كتب/ د. خالد محمد غازيخلاصة ما في الكتابارتبط اسم القانوني والمفكر الكاتب رجائي عطية بكتاباته الإسلامية التي يناقش فيها مختلف قضايا الفكر الإسلامي وارتباطها بروح العصر، ومنها بعض القضايا الشائكة التي ناقش فيها الإنسان والكون والأديان والزمن والحياة وذلك من منظور فكري متفتح على العالم وثقافاته وتغيراته مع الحرص على الثوابت. وبالرغم من هذا الكتاب (كتابات غربية) هو ترجمة لكتابات غربية ترجمها رجائي عطية للعربية إلا أنها تعكس شخصيته وذوقه الفني وساراته الفكرية والأدبية.وأول الكتابات الغربية هي كتاب (الماشون وهم نائمون) أو الماشون نياما الصادر سنة 1959 للكاتب (آرثر كوستلر) يقول المؤلف: حاولت أن أعثر على نسخة من الكتاب في مكتبات القاهرة ولكنني لم أعثر على الكتاب بالقاهرة، وكان لا بد للحصول عليه أن أشتري الكتاب من دار بنجوين أركانا في لندن، وبالجنيه الاسترلينى، وأخيرا وصلني الكتاب، وحمدت ربي، وراودني الأمل وأنا ألتهم صفحات الكتاب، أن أترجمه كاملا لأهميته وتميز موضوعه فوجدت عدد صفحاته قد بلغ بالإنجليزية (623) صفحة، تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين لم يعد في الوسع توفيرهما بين أعباء المحاماة والمقالات والكتابات شبه اليومية، فارتددت قانعا بختام أوضاعه الكتاب، الواقعة في نحو (90) صفحة، معزيا نفسي بأن بها خلاصة ما في هذا الكتاب.والآن إلى ترجمة خاتمة كتاب الماشون نياما يقول أرثر كوستلر: (.. (فالتقدم) - فرضاً - لا يخطئ قط، بينما التطور يخطئ باستمرار، وهكذا تطور الأفكار بمعاني ذلك أفكار (العلم الدقيق) والأفكار الجديدة تظهر بصورة تلقائية كالتحولات، وأغلبها لا قيمة له ولا نفع.. تشبه الأخطاء الفزيزلزجية.. ليس لها قيمة في حساب البقاء، يوجد دائما صراع على البقاء بين النظريات التنافسية في كل فرع من فروع تاريخ الفكر وعملية الانتحاب الطبيعي، لها أيضا ما يقابلها في تطور العقل، فبين الكثرة الطائلة من التصورات الجديدة التي تظهر - يبقى منها فقط ما يتوافق بصورة جيدة مع البيئة الفكرية في العصر، يعين التطور الفطري أو يموت حسب ما بلغ ما لديه من القدرة على الاتفاق مع البيئة، ويتوقف حظه في رد على البقاء على قدراته على إنتاج النتائج.ونحن حين نقول عن فكرة أنها خصبة أو مجدية، نستعمل دون أن نشعر تشبيها بيولوجيا، هذه المعايير هي التي حسمت الصراع بين نظام بطليموس الفلكي ونظام تيكو ونظام كوبرنيكوس، والصراع بين أفكار ديكارت وأفكار نيوتن بشأن الجاذبية، ثم إننا في تاريخ الأفكار تحولات وتغييرات لا يبدو أنها نزعات وليدة احتياجات واضحة، بل تبدو للوهلة الأولى أنها نزعات لاهية. مثال ذلك دراسات أولوينوس لقطاعات المخروط أو الهندسة الإقليدية. وهذه وتلك لم تظهر لها فائدة إلا بعد مرور زمن طويل، وبالعكس يضم الفكر بقايا أنظمة فقدت غرضها.. بقيت كتراث تطوري والعلم الحديث مليء بتلك الزائدات الدودية وبقايا الذيول القديمة).[c1]اللحظة الحاضرة[/c]ويتحول القانوني رجائي عطية في الكتابات الغربية إلى ما كتبه ألفريد كانتويل مؤلف وأستاذ الأديان في جامعة هارفارد، ومؤلف كتاب الإسلام في التاريخ الحديث.يقول في مقدمته: إن هناك دائما أكثر مما ترى العين وتلقاه، هناك أكثر من ذلك فى ذاتك وفي جارك وفي العالم الذي يحيط بك، هناك أكثر من ذلك في الماضي الذي منه نجيء، بل قد يكون هناك وبصفة خاصة وفي اللحظة الحاضرة - أكثر مما تراه وتلقاه عينك.. أكثر بكثير وبما ليس له حد.. وفي بانوراما الحياة الدينية للإنسان من جهة شكلها الخارجي، توجد معطيات دنيوية مختارة ترمز لأشياء أكثر من دنيوية، وعندئذ يتعين على دارسي الديانة ألا يكتفى فيما يتعلق بهذه المعطيات بتدبرها في ذاتها.واهتمامنا لا ينصرف أساسا إلى العقائد والكتابات المقدسة والصلوات والطقوس والأنظمة، وإنما ينصرف إلى ما تؤديه هذه الأشياء للآدمي. فلا يعنيه رقص القبيلة الذي يجري في الرقص الإفريقي، ولا النظام الطائفي في الهند ووجود الآدمي داخل الطائفة أو خارجها، ولا الأحداث التي حدثت في سيناء - بمقدار ما يعنيه الدور الذي لعبه توالي رواية هذه الأحاديث في الحياة اليهودية، أو المسيحية وعلى سبيل المثال ونتأمل تمثالا لبوذا، ونلاحظ جزءا صغيرا منه، وهو وضع يده اليمنى في التماثيل العديدة النمطية المنتشرة في العالم البوذي.ولعلنا نختار في أحدها (وضع الذي لا يخاف).. حيث تكون الذراع اليمنى مرفوعة قليلا واليد قائمة لأعلى في المواجهة.. فإنه فضلا عن المعنى المتفق عليه بعامة لهذه الإشارة (معنى القوة والسلطة ومنح الحركة) فإنها عند البوذيين - تمثل حدثا في حياة بوذانية - على ما قيل - تعرض بوذا ومن كانوا معه لهجوم فيل هائج فتوقف الفيل عن السير وصار أليفا عند ما رفع العلم يده على هذه الكيفية، فالإشارة تعطي تعبيرا نسبيا عن انعدام الخوف لدى بوذا في مواجهة التهديد، وعن قدرته على منح الأمان من الخوف وأسباب هذا الأمان إلى تلاميذه، وعن انتصاره المطمئن على كل خطر، وعن الكتابات الغربية في عالم الفنون. يقول رجائي عطية: قرأت في الجزء السادس الخاص بالفن - من المدخل إلى دائرة المعارف البريطانية - مقدمة في الفن كتبها: مارك فان دورين، وهو شاعر وناقد وعالم وله عدة مؤلفات أدبية. استهل هذه المقدمة بدعوة إلى التصور، فيقول للقارئ: دعنا إذا استطعنا - نتصور عالما مجردا تماما من الفن، الخطابة، الصورة، المبنى، ومن أصوات ذات المعنى إذا استطعنا وربما كان ذلك مستحيلا وسيكون ذلك العالم عالما لا يرى ولا يسمع ولا يوصف ولا يلمس.فنون الرسم والتصوير والحفر والليثوجراف والنحت والتصميم الزخرفي تغطي العديد من الأسطح، والجبس والرقاق والورق مما لم يعد يرى فيه أين عملت يد الفنان؟ لأن مادة نلك الأعمال مما يبلى ويتلف كما ترى في رخام النحات أو البرونز أو الخشب، لا يزال الكثير باقيا ولكن أكثر منه لم يعد له وجود. حتى تصاوير الكهوف مما قبل التاريخ في فرنسا وأفريقيا - هل لهذا الإنسان العصري عند اكتشافه إياها، واعتبرها إعجازا في البقاء، وهي لا تبقى مع اندفاع أفواج من الأحياء إلى رؤيتها.ولم تبق موسيقى الأقدمين لسبب آخر، فلسنا نعرف كيف كانت تكتب ولا كيف كانت أصواتها.. قيل إنه كان لها قوى تكاد تكون سحرية على من كانوا يسمعونها في ذلك الزمان.[c1]الإبداع مرادف للحياة[/c]ويواصل مارك فان دورين، حديثه عن الفن فيقول: إن عالما بلا فن أسوأ من عالم ليس فيه ما هو قابل للرؤية أو للمع أو للمس، إنه عالم فاقد للبعد الزمني. عالم لا يستطيع العقل البشري أن يتذكره، فالذاكرة البشرية فريدة في قدراتها لا على الاستعادة فحسب، بل على استخدام الماضي وتطبيقه ثم إعادة خلقه وإبداعه بحيث يصبح جزءا من اللحظة الحاضرة، وهذا أشبه بالأبدية في أي شيء آخر يمكن أن نلقاه ونقابله، ويدخل في نطاق خبرتنا، فالذاكرة البشرية هي أصل الفن عند البشر. وعند الترجمة من التنوير والإبداع يرى رجائي عطية أن الحديث عن الترجمة حديث حاضر على الدوام، منها نافذة تفتح على الفكر العالمي، وتضيف إلى العربية إضافات تصب في الفكر والعلوم وفي الإبداع.وأثر الترجمة على الأمة العربية بعامة - مكانة قديمة لعبت من خلاله دوراً حضارياً بالغ الأهمية في تاريخنا القديم والحديث، لم يقتصر فقط على المساحة النشطة التي شغلتها مع بداية النهضة العلمية التي عرفتها مصر في عهد محمد علي، وإنما كانت ومن قبل ذلك عاملا أساسيا في الانتفاع الواعي على الثقافات المحيطة في العصر العباسي الذي تجاوز بكثير المحاولات الأولى للترجمة التي جرت في العصر الأموي.الاقتناع بدور وأثر الترجمة في الإبداع، كان قاسما مشتركا لدى النادي والمثقفين والمبدعين، وقد صادفني سلفاً في الكتابة عن الإذاعة كيف كان الإذاعي الأديب الموسوعي سعد زغلول نصار واحداً من الذين ضربوا بمعاولهم بدأب وإخلاص في حقل الترجمة ورتبوها قبل إنشاء المركز القومي للترجمة. ويستطيع المتابع لحياتنا الثقافية أن يرى المحاولات الفردية التي بذلها الرعيل الأول وترجموا إلى العربية أكثر من نفائس الفكر الأدبي العالمي بهذه الترجمات أطللنا على روائع الأدب العالمي في الرواية والشعر والمسرح والقصة القصيرة.الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي وصاحب الإنتاج الغريزي في المباحث الإسلامية، وفي النقد والأدب وفي التراجم والسير - نراه يترجم من الأدب اليوناني أوديب ملكا، وأنتيجونا وألكترا وروائع أخرى لسوفوكليس. والأديب إبراهيم عبد القادر المازني نراه يهتم بالترجمة بل ويكتب في طرقها وأساليبها، ويخوض بنفسه مضمارها فيترجم (ساتين) أو (ابن الطبيعة)، لأرتزيباشيف وآخرين من أدبائنا اهتموا بالترجمة وأصولها.
|
ثقافة
كتابات غربية .. ترجمة لرؤى فلسفية وإبداعية مختارة
أخبار متعلقة