عرض وتحليل/ الفرحان بوعزةالنص:كانت تمشي وحيدة..والشارع الطويل ، تـنحته ظلمة حالكة هذا اليوم على غير العادة..تقطع صمته الرهيب ، مابين الفينة والأخرى ، انكسارات ضوء السيارات المارقة ، ومواءات قطط ضالة ، تلتطم جروحا ، حول البقايا، لتروي عطشا وجوعا لا ينتهي ..كانت تمشي بخطوات وئيدة ، تـتجمع فيها رويدا رويدا مغاصات داخلية ، تعلن عن اقتراب الساعة ..ساعة (ولادته) .خبرتها إحدى الممرضات هذا الصباح ، بأن الوقت قد حان (وفدوى) تسـتجـديها، المبيت هذه الليلة فقط ،وغدا ستلتجئ إلى (دارالأيتام) لإيداع طفلها هناك ، تعقب الاستجداءات دعوات صالحة بأسماء كل الأماكن المقدسة..( يستحيل.. يستحيل عـلي فعل ذلك قالت الممرضة بجفاء..أين كان عـقـلـك ؟ ولماذا لم تفكري في هذه اللحظة ؟؟ تفعلونها..ثم .. اسمعي هذه عيادة خاصة..ويلزمك عقد الزواج ووثـيـقـة ..تمسكت (فدوى) بحائط المبنى وهي تغادره، وتعب أصفر ينظمها حـبـيـبـات عرق واختلال توازن..تاهـت في الطرقات طوال النهار، متسكعة بالزوايا ، باحثة عنه..سألـت كل الأصدقاء..لا أحد يعرفه..لا أحد يتذكره..لا أحد يريد أن يتذكره...- (الآن اجترعي لحظات متعتك الساقطة ألماً) .. راقصها بالتهكم وبكلمات جارحة أحدهم ..توقـفـت ...أحست بأنه يهبط ...سينزلق الجنين ...أطلقت آهة مكتومة ، فالصمت سيد المكان وأدنى حركة ستجلب لها متاعب أكبر وأكثر..اشتد الألم كثيراً، مؤبدا بالعياء وبـركـلات متتابعة، تسابق المغاص .للخروج. انزوت في أحد مداخل العمارات القديمة ، منكمشة تحت السلالم .تـصورته بجانبها، يتكحل بعين وليده..ويقدم لها هدية (شرعيـتـه) . تـصورته لحظة توادده معها، وهو يقسم بأغـلظ الإيمان احتواءها والشمس والقمر شاهدان، فانكـتبت فيه لحظة أمان وناغمـته بصدق، وهي تقدم له باكورة الصبا، والأبيض والأسود عراء، بملامح الشيطان...(وجـدت نفسها وحيدة، بعد موت خالتها...قيل لها بأن والدها مات في حرب التحرير، وأمها خرجت ذات صباح، ولم تعد. لم يتجاوز عمرها الثلاث سنوات حين احتوتها خالتها، و الثمانية عشر حين فصلتها (دار الأيتام)...اشتد الألم ، وتحسسته يهبط . وضعت منديلا في فمها ، تحاول أن تـخرس آهاتها وتخرسه معها إلى الأبد وفي رأسها تتـناغـل إمكانيات كثيرة للتخلص منه...حين...فتح باب في الطرف الآخر من الدهليز، وخرجت منه نقاط ضوء، رسمت ملامحها المذعورة للمكلفة بالعمارة...ربـتـت على كتفيها (الخالة طامو) وأدخلتها بـيـتـها..وهي تلف كمشة من لحم مابين يديها..في انتظار صباح آخر..الضوء :قصة مؤثرة جداً تنطوي تحت كلماتها دلالات عميقة يجب الوقوف عليها ، منها ما هو اجتماعي وأخلاقي واقتصادي .. قصة منتزعة من واقع كائن وموجود ..تعري هشاشة المجتمع وتمزقه وتلاشيه بين اللذة والمتعة .. لذة منتزعة بالقوة أو التحايل من أجسام فائضة غالباً ما يكون الجوع دافعها، والظروف لاعبة دورها ..قصة قد تكون واقعية ، ولكن واقعية هذه البطلة قد تختلف مع واقعية بطلة أخرى .. مما يعطينا تنوعاً في الواقع الذي قد يغني النصوص الإبداعية .. أعتقد أن لا مفر للمبدع بأن يتكئ على الواقع لبناء خطاطته السردية .. فالمبدع يغرف من الواقع ويحوله إلى عمل أدبي هادف وجاد يتميز بالمتعة والإفادة وهذا ما حذا بالساردة إلى استعمال الخيال والترميز الضمني في النص كإشارات عميقة على القارئ أن يدركها بجهده وفطنته أي تحتاج إلى نبشها منها: /الأسباب / الدوافع / النتائج / العواقب / لمن المسؤولية / هل يختار الإنسان مستقبله ..؟ / هل هناك عوائق تعترضه / ظروف النشأة / ..قصة جميلة لعبت الصياغة الأدبية الجيدة دورها في النسيج السردي ، والتسلسل الدرامي الذي أطر النص من بدايته إلى نهايته.. قد نتخيل أن أزمة البطلة انتهت بمجرد الولادة ، في اعتقادي أنها أزمة ممتدة ومستمرة ..
|
ثقافة
قراءة نقدية في نص قصصي (الجنين) للقاصة فاطمة الزهراء العلوي
أخبار متعلقة