العلم نقطة كثرها الجاهلون - أي بمعنى لو سكت من لا يعلم لسلم العلم واعني بهم هنا الدخلاء والمتسلقين على لغتنا العربية الجميلة لغة القرآن الذين ركبوا المطايا وأرادوا لأنفسهم الشهرة والظهور ، والظهور قاصمة الظهور، تفيقهوا قبل أن يفقهوا وتزببوا قبل أن يتحصرموا، وقيل قديماً إن من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب والغرائب ، فلا آفة على العلوم وأهلها اضر من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها ، فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون ويفسدون ويظنون أنهم يصلحون ، فما نحن فيمن مضى من جهابذة أهل العلم واللغة إلا كبقلة بجانب نخلة فمن نحن حتى نتطاول عليهم أو تسبق كلمتنا كلمتهم ونحن نغترف من بحر علومهم ، فالدخلاء على لغتنا العربية كثيرون فلا يكاد يخلو منهم قطر من الأقطار العربية ممن مسخوا لغتهم واستبدلوا بها لهجات عامية محلية الصنع قد لا يعرف بعضهم لهجة بعض ويزعمون أنهم يتكلمون العربية فالانحلال اللغوي من كرائم ونفائس لغة لعرب إلى لوثة العجمة أو ما يسمى في زماننا هذا باللهجة العامية المحلية الدراجة «هو من التجنس اللغوي ،فهناك كثير من العرب في وطننا العربي ممن انحرفت ألسنتهم عن لسان العربية فكانت هي الغيمة الباردة للشعوبية يمتطونها في دعواتهم لتهجين اللسان العربي ، تارة على صيغة الشعر الحداثي الحر ، واحياناً باسم إحياء اللهجات العامية ، وتارة في تغييرهم لأرقام اللغة العربية إلى أرقام فرنجية واحياناً ينزلون لغة الجرائد في مدونات أهل الإسلام من المؤلفات الضخمة وهكذا في قطار من البلايا والأدواء المتناسلة فيتلقفها المتعالمون والمتقعرون والرويبضة من الناس ويلوكونها بألسنتهم بيننا كما يلاك العلك أو اللبان متبنين نشرها وإشهارها والدفاع عنها جهلاً منهم بلغتهم العربية بل ويستميتون عليها في سبيل الشهرة بين أقوام من أمثالهم. فلله الحمد والمنة فقد أقيمت في أكثر البلدان العربية مجامع للغة العربية لتنفيذ مثل هذه الكلمات الدخيلة على لغتنا العربية الأم ونخلها وتبيين عوارها للناس وأنها ليست من كلامنا ولا لغتنا العربية استمراراً لمعجزة حفظ التنزيل (لغة القرآن الكريم ) وحفظاً للسان العرب عن العجمة واللحن والتعطيل. فينبغي على أمة القرآن المحافظة على هذا اللسان وكف الدخيل عنه والابتعاد عن الدعوات الشعوبية ومن سلبياتها تنزيل لغة الجرائد الهزيلة في كتب العلم وأن يبذلوا الجهد في نسج الكلام على سنن لغة العرب ، فإن ( المباني ذات خدمة كبيرة للمعاني) فلا بد من انتقائها ورفض الدخيل إليها والهجين، فإن ( الألفاظ قوالب المعاني ) و (الألفاظ خدم للمعاني ) و ( المعاني مالكة سياسة اللفظ ) وهذه الوجهة لا تتعاصى اليوم وتصعب بإذن الله تعالى على مبتغيها ومحبيها متى عقد العهد لموالاتها والدفاع عنها ونبذ الدخيل عليها، ولا يكون هذا إلا من نفوس تحلت بالشرف وعلو الهمة ، إذ لا يقبل في لسان العرب اللسان المزاحمة ولا المشاركة بل ينبغي على العرب نبذها واستبدالها بكلام العرب الأقحاح الفصيح وهذه من أعظم الأسباب للدعوة إلى إحياء لغة العرب ونشرها في المجتمعات العربية والإجهاز على اللكنة واللهجة والألفاظ العامية على الألسنة الدخيلة على لغتنا ومجتمعنا وإرشاد الناس إلى الرجوع إلى قواميس ومعاجم العرب لتعلم الألفاظ العربية الصحيحة بدلاً عن الدخيلة عنهم ، ولا بد من الدعوة إلى لغة القرآن فهي الحافظة والحامية والحصن الحصين لهذه اللغة لسلامتها عن التحريف وفصاحتها وقوة بلاغتها وإعجازها نتمنى أن يتجاوب معها كل العرب للتخاطب بها في حياتنا اليومية وفي إعلامنا المسموع والمرئي والمقروء فقد كان العرب قديماً يجتنبون اللحن في القول أو فيما يكتبونه أو يقرؤونه فأما اليوم فحدث ولا حرج فقد تجاوزوا عن ذلك كله. فلا تتبع الزلة بزلة بل يجب تصحيح الألفاظ وتقييم الألسن في تعلم اللغة العربية وفهم إعرابها وتصريفها وبلاغتها وبيانها ومعانيها على أكمل وجه وأحسن بيان وصورة ، فلغتنا العربية غنية بمعانيها واسعة في مبانيها على عكس غيرها من اللغات الأخرى فإنها محصورة ومقيدة مما يصعب فهمها. ومن أمثلة المتعاملين والدخلاء على لغتنا العربية والمتجنين عليها قصة « الخنفشار « يروى أن رجلاً كان يفتي كل سائل على السليقة دون توقف فرأى اقرانه واصحابه ذلك منه فأجمعوا أمرهم لامتحانه فقاموا بنحت كلمة ليس لها أصل ولا معنى في لغة العرب وهي « الخنفشار « ثم سألوه عنها فقالوا له ما معنى كلمة « الخنفشار « فأجاب على السليقة والبديهة فقال: هي نبت طيبة الرائحة تنبت بأطراف اليمن إذا أكلتها الإبل عقد لبنها ( أي حبس) الم تسمعوا قول الشاعر اليماني حين قال : لقد عقدت محبتكم فؤادي ** كما عقد الحليب الخنفشار الم تسمعوا ماذا قال داود الانطاكي في « تذكرته « قال : كذا ،كذا وقال فلان وفلان كذا كذا حتى وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأراد أن يكذب عليه باصطناع حيث مكذوب عليه ليدلل على صحة قوله لهم فاستوقفوه عند ذلك وقالوا له كذبت على هؤلاء كلهم فلا تكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وتحقق لديهم أن ذلك المسكين جراب كذب وعيبة افتراء في سبيل تعالمه على اللغة وتجنيه عليها وهناك الكثير والكثير في زماننا هذا من الخنفشاريين ممن يركبون الألفاظ والكلمات بعضها على بعض فيستنبطون منها كلمة غريبة على الأسماع لا تعرف لها معنى ثم يخترعون لها المعنى ثم يشيعونها ويرددونها بين الناس ويتداولونها فيما بينهم حتى تألفها الأسماع فتصير كلمة يتناقلها الناس في الآفاق جيلاً بعد جيل ومن ورائها الخراب والدمار في تحريف اللغة والمسميات عن أسمائها والألفاظ عن معانيها وهكذا تسير الأمور على مر الدهور فتبتعد لغتنا العربية عن أصولها وقواعدها كل يوم شيئاً فشيئاً حتى يأتي زمان لا يستطيع الرجل العربي أن يتخاطب مع أخيه العربي ناهيك عن أن يفهمه ماذا يقول ، وكم من ألفاظ وكلمات في قرآننا الكريم لا نستطيع اليوم فهم معانيها لبعدنا عن لغتنا العربية وطغيان اللهجات العامية والدارجة على الألسن. نسأل الله الحفظ والصون والسلامة لهذه اللغة العظيمة من الانحراف أو المسخ لها حتى لا يأتي علينا أو على أجيالنا القادمة يوم يقولون كنا عرباً، من الإعراب والفصاحة التي هي ضد العجمة لا جنس العرب.
|
ثقافة
جدلية الصراع بين العامية والفصحى
أخبار متعلقة