(قصة قصيرة)
انتظرت الليل بفارغ الصبر ... وقد جاء ..تثاءبت وأنا أحاول أن أبدو غير منتبه لتأفف زوجتي ... وشرعت بفتحزاوية في غرفة النوم حيث أضع عشرات المغلفات التي تحمل مئات الأوراق وقصاصات جمعتها في أيامي الماضيات ... وهدايا لا تقدر بثمن أغلى من العقيق ... والماس ... وكل ما يحب جمعه الناس ... من ذهب ودراهم وفضة .كنت ابحث عن ورقة واحدة بين ما جمعت من سنين طويلة ... وكنت واثقا أنها ترقد في مغلف ما ... وبينما أنا اقلب الأوراق والذكريات كنت بين وقت وآخر ارحل من غرفتي كلما اطل علي هدير من الماضي يشج صدري ...يشعل سراج قلبي .. يزغرد في فرح .. وتصرخ بأحشائي الأحزان ..هذه مجموعة لنسخة أصلية بخط اليد لمجموعة قصصية للقاص أمين يوسف عودة كان قد منحني إياها تعبيرا منه عن حبه لي وتشجيعا لكي اكتب بشكل أفضل ... موقد الصقر عوض بديوي .. دراسات نقدية احمد خريس ... قصائد لنزار اللبدي لمجموعته الجديدة ذات الأبواب.. يا إلهي كلها بخط اليد ......و الكثير..التسعينيات كانت جميلة على كل ما فيها من حرقة وألم ..!!! هل كنت أستحق هذه الثقة لكي يمنحني هؤلاء الكتاب أوراقهم المولودة حديثاً ...؟! وأنا لا أعثر على ورقتي ..وبينما كنت استعيد وعيي من تسرب في متاهة الذكريات .. قفز من بين الأوراق فأر بحجم كف اليد .. وراح يركض من اليمين إلى الشمال .. يقفز على هرم الأوراق وينزل أسفلها وأنا لا أحرك ساكنا ... كيف دخل هذا المندس في عتمة ذكرياتي .. من منحه الإذن لكي يتجرأ على قضم كلماتي ؟!وكيف لم يحترم حرمة هدايا خبأتها حتى عن متناول يدي ..؟! كيف...؟!وحمدت الله تعالى أن زوجتي مشغولة بأمها ... وكفاني المولى صراخها ... وعلى الفور استدعيت قطي بعد أن أحكمت إغلاق الباب ... فأنا ومذ طفولتي تعودت أن يكون لي قطي الخاص ... وكنت كلما مات واحد أو فقدته دون أي حسابات استبدلته على الفور بآخر ... وكل القطط التي كنت اعتني بها وتعتني ببعض ما أريد كنت أطلق عليها اسما واحدا وهو ( خلف ) ولا أعرف لماذا كنت استطيب هذا الأسم ..... أول دخوله للغرفة تغيرت معالمه ... رفع ظهره للأعلى .. ومط قوائمه الأربعة وشد شنبه ولم حاجبيه ... ومرة واحدة قفز على كومة أوراقي .. وخرج حاملا بين أسنانه الفأر .... دار حول نفسه وهو ينظر صوب الباب ... أسرعت فتحت له الباب وخرج إلى العريشة وأنا اتبعه .... الفأر كان مازال على قيد الحياة ألا أنني كنت المح رعبا من ذيله يتدلى...!! انبطح القط (خلف) في منتصف العريشة وتركه .. ركض الفأر قليلا .. وبحركة فنية تشبه حركات لاعبي الكاراتيه أو التايكواندو مد يده بسرعة خيالية وأوقفه .. حمله من يد إلى يد .. ثم تركه .. لم يتحرك الفأر وهو يشاهد القط يتلوى على بطنه .. وكأنه يؤدي رقصة -طبعا ليست كرقصة زوربا ...وشعرت أن الفأر لم يعد يدرك الاتجاهات .. حاول .. لكن يد القط كانت أسرع .. ولا ادري لأي سبب كان القط يلوعه أو يداعبه ........؟!!.وقفز إلى ذاكرتي أن الفأر تجرى عليه أهم التجارب العلمية ... هل أدرك القط ذلك ..؟! ويحاول إجراء دراسة نفسية على سلوك الفأر ...؟! ولكن كيف الفأر وهو الأصغر حجما يشبهنا في التكوين الجسدي ... والقط اكبر حجما ..؟!ثم قفزت طفولتي تحمل صورا عجيبة لتوم وجيري ذلك الفيلم الكرتوني القديم الحديث .... وتساءلت لماذا لا يقوم الفأر باستخدام ذكائه كما يفعل في الفيلم الكرتوني ...؟! لماذا لا يحمل المكواة ويضربه بها ليتغير شكل القط ...؟ أو يضعه في الثلاجة فيتحول إلى قالب ثلجي وبضربة واحدة يتكسر القط ويتناثر ...؟! لماذا لا يمد يده إلى شارب القط ويسحبه ليبدو مثل وتر الكمنجة أو العود ويعزف عليه ألحانه المرة ... لماذا .. ولماذا ؟وألف لماذا قفزت من ذاكرتي ؟! تقول إن الفأر على صغر حجمه هو الأقوى.. لتميز نجاسته وخبثه ودهائه ومكره..؟! فطفولتي شكل بعض قناعاتها جهاز التلفاز أن الفأر أقوى ... وبيده السلطة العظمى وما أراه أمامي الآن قصة أخرى ..!!وانتبهت من غفلتي والقط (خلف ) يحمل بأسنانه جسد الفأر المتعب .. المنهك إلى زاوية في حديقة البيت وتحت زيتونة تجاورها دالية سمعت طقطقت عظام .. وكأن القط أراد أن يأكله بعيدا عن رؤيتي ومشاهدتي .. وأتعبني الصوت ..في حديقتي ..وولادة الموت...! وبعد إطراق... حملت عصا ونزلت درجات العريشة وأنا أفكر أن اضرب القط دفاعا عن رقة الفأر .. صوت بداخلي .. كان يدفعني .. وعاطفة عتيقة تشدني .. الفأر صغير الحجم ولا طاقة له بقطي وعنفه .. ووقفت في منتصف الطريق أحاول أن أجد توازنا ما بين ذاكرتي وطفولتي وبين ما رأيته بأم عيني .. وقلت أن الفأر هو الذي تسلل إلى أوراقي دون إذن مني ... بينما القط صديقي ومنذ شهور وهو يصد الأذى عني .. وهذه معركة لا يعنيني...أطرافها... ولا تعيد لي ما فقدت من ورقي .. فالورقة لا بد في بطن الفأر والفأر ربما صار في بطن القط ... والقط ألان يرتع في حديقتي وعنايتي وقد قتل منذ أيام أفعى حاولت أن تتمدد في غرفتي ولاعبها وتلاعب بها .. قبل أن يقطعها ويأكلها .. وشعرت بالحزن وهو يجزئهاوالآن هو خارج شاشتي وطفولتي .. وذكرياتي.... انه في عريشتي وحديقة توطأ السرور لمنزلي .. والفأر بمكر دخل غرفتي وعبث بأشيائي وابتلع ورقتي وكاد لولا .. أن .. يأكل ما قد أهديت من خلاني وصحبتي .. أوراقهم الأولى ....وثقتي .... تراجعت إلى الخلف وتركت القط لطقوسه ... وما أن أدرت ظهري حتى سمعت صوتا لكلب غريب الشكل والنباح يحاول أن يقتحم سور منزلي .. وضعت عصاي على درج العريشة... تأملته كان يشبه ذلك الكلب القابع في ذكرياتي مربوط بسلسة يحاول باستمرار أن يغفو لولا إزعاج يصدره القط وهو يلاحق الفأر .. ولم أشاهده قط يحاول دفع البلاء عن القط .. ( وأدهشني أن تضيع أوراقي في يوم يخرج به الفأر والقط والكلب من ذكرياتي ) إلى واقعي ..!! حملت حجارة تعددت أشكالها وبدأت برماية الكلب... إزداد نباحا وإصرارا.. وهو يمعن بالقط يقضم الفأر.. وناديت .. وجاء كل أفراد عائلتي وبعض جيراني ... نرشقه بالحجارة ونباحه يرتفع ... وتجمع كل الحي يرمونه بالحجارة وهو يخفض رأسه تارة .. ويحاول أن يقفز إلى حديقتي تارة أخرى .... وأنا أرجو أن يكون القط (خلف ) قد أنهى وجبته ... والفأر سلك طريقا في أمعائه ... وقد مات ...وأربكني رؤيتي للقط يتلوى وهو يحفر في الأرض ...عرفت انه سيبرز.. ولكني كنت اخشى أن يبرز.. فأرا حيا .. يشبه بمكره فأرا قضم ورقتي .. ويعود أكثر قوة.. للانفلات .... والحياة ...!!!فعدت إلى حمل العصا.... والسكين ... وملأت جيوبي بحجارة إضافية...أقف منتبها بينما يحيط بجسدي أهل الحي ..!! ..للمرة الأولى في حياتي.بالأمس كان مخاتير حينا .. ومخاتير من حي آخر ... يتناظرون على مسمع الجميع ... عن صحة رواية ضياع الأوراق ... بعضهم قال منذ مئات السنين استبدلها (أنا ) بصاع من تمر ... بينما قال آخر بصاع من حنطةكنت اضحك وأنا اسمعهم عبر نشرة الأخبار ... بينما المذيع يركز على أن الخلاف على الصاع ... لا على ما كان بالصاع ... ولم يدرك احد أن كثرة الترحال بليل بلا خيل ... تعفن الورق ... ربما ... أو في عتمة ....ضاع ...!!!وانتبهت على ثورة أبنائي يسحبون (الريموت كنترول) من يدي فقد حان موعد عرض توم وجيري ..!!