياة اخي نبيل الشخصية رغم ما لها من ذكريات طفولية وذكريات اخوية حتى يوم وفاته، وسأكتفي بسرد سيرته المهنية التي تهم أهل الإعلام والصحافة.
سيرة مهنية شبابية
وابدأ من تاريخ توظيفه في أواخر عام 1985م، عندما تقدمت لاستاذي الشهيد احمد سالم الحنكي مدير عام دار (الهمداني) للطباعة والتأليف والنشر حيث كنت موظفا فيها في دائرة التأليف والنشر منذ عامين، طالبا توظيف اخي نبيل في الدار فاستجاب على الفور ومن هذا التاريخ بدأ نبيل الاشتغال في العمل الفني والطباعي المرتبط بالعمل الصحفي وإصدارات الكتب.
بدأ العمل في دار الهمداني في إدارة الاوفست ثم انتقل الى المشروع الجديد ليعمل في إدارة الاوفست الضوئي .
وفي هذه المرحلة ظهرت عليه ملامح اتقان العمل وكان محط اهتمام رؤسائه.
وبعد عام 1990م تم دمج الصحفيين العاملين في صحيفتي (المسار) و(نداء الوطن) ومجلة (نشوان) التي كنت مدير تحريرها، إلى قوام صحفيي (14 اكتوبر) وكنت واحدا ممن شملهم هذا الدمج، فيما بقي اخي نبيل في قوام فنيي المشروع.
ثم انتقل الى قسم التنضيد الاليكتروني الذي كان قسما جديدا يسمى الصف الضوئي برئاسة الأستاذ كمال باوزير، وهنالك كانت البداية لاختراق فني ريادي، حيث بدأت ملامح تفتحه على الحاسوب الـ(اي بي ام) ثم الماكنتوش والتعرف على البرامج الاخراجية خارج نطاق الصف الضوئي ثم برامج الاخراج الاليكتروني المكتبي اولا ثم تطور إلى برامج اخرى أكثر تطورا.
السيرة المهنية في (14 اكتوبر)
في العام 1995 م طلب مني أخي نبيل، بعد رجوعنا من إجازة وفاة أمي الراحلة في ابريل 1995م، أن يعمل في أجهزة الصف الضوئي التابعة للصحيفة، وبالفعل تقدمت بالطلب لرئيس مجلس إدارة رئيس تحرير صحيفة (14 اكتوبر) الاسبق الذي وافق على انتقاله إلى الصف الضوئي للصحيفة تقديرا لحالة وفاة والدتنا.
ومن الطرف الفكهة والسمجة التي كان يرويها رئيس التحرير ذاك وهو يمر أمام دائرة الصف الضوئي تهكما على نبيل مقبل بالقول : ما هذه الجثة الطويلة الذي يعمل في هذا القسم !!
وبالفعل كان نبيل مقبل طويل القامة كأبيه الذي كان أحد أسمائه (الطويل) ومكتنز الجسم كأمه فاجتمع فيه الطول والاكتناز فكان يبدو من وراء الزجاج شابا ضخما على كرسي ضيق وهو منهمك أمام شاشة الكمبيوتر الصغيرة الحجم.
ولكن ما لم يدركه رئيس التحرير المتهكم أن هذا الشاب الضخم العريض المنكبين الذي يجلس على كرسيه الضيق أمام الشاشة متفحصا برامج الاخراج وتقنيات البرامج الأولية للفوتوشوب سيحدث ثورة في عالم الاخراج في صحيفة ( 14 اكتوبر) وفي صحافة عدن عموما، فعلى يد هذا الجالس على كرسيه الضيق على جسمه سينفذ نبيل مقبل ما هو أكبر واستثنائي في حياة الصحيفة التي يرأسها ذلك المتهكم !!
في هذه الفترة كان اخي نبيل يبلغني عن تطور معرفته البرامجية لأجهزة التنضيد ودخوله عالماً آخر غير هذا العالم البسيط لصف الكلمات وتنضيدها وتنسيقها بالبنوط المحددة للعنوان والكلمات حتى تسلم للمخرج الصحفي اوراقا مصفوفة ومنسقة ويقوم المخرج الصحفي بتلصيقها على صفحة الاخراج، وكان هذا يسمى الاخراج الورقي الذي يعمل عليه كل مخرجي الصحيفة في ذلك الوقت منذ ما بعد الصف اليدوي ودخول نظام الاوفست في ثمانينيات القرن الماضي.
كان الفقيد نبيل مقبل لديه شاغل آخر غير عمل الصف الضوئي بأن يقوم هو بنفسه بالاخراج الصحفي ومن دون قص ولصق ورق المواد الصحفية وإخراجها يدويا، ولقد تشبع بتعلم البرامج الاخراجية وتطبيقها، وكان يطمح لاخراح صفحات الصحيفة اليكترونيا عبر الجهاز مباشرة.
وكنت أنا أيضا من خلال اطلاعي على الصحف العربية وخاصة اللبنانية اراها قد خرجت من دائرة الاخراج اليدوي إلى الاخراج الحديث الاليكتروني، وتلاقت رؤانا التطويرية .. انا من الناحية النظرية وهو من الناحية التطبيقية.
أولى تباشير الإخراج الإليكتروني
كانت البداية أثناء عملي مشرفا على الملحق الثقافي، حيث اتفقنا انا واخي نبيل أن نخرج الملحق في صورة مجلة وبإخراج اليكتروني، وكان لنا ما أردنا أخرجنا الملحق/ المجلة في تكتم شديد، ودون الرجوع الى رئيس التحرير الذي كان مسافرا .
كان هذا العدد بداية الثورة الاخراجية في صحيفة 14 اكتوبر عام 1997م، واصدرنا عددين من الملحق من دون علم أحد في إدارة التحرير وفي غياب رئيس التحرير الذي كان مسافرا.
وعندما عاد رئيس التحرير من سفره دخلت عليه مبتهجا بهذا الإنجاز الفني الذي حققناه انا ونبيل ووضعت العددين أمامه، فكان رد فعله باردا وتقبلت هذا الرد بهدوء وخرجت من مكتبه .. ولكن المفاجأة اتتني في آخر الشهر حين اكتشفت أن مكافأتي على هذا الانجاز هو شطب اسمي من كشف الإضافي ومن الانجاز الفكري .
وكان هذا إشارة لي بألا اعود لهذا الامر وعدم التجرؤ بتجاوز الآلية التقليدية المعمول بها في الصحيفة، واكتشفت أيضا شيئا اكبر أنه لا يوجد استعداد ذهني ومهني لدى قيادة الصحيفة للتطوير ومجاراة التحديث الطباعي الجاري في العالم وفي الصحافة العربية، وهنا توقفت وأوقفت نبيل عن هوسه بالاستمرار في هذا التوجه، لانه لايوجد لدي سلطة إدارية وتحريرية للاستمرار في هذا النهج حيث لا يوجد تقبل من اي أحد في قيادة الصحيفة لهذه الطفرة الاخراجية.
ومر عامان على هذا الحدث حتى وصلت انا في عام 1999م إلى منصب مدير التحرير وهي درجة تمكنني من إدارة اخراج الصفحات ومنها الصفحة الأولى، وفي إحدى النوبات الليلية وكان فيها اخي مناوبا كصفاف ضوئي، اتفقنا وإياه على أن نخرج الصفحة الأولى من الصحيفة اليومية بإخراج اليكتروني، وظللنا منكبين على إخراج الصفحة الأولى، والمخرج اليدوي المناوب يطالبنا بمواد الصفحة الأولى ورقيا ليخرجها يدويا، وانا أماطله، حتى اكتمل إخراج الصفحة الأولى وذهابها للتصحيح ومن ثم تصحيحها عبر الجهاز.. وكانت هذه الصفحة هي أول عهد لصحيفة (14اكتوبر) بالاخراج الاليكتروني، وكان رائد هذا التحديث هو الصفاف الضوئي الذي أصبح مخرجا من ذلك اليوم واعني نبيل محمد مقبل، وهذا ثاني إنجاز فني له خلال عامين.
وفي اليوم التالي فاجأني أحد المخرجين المخضرمين يمسك بخناقي في ممر الصحيفة ويقول لي : ايش تريد أنت وأخوك نبيل ترمونا في الشارع بعد هذا الذي فعلتوه أمس بإخراج الصفحة الأولى بالجهاز وباتخلينا نحن المخرجين بلا شغل!!
هدأت من روع هذا المخرج المخضرم وقلت له مطمئنا له بأن الاخراج اليدوي باق في كل الصفحات ماعدا الاولى والأخيرة خليها لنا نخرجها بالجهاز.. وانصحك يا فلان أن تجلس على الجهاز وتبدأ تتعلم برامج الاخراج .. لأن المستقبل هو للاخراج الاليكتروني.
وبالفعل ذهب هذا المخرج إلى نبيل مقبل يطلب تعلم الاخراج الاليكتروني حتى صار بعد مدة يتقن هذا الفن، وهكذا بقية المخرجين الذين انضموا إلى قائمة الاخراج الاليكتروني واولهم المخرج الراحل مصطفى عبدالخالق وبقي عدد من المخرجين القدامى على عادتهم بالاخراج اليدوي حتى تقلصوا وصار آخرهم المخرج الراحل فؤاد نعمان يقوم فقط برسم التخطيط الأولي لترتيب مواد الصفحات ورقيا ليسهل للمخرج إخراجه من بعد على الشاشة.
كان هذا الانتقال شبه الكامل للاخراج الاليكتروني قد تم في زمن كنت فيه مديرا للتحرير ( 1998) ولدي سلطة في فرض التجديد، في ظل الغياب الكامل عن آلية العمل لرئيس التحرير الجديد الذي جاء من بعد وترك لنا الامر على الغارب من دون معرفة او اعتراض ..
تكريس نهج الإخراج الإليكتروني
كانت نبيل مقبل الصفاف الضوئي سابقا قد تحول إلى مخرج كامل الصلاحية في إخراج صفحات الصحيفة اليكترونيا، يتطور بفعل ذكائه الفطري لتعلم البرامج الاخراجية وينمي موهبته الفنية الفطرية وحماسته التي ساعدته على القيام بما كان مستحيلا .. فأصبح عمله في صحيفة (14اكتوبر) متقدما على كل الصحف العدنية ومنها صحيفة (الأيام) الغراء التي كانت حتى ذلك الوقت تعمل بالاخراج اليدوي، واعتماد نظام التراكيب في ترتيب الاخبار في الصفحة الاولى وعدم الانتقال إلى نظام المسطحات الذي يسهل عملية الإخراج الذي يعتمد عليه الاخراج الاليكتروني.. إلى ان خرجت (الايام) الصحيفة العريقة من بعد إلى تطبيق هذا النظام الجديد في زمن لاحق.
وكانت هذه سمة فنية ميزت السنوات الأخيرة من التسعينيات حتى وصول قيادة جديدة للصحيفة تفهمت لهذا التطور الاخراجي وشجاعته.
من مخرج إلى مدير الإخراج
اكتسب المخرج نبيل مقبل المهارة والمكانة التي أهلته أن يكون خلال الفترة من عام 2001 م حتى العام 2005م المخرج الاول في الصحيفة وقائدا للمخرجين الشباب الذين تتلمذوا على يديه واصبحوا مخرجين على الجهاز وانطلقوا في مهاراتهم الاخراجية ليكونوا الكتلة الأكبر والأساسية في الاخراج الصحفي.. ويصبح نبيل مقبل مديرا للاخراج الصحفي..
وقاد في هذه المرحلة إخراج ملاحق رسمية اسبوعية تابعة للصحيفة وعلى رأسها الملحق الاقتصادي.
مرحلة جديدة في التطوير
في عام 2005م تم تعيين رئيس مجلس ادارة ورئيس تحرير جديد هو المرحوم احمد الحبيشي الذي كانت له رؤية تطويرية لآلية العمل التحريري والفني والطباعي.
وعلى رأس ذلك التطوير التحريري والفني الانتقال الى نظام التراسل للمواد والصور عبر شبكة اليكترونية داخلية تضم إدارة التحرير والصف الضوئي والتحرير الاليكتروني والإخراج الفني وممارسة المهام التحريرية والفنية لمرحلة ما قبل الطباعة عبر هذه الشبكة بنظام التراسل للمواد والصور فيها.
وكنت في هذه اللحظة قد عدت الى إدارة التحرير بعد إقصاء قسري استمر خمس سنوات فعدت مديرا للتحرير ومسؤولا عن هذا التراسل الاليكتروني في التحرير إلى الاخراج الفني.
وكان نبيل مقبل مديرا للاخراج الفني وشهدت هذه المرحلة استمرارا لمتابعة مسيرته الناجحة في تطوير الاخراج الفني والانتقال إلى الاخراج الملون.. ثم صار مديرا للمكتب الفني حيث أصبح لديه المسؤولية الكاملة على سير العمل الفني من المرحلة التحريرية حتى المرحلة الطباعية، فكان مؤسسا لهذا التطوير بالنظام التراسلي ونظام الاخراج CTF من الكمبيوتر الى الفيلم حتى يصار إلى إلى البليت الجاهز للطباعة .
في هذه المرحلة تحمل نبيل مقبل مسؤولية هذا التحول الحداثي حينها بكل قيادة ودراية فنية بل ومواصلة لما بدأ به في عام 1997م ثم 1999م واصراره على تحويل نمط الاخراج اليدوي إلى نظام اخراج اليكتروني وبرز تحت قيادته صف من الشباب المخرجين والفنيين.
الكارثة التي هدت المعبد
كان الأمر يسير على ما يرام حتى انقلب رئيس التحرير على من قاد التغيير وعلى رأسهم نبيل مقبل وحصلت الكارثة حين استغنى رئيس التحرير عن عدد من الصحفيين والمخرجين القدامى، ولأسباب غير معروفة ادمج رئيس التحرير اخي نبيل مقبل ضمن هذه المجموعة بإقالته من إدارة المكتب الفني وطرده من المؤسسة، والدخول في خصومة معه ومع هذه المجموعة حتى وصلت إلى المحاكم وخلال هذه الفترة توقف اخي نبيل عن ممارسة مهنته الاخراجية وتجافت أصابعه وأفكاره عن التعامل مع البرامج الحديثة والمطورة.
وبدأت مرحلة تحول تنازلي في حياة نبيل مقبل من ذاك المخرج الجهبذ ذي الأفكار الاخراجية الرائدة في صحيفة (14 اكتوبر) والقائد لعملية العمل الفني لما قبل الطباعة إلى التوقف القسري عن ممارسة أي عمل فني او اخراجي الا من استشارات فنية من أبنائه المخرجين واستمر الحال كذلك من دون عمل حتى يوم وفاته.
خلاصة رائدة
ويبقى للمخرج نبيل مقبل دوره الريادي في العمل الصحفي والفني في صحيفة (14اكتوبر) وفي الصحافة العدنية من خلال:
١- ريادته للتحول الحداثي من الاخراج الورقي التقليدي إلى الاخراج الفني، ومن نمط اخراج الاخبار بطريقة البناء التراكيبي إلى نظام المسطحات .. ويعتبر نبيل مقبل رائد الاخرج الاليكتروني في صحافة عدن الذي قاد حركة التجديد الاخراجي الاليكتروني في صحيفة (14 اكتوبر) منذ العام 1997 و العام 1999م بصورة متفرقة وقاد محاولات ناجحة لم تلق الترحيب حينها لكنها أصبحت جزءا اصيلا من عمل الاخراج الصحفي بعد ذلك تحت قيادته في وقت كان السائد في الصحف العدنية الأخرى هو الاخراج الورقي.
٢- ريادته في تعميم وتعليم جيل الشباب للاخراج الاليكتروني الحديث من خلال عمله كمدير للاخراج الصحفي من العام 1999ـ 2005م والقائمة تطول للمخرجين المبدعين الذين تتلمذوا على يديه وحملوا الراية من بعده.
٣- مساهمته بكفاءة عالية وبقيادة محنكة لتطوير العمل الفني لما قبل الطباعة خلال موقعه كمدير للاخراج الفني والمكتب الفني من العام 2005 حتى 2007م سواء بنظام شبكة التراسل الاليكتروني بين التحرير والإخراج و بين الاخراج الفني والطباعة الفيلمية لما قبل البليت.. ولم يتسن له المشاركة القيادية في نظام CTP الذي جاء فيما بعد لاقصائه من منصبه .
خاتمة
هذا غيض من فيض انجازات المخرج الفني والصحفي الراحل نبيل محمد مقبل.
تغمد الله الفقيد اخي نبيل مقبل بواسع رحمته ومغفرته واسكنه فسيح جناته.
