في الذكرى الخامسة لرحيل أ.د. جعفر الظفاري :
شوقي عوض عن المتماهي في الروح والإبداع عرج بنا أ.د . يحيى قاسم سهل في سموات الراحل الكبير أ.د. جعفر عبده الظفاري في ذكراه الخامسة حيث لامس في هذه الذكرى الهموم الإبداعية والأكاديمية التي كان يتقاسمها الدكتور جعفر عبده الظفاري ومنها ما يتعلق بالجوانب البحثية والنقدية معاً كالقضايا المتعلقة بالشعر الحميني في اليمن مبيناً في ذلك الأثر موقع النشأة والتكوين والموطن الأساس للقرية الحمينية وهي القرية المعروفة بالحمينية وبالموشح الحميني اليمني والقريبة من منطقة ( حيس ) الحمينية والتي ينتسب إليها أهم مؤسسي الشعر الحميني ابن فليتة ، المزاح.. العلوي، الأهدل ويأتي قبلهم أبوبكر إبراهيم بن يوسف الحكاك.. الخ. متصحفاً وقارئاً في أضابير الصحف والمجلات والمراجع والمصادر والدواوين الشعرية المختلفة. في كل ما كتب حول هذا الشعر (الحميني) وعلى وجه الخصوص الشعر الحميني في اليمن ليقوم بعد ذلك بتحليلها وتفنيدها علمياً ومنهجياً في أطروحته العلمية والمنهجية والتي كتبها عن الشعر الحميني في لندن مطلع (الستينيات) بالإنجليزية حيث أودعها بمعهد الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة (لندن) وحاز بها درجة الدكتوراه في عام 66م. وقد قام في عامي (92م - 96م ) بترجمتها إلى العربية ليضع بذلك المبحث العلمي حداً فاصلاً بعقد مقارنة بين الموشح الأندلسي والشعر الحميني بأنه الشعر العربي المكتوب بأية لغة كانت دارجة من لغات الحديث اليومي وبغض النظر عن تراكيبه اللغوية وقافيته وأغراضه المتعددة الخ. ويضع النقاط على الحروف في تصوراته الصائبة حول مفهوم مصطلح الشعر الحميني عند تقديمه في قراءة لنماذج من الشعر الحميني اليمني منذ القرن الثامن الهجري وكذا بتقديم نماذج من أشعار الزجالين العرب كابن قزمان وآخرين من الوشاحين الأندلسيين .. وفي المطوية التي أعدها أ.د. يحيى قاسم سهل جاء مايلي : << ولد جعفر عبده صالح الظفاري في مدينة عدن عام 1936م. << درس في مدارسها الابتدائية الأعوام ( 44 - 1948م) ، والمتوسطة في المدرسة المتوسطة الحكومية في الأعوام (48 - 1951م) والثانوية في كلية عدن في الأعوام (1952م - 1956م) حيث نجح في امتحان شهادة الثقافة العامة (G.C.E) في ثمانية موضوعات وفي جلسة واحدة. << التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت عام 1956م ونال منها إجازة البكالاريوس في الأدب العربي عام 1960م. << كما حصل على دبلوم في التربية في العام نفسه . << بين عامي (1960 - 1961م) عمل مدرساً للأدب العربي في المدرسة الثانوية الحكومية. << التحق بمعهد الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة (لندن) ، ونال إجازة دكتوراه فلسفة في الثقافة الإسلامية عام 1966م. << عمل ضابط معارف للنشر ونائب مدير المعارف في وزارة المعارف الاتحادية في العامين (1966م - 1967م). << نال دبلوماً في التوثيق التربوي من مصر عام 1986م . << شغل منصب مدير التوثيق التربوي في وزارة التربية والتعليم في عدن في الفترة من (1968م - 1970م). << عين عميداً لأول كلية في جامعة عدن (كلية التربية العليا) ورئيساً لقسم اللغة العربية فيها في الأعوام (1970م - 1974م). << شغل نائب رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية من عام (1976م - 1982م). << عمل خبيراً لليونسكو في اللغة العربية والتربية الإسلامية بمدارس الـ (UNRWA) في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين. << أسس في عام 1986م مركز البحوث والدراسات اليمنية في جامعة عدن وتولى إدارته حتى وفاته. << أصدر عن المركز مجلة أكاديمية محكمة تحت اسم (اليمن) وصدر العدد الأول منها عام 88م. << أقام واشرف على إقامة عدد كبير من المؤتمرات والندوات العلمية. << وضع بعض كتب المرحلة الابتدائية والمرحلة الثانوية في مادة اللغة العربية. << وضع كتاباً في (محو الأمية) في اليمن. << كان عضواً أساسياً في (لجنة الثقافة والتربية) لتوحيد شطري اليمن. << أحد أبرز الأكاديميين الذين خططوا ونفذوا المؤتمر العلمي الأول لجامعة عدن عام 1981م. << أول من نال إجازة دكتوراه من جامعة لندن لا في اليمن فحسب بل وفي الجزيرة العربية. << أول من نال لقب أستاذ في جامعة عدن . << مؤسس ورئيس للجمعية اليمنية لتعريب العلوم. << نشر في مجلة (الفكر) التونسية ومجلة الطالب الصادرة عن مؤسسة الأونروا، مجلة الثقافة الجديدة، مجلة اليمن. التكريم : << كرم من قبل مؤسسة العفيف الثقافية ديسمبر عام 2002م. << كرم في عام 2006م من الجمعية الدولية للغويين والمترجمين العرب. << اتحاد الأدباء والكتاب - فرع عدن عام 2006م. << مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة عام 2009م. بعض من بحوثه ودراساته : << دراسات في المجتمع اليمني القديم. << عقدة اللون الأسود ومسألة الوجود الفارسي في اليمن بعد الإسلام 1974م. << الحركات الشعبية في التاريخ اليمني 1975م. << الحركات الشعبية في التاريخ اليمني 1977م. << بحور الشعر الحميني في الدواوين اليمنية. << مجلة (اليمن) العدد (1) عام 1988م. << الشعر الحميني في اليمن، مجلة اليمن العدد (3، 4) عام 1992م. << تاريخ الشعر الحميني في اليمن العدد (6) عام 1996م. << سفينة الأمثال العربية والأجنبية العدد (7، 8) عام 1997م. << معاني أسماء الأمكنة والقبائل اليمنية العدد (9) عام 1999م. << المدخل العام لندوة الألسنة اليمنية الحديثة العدد (10) عام 1999م. << شعر الموشح العربي في الديار اليمنية العدد (11) عام 2000م. << من ظواهر الإبدال اللغوي في لغة ثغر اليمن. << ثغر اليمن في الأدب العدد (12) عام 2000م.<< المجاني ( المعاني الوضعية والاطلالية لبعض من الألفاظ التعليمية والجاري استعمالها في جامعة عدن) العدد (14) عام 2001م. << لمحات من تاريخ اليمن الإسلامي العدد (20) عام 2004م. الباحث والشاعر المبدع (كريم الحنكي) قال : وحده يبقى أ.د. جعفر الظفاري واحداً من شواهد العصر الأكاديمي المتفرد في بلاغته وبيانه العلمي والأكاديمي هو القادم إلينا من أب ظفاري زيدي المذهب قدم من صهبان في مرتفعات اليمن الوسطى- وأم تهامية شافعية المذهب ، قدم والدها من حيس في سهول اليمن الغربية إلى عدن حيث انعقدت حياتهما، وأثمرت جعفر عبده صالح الظفاري الذي اتصل مقامه طوال سني التشكل الأساس، فتداخلت فيه بكل مافي بيئتها وأحوالها - أوانئذ - من عوامل التأثير الثقافي في ذوي النجابة من ناشئتها ، ليعتضد - بذلك - الموروث والمكتسب في التهيئة لإعداد أحد اجل علماء اليمن المعاصرين وأول من جسد في ثقافتها الحديثة معنى (الأكاديمية) ومبناها نظرياً ونظراً، فيما قال وماخط وما فعل. بيد أن ذلك الحين - من عمر أستاذنا المولود في 1936م يندرج ضمن سني التأسيس والتشكل فقد شاءت السوانح أن يكمل سنوات دراسته الثانوية عام 1956م ، وأن يأتيه بعيدها نبأ ترشيحه للدراسة في الجامعة الأمريكية ببيروت وهو يمارس مع أترابه اللعب بما هو متاح لأبناء الأسر البسيطة الحال مادياً من كادحي عدن وما كان لمثل تلك الفرصة أن، تتاح لمثله لولا أن انتزعها انتزاعاً بتفوقه الفذ في تحصيله والذي رافقه طوال سنوات دراسته الجامعية في بيروت حتى ابتعاثه لنيل الماجستير في جامعة لندن، حيث اشرف عليه العلامة المستعرب سارجنت واقترح له موضوع أطروحته ثم أمر بعد الاطلاع على مقدمة الأطروحة .. أن يرفع بحثه إلى مساق الدكتوراه التي كان افيما نعلم - أول حائز عليها من ابناء جزيرة العرب المقيمين فيها وكان موضوع رسالته عربياً يمنياً في غاية الأصالة واليمنية هو (الشعر الحميني) الذي دفعبه إلى التطواف بين بعض أهم مكتبات العالم، بدءاً بالمتحف البريطاني وجامعة اكسفورد حتى جامع صنعاء الكبير وميلانو، ليدن، ملتهماً من مخطوطاتها كل ماله صلة ولو بعيدة بموضوع رسالته ولعل ذلك البحث والتطواف من أظهر الأسباب التي مكنته من تمثل روح اليمن وتاريخها وثقافتها تمثلاً يخالط منه الدم في مجاري الجسد وهو بالطبع ممسك بناصية اللغة الانجليزية التي حبر بها تلك الرسالة التي تنتظر استكمال ترجمتها وإعدادها للنشر في كتاب، إلى جانب شمولية ثقافته العربية الإسلامية الموسوعية الضاربة في كيانه وشخصيته، فالإسلام جوهر هذا الرجل والعربية كيانه الذي هو قبس من عبقريتها وأشهد أنني تعلمت كثيراً وأتعلم دائماً من كل ملتقى به ومن كل سطر تخطه يده الكريمة الحرية بالتقبيل الخ. “ أبيات من الشعر “ “ ابادارين لا سحت سحاب على شأنيك، او كف العتابُ فمثلك تشمخ الأقوام، إما بدا فيها ويستعلي الترابُ عرفتك - مذ عرفتك دون مثل تقربك المغامر والخصابُ كأنك في سعار الجدب غيث أو انك إن ألم الخطب ناب فقدرك فوق قدر القوم راقِ وفضلك لا يساويه شهابُ “ التوقيع، “ كريم الحنكي” الشاعر والمثقف الأكاديمي أستاذ علم الاجتماع بجامعة عدن د. مبارك سالمين اشار إلى جملة من الحقائق والمرتكزات والتي في ضوئها تجلت عبقرية أ.د. جعفر الظفاري وتمرست في هذا الحقل الأكاديمي الإبداعي وبعبقرية حسية وموسوعية إلا أنها قد ارتبطت بشمولية بحثية في المنهج التحليلي الأكاديمي المحض فكان متفرداً في تفكيره وخزائن معلوماته الثرة التي لا تنتهي في إطار الفكر والمعرفة والتحليل (الأركالوجي) المعرفي لذلك فهو ينتمي إلى المدرسة النقدية الفاعلة والمؤثرة في التحليل المنهجي مثله في ذلك كابن خلدون في الحديث في كتابة التاريخ عند العرب، كارل ماركس وانجلز في مسار التحليل والتفسير لنهاية الفلسفة الألمانية - ذلك الاتجاه النقدي التحليلي في الكتابة والذي يركز على المنهج أكثر من تركيزه على المنهج الكتابي في الاستقراء ليقدم لنا إنتاجاً معرفياً برؤى رصينة في رؤية نقدية للتاريخ حري الاحتفاء بها- وبهذا التميز والتفرد والذي انحاز كلياً وفي معظم إنتاجه وأزعم جازماً بالانحياز إلى الشعر الحميني في اليمن، باعتبار أن ذلك الشعر الحميني لم يصنف في إطار طبقات الشعر والشعراء وقد مورس عليه إقصاء وتعنت من التهميش وفيه الكثير من التفاصيل المعرفية والحكمية والفنية الجديرة بالاهتمام والقراءة فهو يوازي الشعر الفصيح - لهذا ظل يخوض ويضيء في أماكن الأفول المحرمة والممنوع الخوض فيها - فعلى سبيل المثال حين عالج عقدة ( سيف بن ذي يزن ) وعقدة المهاجرين إلى الحبشة واللون الأسود وإشكاليات تاريخية .. ومعرفية شتى فإنما أراد أن ينتصر للتنوير الثقافي والنهضوي الممنهج والمبني على الهيكلية الثرة من التراكم المعرفي والإبداعي الأكاديمي والذي أسهم به في مجالات بحثية مختلفة وفي لحظة تنوير حقيقية. لهذا فقد قدم مساهمة أكاديمية قيمة في إطار المنهج الاستقرائي وأعطى الحقل الأكاديمي اليمني بذرة لرؤية نقدية سيبني عليها معرفياً في قوادم الأيام والمعرفة.. لهذا كان منوراً من الطراز الرفيع. فيما يؤكد أ.د. جميل الخامري وبإصرار مستميت على ما قاله الدكتور مبارك سالمين بأن أ.د .جعفر الظفاري رجل حجة ومنطق فهو نهضوي تنويري كونه ينطلق من مفهومه الخاص في دراسته للشخصية اليمنية مثله مثل (علي الوردي) المفكر الاجتماعي العراقي فهو يتحلى في فرادته بالقراءة وبالمنهج التحليلي والتفسيري النقدي وما أكثر قراءات أ.د.جعفر الظفاري المتعددة والمتنوعة في مسلكياتها الاجتماعية والتنويرية الكثير من الأفكار والحلول النقدية الواضحة لبعض من الإشكاليات العالقة في جسد ثقافتنا المعاصرة والتراث اليمني المعاصر والذي مازال بحاجة إلى المزيد من التنقيب والنبش في ذاكرته الإبداعية الحية. فيما يرى الأستاذ والشاعر علي ألمحلتي أن الحديث ذو شجون عن أ.دجعفر الظفاري وما قدمه من قراءات متعددة ودراسات أكاديمية بحثية نقدية في كتب التراث والتاريخ اليمني المعاصر وعلى وجه الخصوص دراساته الجادة في الشعر الحميني في اليمن. وكذا قراءاته المكثفة بالموروث الديني والتاريخي إنما يعبر عن إنتاج لمفكر وأكاديمي جاد في دلالاته واطروحاته الفكرية والعلمية الممنهجة والمعمقة في مسار وصيرورة التراث العربي الإسلامي قديمه وحديثه والثقافة الإسلامية برمتها وهو الأمر الذي يدل على مقدرة أ.د. جعفر الظفاري وبصيرته النافذة والصائبة على البحث في التأليف والتصنيف المنهجي وسيرته العلمية والعملية في الإبداع والحياة. وختاماً لهذه الأمسية تقدم عدد من رواد المنتدى والمهتمين بالشأن الثقافي بضرورة إيلاء العناية الكاملة والمتابعة للمؤلفات الإبداعية للأستاذ الدكتور جعفر الظفاري التي شابها نوع من التعثر عند الطباعة ومناقشتها مع دار جامعة عدن للطباعة من قبل المنتدى.