لندن/ متابعات:الكاتبة البريطانية مارينا وارنر ولدت في لندن عام 1946من أم إيطالية وأب إنكليزي وترسخت شهرتها بعديد إصداراتها ومنحها الدكتوراه الفخرية من إحدى عشرة جامعة وكلية في بلدها، وهي أستاذ زائر لجامعات أميركية وعربية منها أبو ظبي والقاهرة، كانت انطلاقتها الأولى من دير أسكوت سانت ماري ثم إلى أكسفورد حيث درست الأدب والسينما والمسرح، لكن ولعها بقراءة التاريخ قد أفسح لها مجالاً واسعاً في قراءة أسماء عديدة لشخوص كان لهم الأثر الكبير في تحريك صفحاته، فأصدرت عدة كتب متحدثة فيها عن مريم العذراء وجان دارك وتأثير الميثولوجيا في عقلية الشعوب التي أنتجت من خلالها كتبا عن الخرافة والسحر كحكايات ألف ليلة وليلة الذائعة الصيت، الذي صدر مؤخرا وتصدر قائمة أكثر الكتب مبيعاً هذا العام.تقول وارنر: ( كتبي هي استكشاف لشخصيات مختلفة استلهمتها من قراءتي ودراستي المبكرة في دير سانت ماري، عكفت بعد انتقالي لأوكسفورد على تبني رؤية جديدة لها لأهميتها المعاصرة وتفكيك وتحليل قصصها وحكاياتها لأنني لا أريد أن يلفها خيال غامض وآمل أن تكون هناك فسحة لفهمها عقلانياً مع كل ما تحويه من أساطير).وفي كتابها (سحر غريب) الصادر حديثا عن مطبعة جامعة هارفارد تتحدث فيه عن الليالي العربية أو ألف ليلة وليلة، كما هو شائع عنها، تتناول التاريخ الحقيقي لوضع تلك الليالي حيث استكملت قصصها تقريبا في القرن الخامس عشر وكتبت باللغتين العربية والفارسية ومن ثم في اللغة الهندية والأوردية والتركية، وقد حمل حكاياتها المستقاة من المأثور الشعبي لبغداد والقاهرة في القرون الوسطى،الحجاج والتجار والمغيرون ذهابا وإيابا برا وبحرا إلى مناطق عديدة في أوروبا، التي اضطلعت بترجمتها فضلا عن قيام فنانيها بوضع لوحات فنية تجسد أشهر شخصياتها، وإنتاج أفلام شاركت هي الأخرى بنقل وقائع قصصها منذ ظهور السينما في مطلع القرن العشرين وما زالت حتى وقتنا الحاضر، والشعراء كان لهم حظ وافر أيضاً بوضع نصوص شعرية عنها لا تقل جمالا عن سردياتها والآباء والأمهات في بلاد فارس والعراق والهند وسوريا ومصر يحكون لأطفالهم ، كيف يخرج الجني على شكل عمود من الدخان من إحدى الجرار، وكأن الليالي تلك لم تقتصر على بلد واحد وإنما امتدت إلى بلدان عديدة كما تشير مارينا وارنر في بداية كتابها.اعتمدت وارنر وهي تقوم بتقديم كتابها الممتع هذا على مصادر متنوعة شملت الشرق والغرب في سبيل إخراجه بالصورة التي تحدثت عنها في صفحاته الأولى، ومع أنها تقول أن الليالي تفتقر إلى مسقط رأس حقيقي لولادتها فأنها تأخذ من جان أنطوان غالان الذي ترجمها إلى الفرنسية و ريتشارد بيرتون الذي نقلها إلى الإنكليزية وغيرهما ممن قدمها إلى القارئ الغربي، طريقتهم في الحفاظ على المعنى الحقيقي لحكاياتها وأماكنها الأصلية من دون تحريف، القارئ الغربي كان قد أصيب بخيبة أمل وهو يقرأ العديد من حكاياتها قد تغيرت انتماءاتها مكتشفا بالوقت ذاته أن شخوصا مهمة فيها كالسندباد وعلاء الدين والمصباح السحري وعلي بابا والأربعين حرامي قد أضافوا إليها مزيدا من الخرافات، كما في حكاية السندباد الذي جعلوه تاجرا هنديا يتكلم السنسكريتية، مبحرا من بلاد الهند باتجاه أوروبا، مع أنه تاجر من البصرة كما هو معروف في الطبعات المهمة من الليالي، ومسترسلين بالحديث عن أعاجيب الجزر الهندية التي صادفها أثناء رحلاته حتى طغت هذه الحكايات عليه كمثل هاملت بدون هاملت، كما تعبر الكاتبة، التي تقول أيضا أن من نشر مثل هذه الطبعات حاول الإفادة من مردودها المالي ضاربا عرض الحائط ما سيتركه من خراب لهذا الإرث الثقافي العظيم، وأقرأ كثيرا - الحديث ما زال لوارنر - أن الكثير من هذه الطبعات تدعي بصحتها وهم يجافون الحقيقة برمتها، كما هو واضح، فالليالي مع ما حملته من متعة حاول أكثر من نقلها إلى القارئ الغربي أن يضيف إليها الكثير من صور الدعارة التي تخدش الحياء، وهو ما لم يكن موجودا حتى في العصر الفيكتوري الذي راجت فيه، وهو اختراع ساقط حاول بعض المترجمين إضافته على طبعاتها المتعددة مع علمهم أن التقاليد العربية لا تسمح بوجود مثل تلك الصور، ولو اعتقدنا جزافا أنهم يجهلون اللغة العربية، فلماذا لا يذهبون إلى طبعاتها الرصينة المنقولة عن لغتها الأصلية، كما في ترجمة بورخيس مثلاً، وارنر تعيد في كتابها مجموعة كاملة من قصصها على أساس صحيح فهي تعرف أكثر من غيرها كيف تم استخدام أسطورتها المنقولة عن التراث الشعبي العربي، فهي ونتيجة لدراستها الأدب والسينما والمسرح مع إتقانها لعدد من اللغات الأوروبية كالفرنسية مثلا، تعلم الفرق بين الأسطورة والخرافة، ومع أنها لا تعرف اللغة العربية على الرغم من أنها نشأت في القاهرة وتحدثتها وهي طفلة فإنها لسوء حظها لم تتمكن من إتقانها بسبب أن أحدا من أسرتها لم يشجعها على ذلك، لكنها لديها القدرة على تجاوز ذلك الحاجز وفهم قصصها، كما تقول، وهو ما دفعها إلى وضع ملاحظات غاية في الأهمية نتيجة دراستها لويليام بيكفورد الكاتب الإنكليزي المتوفى عام 1844 الذي نقل الليالي عن مخطوطة عربية دفع بها الانتباه إلى وجود تناقضات عديدة وضعف كبير في نسيجها السردي لافتة إلى تحريفه نصوصها وافتقاره لدراسة الآثار الأدبية العربية، وهو ما يعني أنه أغفل مصدرا مهما من مصادر التفاهم بين البشر، فالكتابة الجيدة ورواية القصص الجيدة هي بطلة هذا الكتاب، وهو ما قصدته وارنر بالليالي العربية المتجسدة في بطلتها شهرزاد التي راحت تقص على الملك أو السلطان شهريار قصة لا تنتهي أحداثها في كل يوم مخافة أن يقطع رأسها، كما فعل مع كثير من العذراوات بسبب الخيانة، شهرزاد وبسبب فطنتها وحنكتها الأدبية جعلته يتشوق لسماع هذه القصص التي سحرته بأحداثها ما جعله في النهاية يقع في حبها ويتزوجها.الإطار العام لهذه القصص أوالملاحم، كما تطلق عليها وارنر، هو هذا المزج الساحر من الأحلام المشتركة بين الراوي والرواية حتى قطعت شوطا طويلا بلغ، كما نعرف، ألف ليلة وليلة لم تبارح فيه هذه القصص غرفة نوم السلطان، فهي وإن كانت مشبعة بالخيال لكنها تبقى متسمة بحيوية أجوائها وعدم استقرارها في زمان ومكان واحد ما أكسبها محبة وتعلق من قرأها خاصة أنها كانت سباقة في إدهاش المستشرقين الذين كانوا يبحثون عن كنوز الشرق فكتبوا عن شخوصها السندباد وعلاء الدين ومصباحه السحري وسجادته الطائرة كما يذكر ذلك إدوارد سعيد في كتابه (الإستشراق)، وحازت على إعجاب مشاهير الكتاب في الغرب كفولتير وغوته وغيرهم.مارينا وارنر في نهاية كتابها تقول: ( الملاحظ أن الكتاب يستخدم الشرق كمكان وزمان وخيال وأن له جاذبية خاصة مع أن بعض قصصه غير قابلة للتصديق، لكنها رائعة بألغازها وفيها الكثير من الحكمة والكفاح وعندما كنت أدرس في دير سانت ماري توطدت قراءتي للسحر والمعجزات ولا أزال راغبة في التفكير والقراءة عن الجن وتحولاته التي أستعيدها في كل مرة، وأعتقد أن الأدب العالمي سيفخر بنا ونحن نكتب عن سحر هذه الليالي دائماً ).
|
ثقافة
الإنجليزية مارينا وارنر تجسد رؤية جديدة للتراث في(سحر غريب)
أخبار متعلقة