صباح الخير
لم يكن طلائع الثوار الذين تصدوا لمهمة طرد المستعمر من الأرض اليمنية يجهلون الآفاق التي ستفتح بعد انتصار الثورة وتحقيق الاستقلال، ولم يكونوا يجهلون المعاني السامية التي سوف تترشح في وجدان كل يمني عاش وسيعيش زمن التحرر والانعتاق من ربقة السيطرة الاستعمارية.نعم كان الثوار الأوائل يدركون كل ذلك حيث لم تكن الثورة اليمنية مجرد كفاح مسلح وحسب، بل أن الثورة منذ انطلاقتها كانت قد أصبحت مشروعاً نهضوياً وحضارياً متكاملاً تمت التهيئة له وطنياً وقومياً، تاريخياً وثقافياً وتمت عملية التعبئة له جماهيرياً في الداخل وحشد الدعم الخارجي له عربياً وعالمياً، كما أخذ الطلائع الأوائل من الثوار بدرس وتمحيص التجارب الثورية السابقة والمواكبة لثورتهم وتشبعوا بقيم الثورات المنتصرة قبل أن يبدؤوا عملية الدعوة إلى الثورة، ويباشروا بالضغط على الزناد لتوجيه رصاصات البنادق صوب صدور المستعمرين ومصالحهم.لقد رسخ الثوار الأوائل وطلائعهم المثقفة ثقافة الثورة وعمموها بصبر وأناة لتصبح جزءاً من ثقافة الشعب بل المكون الرئيس للثقافة الشعبية في حقبة الاحتلال الأجنبي ولذلك، صنعت الثورة منذ انطلاقتها عوامل انتصارها واستمراريتها، فكانت الثقافة الوطنية هي المحرك لكل فعل ثوري باتجاه تحقيق الاستقلال الوطني كهدف أول من أهداف الثورة. ولذلك كان يوم الاستقلال بداية جديدة لصناعة تاريخ جديد للوطن والشعب اليمني، فقد مثل الاستقلال الوطني يوماً لتشييع المشروع الثقافي الذي أراد المستعمر تكريسه في واقع البلاد وفرضه على الشعب اليمني قسراً، حيث تم بإعلان الاستقلال الوطني دفن ذلك المشروع الكولونيالي إلى الأبد، ليبزغ مشروعاً وطنياً مشبعاً بتراث الأمة وهويتها الحضارية والثقافية، ومع بزوغ المشروع الوطني استعاد الشعب اليمني كله حافزه الروحي لإعادة بناء ما هدمه المستعمر من قيم روحية ومادية في واقع حياته.. لقد استعاد الشعب السيادة على الأرض اليمنية ، كما استعاد الإرادة الحرة ليقرر مصيره بنفسه وفق ما تمليه عليه ضرورات العصر الذي يعيش فيه وفق ما يطلبه حاضره ومستقبله، وكانت الثقافة الوطنية هي المدماك الذي قامت عليه جميع مشاريع الثورة في النهضة والتطوير والبناء الحضاري للبلد وللإنسان معاً. ولاغرو أن قلنا أن الثورة والاستقلال وكل المنجزات التي تحققت في بلادنا والتي توجت بالوحدة وانتهاج النهج الديمقراطي في الحياة السياسية، كلها كانت نتاجاً طبيعياً اللثقافة الوطنية والفعل الثقافي الوطني. فالثقافة الوطنية التي كانت تمد الثوار بالطاقة للفعل الثوري هي التي أنتجت جيل جديد من أبناء الشعب جيلاً جديداً بفرص العلم والتعليم وتشبع بمفاهيم الحرية والسيادة وغدا اليوم أداة البناء الأولى والعامل الحاسم في عملية الولوج بالوطن اليمني إلى مستقبل أكثر إشراقاً وتطويراً ونماء.. إنه جيل الاستقلال وجيل الوحدة وجيل الحاضر الذي يصنع ذلك المستقبل الذي سيكون فيه الوطن أجمل، وأعز واشمخ مما كان عليه في أي زمن مضى.
