(قصة قصيرة)
نادية أبو غرارةمكث عندها أكبر أبنائها إلى ساعة متأخرة من الليل ، وودعها بعد أن كرر على مسامعها ذات الأعذار مبرراً غياب إخوته وأخواته عنها .بدأت الحركة تخفّ شيئا فشيئا إلى أن عم الهدوء .وانطفأت الأنوار، إلا خيط نور كان ينبعث من غرفة المناوبة .بينما أطلقت العنان لفكرها تعيد ترتيب ما جرى من أحداث في ذلك اليوم ، تعطي حجماً أكبر لكل التفاصيل كي لا تشعر بفراغ ليلها وطوله، إذ به يدخل الغرفة ويعبرها ببطء إلى أن وصل إلى سريرها ، ووضع يمينه على رأسها :-كيف حالك ؟؟ هل أنت بخير ؟؟نظرت إليه بلهفة وردت :الآن ، الآن أنا بخير، لكني بمجرد انصرافك أعود كما كنت .ضم يديها الباردتين بين راحتيه و قال :لا يا حبيبة عمري، هذه المرة لن أتركك .كأن ثوب العافية أرخى أستاره عليها و دبت الحياة في وجنتيها وسرت في عروقها ، فأعادت إليها شباب روحها.جلس بقربها يتسامران، يتذكران مواقف من حياتهما، حدثته عن لطف الممرضة وعنايتها بها، وعن أولادها و زيارة ابنها تلك الليلة، وعن الحرج الذي باتت تراه في أعينهم كلما تخلفوا عن زيارتها .شكت إليه الأوجاع التي تنتابها واستسلمت للبكاء، كل ذلك وهو ينصت إليها منتبها مواسيا .مرت ساعات الليل بسرعة، وقبيل أذان الفجر نهض من مكانه ومد يده إليها ليساعدها :-هيا، يجب أن نذهب الآن ، معاً.تبسمت وتمسكت بيده بكل ما بقي في جسدها النحيف من قوة.في الوقت المعتاد، قدمت الممرضة كي توقظها لأداء الصلاة، اقتربت منها، مررت برفق أصابع يدها على جفنيها ، وغادرت الغرفة ودمعها رقراق .