ثورة الشعر .. إيقاظ المشاعر واستنهاض الهمم: الشعر الوطني.. من الإيقاظ إلى الانتفاضة
كتب/ أمين أبو حيدر:الكلمة أمضى من الطلقة وأحد من السيف لاسيما إن وضعت في موضعها ووظفت التوظيف السديد والشعر أبلغ الكلام وأشده تأثيراً على مجامع القلوب والإفهام .. وكما كان للملاحم الشعرية ودواوين الحماسة وشعرائها دور إيقاظي وتحريضي ومعنوي في صفوف المقاتلين أثناء تلاحم الجيوش في معارك القدماء كان للحركة الشعرية اليمنية وشعرائها أعظم دور في إسقاط قناع الحكم الإمامي الكهنوتي وإظهار زيفه وتحريك الراكد في مياه الشارع اليمني ودماء أبنائه ليهبوا كالصاعقة في وجه سجانهم ثوارا أحرارا .. في السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م وينطلقوا كالطوفان من نقم وشمسان وجبال ردفان لاقتلاع الاستعمار البغيض في الرابع عشر من أكتوبر 1963م وسحبه عبر البحر إلى خارج الوطن وتطهير بقايا ربوع السعيدة من رجسه ووطأته في 30 نوفمبر 1967م. فقد حمل شعراء الثورة اليمنية على عواتقهم قضية وطن وشعب طالما عانوا وكابدوا ما عاناه و كابده من ظلم وقهر وتغييب واضطهاد على يد الثالوث الكهنوتي الذي جثم على شعبنا اليمني لقرون عديدة والغاصب الأجنبي الذي تقاسم معه جريرة الظلم والاستعباد عائثين معاً ــ الإمامة والاحتلال ــ أصناف الشرور والفساد على أرضنا الطيبة الطاهرة .. لكن نار نيرون الإمامة الإنجليزية التي أحرقت الأخضر واليابس من جنات أرض سبأ لم تستطع أن تشل إرادة وإباء سلالة أولي البأس الشديد ولم تتمكن من إسكات نبضات الأرق قلوبا والألين أفئدة من أبناء هذه الأرض العصية على الغزاة والمحتلين والثائرة على الطغاة والمتجبرين .. فكانت حركة الثوار وكانت المقاومة الشعبية الباسلة ومثلما تنكب المقاتلون الأحرار السلاح معلنين الكفاح لنيل الحرية والاستقلال تنكب شعراء الثورة السيف والقلم معا وحملوا رسالة الثورة والحرية من مهدها مهيئين الجماهير ومحملين خطابهم الشعري الثوري الوحدوي مفاهيم ومبادئ الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر الخالدة .ولي وطن آليت ألا أبيعه وألا أرى غيري له الدهر مالكاوحدة القصيدة .. واحدية الثورةلقد آمن الشعراء والمبدعون بقضية أمتهم ووطنهم وتشربوا مبادئ الثورة وواحديتها وقاعدة انطلاق ثورتهم المشتركة من جبال نقم وردفان فاستشعروا وحدة الأرض والمصير وواحدية النضال والثورة في الدور التي لعبته عدن حاضنة ثوار ثورة 26 من سبتمبر الخالدة التي ما كان لها أن تنتصر لو لم تجد ذلك الحضن الدافئ والمد الوطني الثائر الذي أحبط كل المؤامرات الداخلية والخارجية التي حاولت إجهاض الثورة السبتمبرية واستشعروا أيضا دور ثورة سبتمبر التي سرعت بانطلاقة ثورة الرابع عشر من أكتوبر وهيأت لها المناخ المناسب بالمساندة اللازمة لها لدحر الاحتلال البريطاني ليتحرر شعبنا اليمني من أغلال العبودية والطغيان والاحتلال ويواصل نضاله لتحقيق الوحدة الظافرة وتمكين الوطن اليمني المشطور من لم شمله واستعادة كيانه الأزلي الواحد.وفي الوحدة الكبرى مصير وغاية [c1] *** [/c] لنا فإليها لم تعقنا الموانعوحتمية التاريخ تفرض نفسها[c1] *** [/c] إذا اعترضتها في الطريق المطامعفالوحدة اليمنية أزلية والتاريخ خير شاهد على ذلك وهو ما دعا الشاعر علي بن علي صبرة إلى استيقاف التاريخ واستجوابه في مطلع قصيدته التي ألقاها في الذكرى الثانية لقيام الثورة عام 1964م والتي منها البيتان السابقان والتي يقول في مطلعها :ألا أيها التاريخ هل أنت سامع[c1] *** [/c] وهل تدري ما هذا الذي هو طالعويا أنت يا دنيا البطولات هل كسا[c1] *** [/c]روابيك عيد مثل عيدي ساطعمشى فوق هامات السنين مشاعلا[c1] *** [/c]سقتها بأنهر الدماء المطالعتجمع آهات فأصبح نغمة [c1] *** [/c] تغنت بها يوم الخميس المدافعوهي صورة شعرية جزئية من الصورة الشعرية الوطنية الشاملة التي تعتبر من أبرز خصائص الخطاب الشعري الوحدوي اليمني رسم ملامحها أبو الأحرار الزبيري بقوله:والحق يبدأ في آهات مكتئب[c1] *** [/c] وينتهي بزئير ملؤه النقممعاناة وتضحيات جليلةلقد عانى الشعب بكل شرائحه من جور الإمامة حتى طفح الكيل وملت الجماهير من طول انتظار الفجر الآتي وانطلق الشعراء منادين بسرعة الخلاص .. يقول البردوني مخاطباً النظام الأمامي المستبد بعد أن سئم الشعب من تأخر انفجار الثورة:أيها العابثون بالشعب زيدوا[c1] *** [/c] ليلنا واملؤوه بالأشباحلغموا دربنا ومدوا دجانا[c1] *** [/c] أطفئوا الشهب وانتصار الصباحسوف امشي على الجراحات حتى[c1] *** [/c] نشعل الفجر من لهيب الجراحوبنفس اللغة الغاضبة رفع الشاعر الدكتور المقالح رسالة مناشدة إلى وطنه يرجوه الإصغاء لداعي الخلاص والانفتاح في هذا الخطاب الممزوج بالمعاناة ذاتها:يابلادي وأنت لم تمنحيني[c1] *** [/c]غير أذن مثقوبة وتنائيبح صوتي على الجبال وتكسر[c1] *** [/c]ت أعلى كلً ربوة خرساءآكل الليل ضوء عينيك أغفى[c1] *** [/c] تحت جفنيك هيكل الظلماءفلماذا لم تغضبي لم تثوري[c1] *** [/c] أي قلب كصخرة صماءلادموعي تهز ذرة رمل[c1] *** [/c]في موانيك اويهز غنائيأسفي أن أموت يوماً غريباً[c1] *** [/c]ودم الشوق صارخ في دمائيويعبر الشاعر المناضل المرحوم علي بن علي صبره عن معاناة شعبه بلسان الشعب الجماعية شارحاً مسيرة نضالهم الوحدوية الطويلة التي اختار للتعبير عنها البحر الطويل ليتلاءم طرحه مع بنية خطابه الشعري.. وهو يستجوب التاريخ الذي شهد قيامة أبناء يعرب في هبة واحدة ليدكوا عروش الظالمين :أجل يا تواريخ النضال تكلمي [c1] *** [/c] أمثلي شعب للطغاة يصارعوهل من سقى مثلي تراب بلاده[c1] *** [/c] بأزكى دماء قدستها المصارعإنها معاناة كل اليمنيين وتضحيات كل شهداء الوطن وهذه الصورة تحمل نفس الدلالة التي نسجها بيت للشاعر الفضول عبدالله عبدالوهاب نعمان ولحنها وغناها الفنان المناضل الوحدوي الكبير أيوب طارش عبسي:كم شهيد من ثرى قبر يطل [c1] *** [/c]ليرى ما قد سقى بالدم غرسه ويرى الهامات منا كيف تعلو[c1] *** [/c]في ضحى اليوم الذي أشرق شمسههذه القصيدة الوحدوية الخالدة التي حملت أبيات النشيد الوطني المقدس.. فالوحدة وإعادة تحقيقها هي غراس الثورة الذي سقي بدماء الشهداء الأحرار واحتضنتها تربة أديم ما قدموه من تضحيات غالية كانت الوسيلة الوحيدة لتحقيق الخلاص من الطغيان والاحتلال.. تلك هي ثمرة الوحدة التي ظهرت تجلياتها عبر مراحل النظال البطولي اليمني وعكستها إبداعات الشعراء في نتاجهم الوطني الزاخر بأصدق القصائد وأعذبها .القصيدة والبندقية جنبا إلى جنب وتظهر تجليات الخطاب الشعري الوحدوي الوطني على واحدية الثورة اليمنية بجلاء في تلك القصائد التي اقتفت قوافيها خطى الثورة،وسارت على خطها مع البندقية جنبا لجنب في ميدان التحرير وجبال نقم وسنوان وجبال ردفان وشوارع عدن وكافة المدن والقرى والوديان والجبال على أرضنا اليمنية الحبيبة وهاهو الشاعر عبده عثمان يقول بعيد اندلاع ثورة 26 سبتمبر بقليل وقد اتسعت آمال الجيل الجديد الذي أدرك أن وحدة اليمن في ظل الثورة والحرية قريبة المنال وان دور اليمن التاريخي قد تفتحت أبوابه ولن يعود لابرهة وجود من جديد :يا من تغادر القبور[c1] *** [/c] ياشعبي الذي يثورلابد أن يعود(ذويزن)[c1] *** [/c]ومأرب وحضرموت لليمنغداً سنابك الخيول[c1] *** [/c]مجنونة تدوس (أبرهة)وتختفي إلى الأبد[c1] *** [/c]عيون ليلة (المشوهة)والشاعر عبده عثمان هو الشاعر الذي “كانت أولى قصائد ه تنطلق متلاحقة بعد ساعات أو دقائق من انطلاق الرصاصة الأولى في جبال ردفان وتسير جنبا إلى جنب مع ذلك الحدث الوطني الوليد، الذي أطلق الشرارة الأولى في مسيرة الثورة الظافرة : كانت الساعة لا أدريولكن..من بعيد شدني صوت المآذنذهل الصمت تداعت في جدار الليل ظلمةوتمطى في دمائي حب شعبوأطلت عشرات الأحرف الحمراء.. أسراب القوافيمد بحر لا يحدُّقاعه قلب ووجدصب فيه من زوايا الأمس حقدأبدا لو تستريحلم أسلها.. لم أقل من أي غاب قد أتيتأي أنفاس حملتما على ردفان بحريإن إخواني وأهليأذرع تحتضن النور وأرواح تصليفي طريق الراية الخضراء والشمس الأسيرةوربيع ذات يوم، كان في شبه الجزيرةترضع الدنيا شذاه وعبيرهمن المعاناة والكفاح إلى الحرية والانفتاحوبعد قيام الثورة اليمنية في السادس والعشرين من سبتمبر 1962م استشعر البردوني نسيم الحرية يملا صدر اليمن وينقي دمها ويدفعه ساخناً قوياً في شرايين الفقراء والمحرومين والذين طالت معاناتهم.هانحن ثرنا على إذعاننا وعلىنفوسنا واستثارت أمنا اليمنلا للبدر، لا للحسن السجان يحكمناالحكم للشعب لا بدر ولا حسننحن البلاد وسكان البلاد ومافيها لنا إننا السكان والسكن ويقول عبد الرحيم سلام في قصيدته التي تصور معارك الثوار وكفاحهم الباسل ضد الاحتلال البريطاني وهو تعبير مباشر عن الأحداث في الجنوب:ردفان قعر جحيم للغزاة، صحت بالثار تزأرو الثوار تستبقتمحو جرائمهم من قرين تربتها تعيد للشعب قسراً كل ماسرقواويقول الدكتور عبد العزيز المقالح (عندما اكتملت الثورة، وتحقق لها النصر في الثلاثين من نوفمبر 1967م، كان الشعر حاضراً ليسجل بحروف من نور خروج آخر جندي بريطاني، وعودة الأرض اليمنية إلى طهارتها المفقودة) حقاً كما قال .. لقد صدق وعد الثورة، وصدق معها وعد الشعر، وخرج الشاعر الكبير لطفي جعفر أمان ليعلن للعالم، بأن بلاده صارت حرة، ولم يعد على أرضها الطيبة من يدنس طهارة التراب:على أرضنا.. بعد طول الكفاحتجلى الصباح.. لأول مرةوطار الفضاء طليقاً رحيباًبأجنحة النور ينساب مرهوقبلت الشمس سمر الجباهوقد عقدوا النصر من بعد ثورهوغنى لنا مهرجان الزمانبأعياد وحدتنا المستقرةوأقبل يزهو ربيع الخلود وموكب ثورتنا الضخم أثرهتزين أكليله ألف زهرهوينشر من دمنا الحر عطرهويرسم فوق اللواء الحقوقحروفا.. لأول مرهبلادي حره