سطور
ليس من ديمومة الشعر وبقائه أن يصير مادة هلامية، يتشكل كما يراد له ليصبح ضميم مشاهد وأحداث لا يرى منها إلا ظاهرها فلا يتغلغل النص في تفاصيلها، فنرى جنساً من الأدب - أياً كان نوعه - باهت الحضور وخفيت الدلالات والصور، إنما هو مرآة للواقع والأحداث وما تتركه من أثر لدى الشاعر حين تهتز حبال وجدانه وتضطرب لها بعد اقترابه منها ومعاينتها وازدحامه بها، منبئة عن عمل فني إبداعي قادم يتحسس طريقه للنور دون مواربة أو اعوجاج، فنلمح براعم نص شعري ملتعج أو نشهد زروع قصيدة يهتز لها الوجدان هزاً، مرادفة للواقع غير مبرأة منه، يتوكأ الشاعر حين تولدها على حزم من الخيال بعد تحوله إلى تجربة حية تسرح فيه القصيدة قاصدة الواقع وموجوداته، عازمة شرحه وتفصيله وتفسيره في قالب فني كما يجب، فتستقر القصيدة في وجدان القارئ وفكره، وتحتل حيزاً ينبض بها في إضبارة ذاكرته، يمكن لها البقاء والمثول ما توالت الأيام وتعاقبت السنون.ومع ذلك ليس عجيباً أن نرى قصيدة سابحة رجراجة، وساجية ساكنة معاً، لا ترى الواقع ولا تضع له تصوراً أو تتكهن الحلول لمشكلاته أو تزيدنا فوق معرفتنا له معرفة، لاعتماد الشاعر فيها على الخيال وحده في بناء القصيدة. هنالك سنرى شعراً مفصوماً عن الواقع، لا يسكننا ولا يتغلغل في كل دقائقنا، غير معبر عن المشاهد الواقعية أو تجارب الشعوب ككل.ما يؤكد الزعم بأن الشعر الرومانسي طائر محلق وغارب متشرد موغل بين لموع النجوم وغارق تحت الأعماق ومتدثر التواءات الأمواج، لاكتظاظ الشاعر بالحالة الرومانسية التي تقوده بالضرورة إلى الاستئثار باللغة الوجدانية المتولدة عن الروح دون الفكر وعن الخيال دون الواقع، فنلحظ نصوصاً بعيدة متغربة عن واقعنا، لا تحاول نقده وإعادة تشكيله، فتبدو القصيدة محلقة في مهاوي السماء ومشلولة عاجزة في آن.