جمعني مؤخراً - أثناء زيارتي لمدينة تعز - لقاء بعدد من ممثلي منظمات المجتمع المدني والمثقفين والصحفيين ، تحول هذا اللقاء إلى حلبة نقاشية فجرها أحد الموجودين عندما أراد أن يختبر قدرتهم على الحوار والنقاش ، فزعم زعماً يعلم كذبه مسبقاً وقال : انه سمع أن هناك مشروع قانون سيقره مجلس النواب يقضي بإعطاء غير المسلمين وتحديداً ( اليهود ) 5 % من إجمالي مقاعد البرلمان اليمني . ولأن لكل نار نفاخين فقد قام آخر ليضيف كذبة على الخبر المكذوب ويقول بأنه سمع الخبر صباح ذلك اليوم من قناة ( الجزيرة ) .. ثم يضيف رأيه في ذلك متهماً من سعى إلى هذا الأمر بأنه يسعى إلى يهودة البرلمان وبث سموم اليهود في قلب التشريع اليمني . اشتد النقاش في القاعة وتعالت الصيحات واشتد الخلاف بين مؤيد ومعارض ولكل فريق من هؤلاء حججه ومبرراته ، فقائل يؤيد هذا الإجراء كون النسبة المذكورة لا تؤثر في التشريع ، وآخر يرفض هذا الأمر باعتباره مؤامرة أمريكية وصهيونية دولية (!!!) تحركها عدة أطراف ويشرف عليها لوبي صهيوني دولي (!!) .. وثالث يغرد خارج السرب ويقول إن وجود ممثلين عن الطائفة اليهودية في البرلمان بنسبة ( 5 % ) سيؤثر سلباً على القضية الفلسطينية ( ! ) ولا أدري ما علاقة القضية الفلسطينية بهذا الأمر ( ؟ ! ) . بعد اشتداد الخلاف بين الطرفين كان لا بد من تدخل من وضع هذا ( المقلب ) ليشرح للجميع أن هذا الأمر لا أساس له من الصحة وأنه فقط أراد اختبار قدرة الموجودين على إدارة الحوار والنقاش ، ورغم أن النقاش في ذلك الموضوع كان قد خرج عن اللياقة وآداب الحوار ، إلا أن صاحبنا كان مرتاحاً جداً مما جرى ، معتبراً إياه مؤشراً ايجابياً ، حيث انه - كما يقول - جرب هذا ( المقلب ) على رجال دين وأدباء ودكاترة وشخصيات أكاديمية فكان الأمر يصل بهم حد التخوين والتكفير والاشتباك بالأيدي ووصل الأمر ببعضهم إلى اتهام مخالفيه بحيازتهم ( الجنسية الاسرائيلية ) ( !!!) .. وهو الأمر الذي لم يحدث في جلسة نقاشنا المذكورة .وإذا ما أخذنا الأمر على أرض الواقع فإن عدد الدوائر التي تتواجد فيها الطائفة اليهودية في اليمن لا ترقى إلى درجة الـ ( 5 % ) المزعومة ، فالطائفة اليهودية تتركز في مديريتي ( ريدة وخارف ) في محافظة عمران فيما قد غادر يهود ( آل سالم ) في صعدة مناطقهم وتم نقلهم برعاية حكومية إلى المدينة السياحية في العاصمة صنعاء بسبب اعتداءات الحوثيين عليهم تطبيقاً لشعارهم الظلامي الذي يلعن اليهود دون أن يفرقوا بين اليهود الذين يناصرون القضية الفلسطينية ويعارضون الأعمال العدوانية والمجازر الدموية التي يرتكبها الحكام الصهاينة في إسرائيل .. ومن بينهم ( جولدن سكوت ) اليهودي الذي فضح جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية أثناء عدوانها الظالم على غزة في تقريره الشهير المسمى باسمه ؛ وهو التقرير الذي أقره مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مؤخراً ، وطالب بموجبه بإحالة مجرمي الحرب الصهاينة في الحكومة الاسرائيلية إلى محكمة العدل الدولية . كما أن أماكن تواجد اليهود في صنعاء متفرقة ومتباعدة بحيث لا تسمح لهم بتكوين كتلة تمكنهم من اختيار ممثل لهم في البرلمان .. وبالتالي فالنسبة التي قد يشكلها اليهود في حالة اختيارهم لممثليهم في البرلمان لن تتجاوز ( 1 % ) هذا طبعاً إن فاز جميع مرشحيهم وهو أمر لا يدعو إلى القلق بتاتاً . فالذين يقولون إن البرلمان مركز للتشريع وسن القوانين وبالتالي لا يجوز لغير المسلمين دخوله ، يقرون جيداً ان نسبة ( 1 % ) أو حتى لنفترض أنها ( 15 % ) لا يمكن لها بتاتاً أن تؤثر في التشريع بأي حال من الأحوال حتى لو أجمعت هذه الكتلة غير المسلمة على أي قرار فإن إقرار أي تشريع في البرلمان يبقى مرهوناً بتصويت الأغلبية التي ستكون أغلبية مسلمة من دون أدنى شك ولن يؤثر عليها سلباً أو ايجاباً تصويت نسبته ( 1 % ) من أعضاء البرلمان الذي يبلغ عدد أعضائه في اليمن ( 301 ) . في الانتخابات البرلمانية عام 2003م تقدم مواطن يهودي يمني اسمه (ابراهيم عازر ) بطلب ترشح لعضوية مجلس النواب عن دائرته الانتخابية وقد أثير وقتها الكثير من الجدل والتحريض حتى اضطر إلى إعلان سحب ترشحه. وإذا ما نظرنا إلى الدستور اليمني فإنه لم يحدد اشتراط الديانة الإسلامية كشرط للترشح لعضوية مجلس النواب بل حدد أن يكون يمنياً وألا يقل عمره عن 25 عاماً وألا يكون صدر ضده حكم قضائي ، إلا أن هناك مادة مطاطة وغامضة في قانون الانتخابات وفي شروط الترشح لمجلس النواب وهي : ( أن يكون مؤديا للفرائض الدينية ) ولم تحدد المادة الدستورية الفرائض الدينية ولا أي ديانة تقصد .إذن فلا يوجد ما يضير أن تختار أي طائفة ممثليها في مجلس النواب بكل حرية وبعيداً عن التعصب وعلى أساس مبدأ المواطنة المتساوية التي أقرها الدستور .. كما أن مؤاخذة يهود اليمن بما يرتكبه الاحتلال الاسرائيلي من مجازر وحشية بحق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل تصرف غير صحيح .. فيهود اليمن هم مواطنون يمنيون لهم كامل حقوق المواطنة اليمنية ولا علاقة لهم بجرائم اليهود الصهاينة في فلسطين المحتلة . ولا ينبغي أن يكون الكيان الصهيوني الغاصب المسمى ( إسرائيل ) أفقه منا بحقوق الأقليات حين خصص مقاعد في البرلمان الاسرائيلي ( الكنيست ) لأعضاء عرب ينتمون لطائفة ما يسمى بـ ( عرب 48 ) .. حيث ان هذا ( الكنيست) كان عضواً سابقاً فيه المفكر العربي المشهور / عزمي بشارة وحالياً يتواجد فيه أكثر من عضو عربي أمثال الدكتور أحمد الطيب ومحمد بركة وغيرهما .. إلا أن التطرف موجود هناك أيضاً وبنسبة تفوق ما عندنا من تطرف حيث لا يسلم الأعضاء العرب في الكنيست من حملات التحريض العنصرية والمطالبة بإبعادهم .. وهو ما ينبغي أن نتفوق به عليهم بان نتفهم حاجة الأقليات في اختيار ممثليهم في برلماننا من دون تعصب أو تحريض عنصري ماداموا لا يشكلون أي خطر على التشريع وسن القوانين ، وما دام الدستور ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع . [email protected]
مقلب خبيث في تعز يختبر نخبة مثقفة من عموم الوطن !!
أخبار متعلقة