سطور
طغت شهرة العقاد الكاتب على شهرته شاعراً وأصبح اسمه مرتبطاً بسلسلة كتب في العبقريات والمؤلفات الإسلامية والتراجم الأدبية وأدب المقالة أكثر من ارتباطه في وجدان القارئ بشعر العقاد الذي تضمه دواوينه العشرة بدءاً بديوانه الأول « يقظة الصباح» وانتهاء بديوانه الأخير « بعد البعد « مروراً بدواوينه المتتابعة «وهجالظهيرة » و «أشباح الأصيل» و «أشجان الليل» و « وحي الأربعين» و « هدية الكروان » و « عابر سبيل » و « أعاصير مغرب » و « بعد الأعاصير » . العقاد الشاعر إذن صاحب تراث شعري ضخم وقصائده التي تنتمي إلى الاتجاه الشعري الذي استحدثته جماعة الديوان إشارة إلى كتاب « الديوان» للعقاد والمازني تحمل سمات الرومانسية والتأمل والتعبير عن الوجدان وتنضح بوعي العقاد وثقافته الواسعة وقدرته على تحويل جزيئات الحياة إلى رؤية شعرية خاصة في ديوانه « عابر سبيل » الذي يعلن في مقدمته إن إحساس الشاعر بشيء من الأشياء هو الذي يخلق فيه اللذة ويبث فيه الروح ويجعله معنى شعرياً تهتز له النفس. وبقدر ما تبدو صورة العقاد في كتاباته الشعرية وكأنها صورة لشخصية قوية مسيطرة وقلم جبار وإرادة فولاذية فإن صورته في شعره تعكس جوانب نفسه الإنسانية وضعفه البشري وتكشف عن مساحات هائلة من الحنان والطفولة والعذوبة في العقاد الإنسان خاصة عندما يحب ويغار ويشك ويساوره القلق وتقتله الظنون وقصيدته « يوم الظنون» نموذج لشعر العقاد المتميز لغة واسلوباً وموقفاً وقدرة على الكشف والحوار والتأمل ونفاذاً إلى السر البعيد وراء الأشياء وخلف المكونات في إطار من الأسى الشفيف والحزن الإنساني النبيل. يقول العقاد :يوم الظنون صدعت فيك تجلدي وحملت فيك الضيم مغلول اليد وبكيت كالطفل الذليل أنا الذي ما لان في صعب الحوادث مقوديوغصصت بالماء الذي أعددته للري في قفر الحياة المجهد لاقيت أهوال الشدائد كلها حتى طغت فلقيت ما لم اعهد نار الجحيم إلي غير ذميمة وحذي إليك مصارعي في مرقدي حيران انظر في السماء وفي الثرى وأذوق طعم الموت غير مصرد أروى وأظمأ عذب ما أنا شارب في حالتي نقيع سم الأسود وأجيل في الليل البهيم خواطري لا شارق فيها ولا من مسعد وتعيدلي الذاكرات سالف صبوتي شوهاء كاشرة كما لم اشهد مسخت شمائلها وبدل سمتها وبدت بوسم السعير مخلد يا صبوة الأمس التي سعدت بها روحي وليت شقيها لم يسعد وعرفت منها وجه أصبح ناضر ورشفت منها ثغر العس أغيد سومحت بل جوزيت كيف وعيت لي بالأمس فيك ضراوة الذئب الصدي سومحت بل جوزيت كيف طويت لي زرق الأسنة في الاهاب الاملد أمسيت حزي في الظلام وطالما جليت لي وجه الظلام المربد ورجعت اهرب من لقاك وطالما ألقيت عندك في الشدائد مقصدي ما كان من شيء يزيد تنعمي إلا يزيد اليوم فيك تلددي أو أن من أمسي ومن يومي معاً والويل من طول التردد في غد أهب الخلود كرامة لمبشري إن ليس يومي في العذاب بسرمد وأبيع حظي في الحياة بساعة أنسى بها عمري كأن لم أولد وأسوم مرعى العيش غير مزود وارود روض الحسن غير مقيد