د. عيدوس نصر ناصر3- الاسلوب القصصي:من بين ما تمتاز به هذه المجموعة هو تناول العديد من القضايا من خلال أسلوب قصصي ممتع وسلس ليس بمقدور كل شاعر القيام به وتحتوي المجموعة على أكثر من نص شعري يتكئ على الموروث الفلوكلوري العربي او المحلي وبعضها من ابتكار الشاعر كما يتهيأ للقارئ ومن هذه النصوص .الطالب منيروتحكي قصة طالب متفوق اسمه منير حصل على مركز متقدم في الامتحانات النهائية ثم يعلن عن اسمه ضمن الناجحين في الحصول على منحة دراسية جامعية ، ولكن الوساطات وفساد وسوء الادارة وللمجاملات وللمحسوبية اسقطت اسمه من قائمة المقبولين ليحل محله أحد الفاشلين ولكن ممن لديهم وساطة قوية ووسائل ضغط أقوى يقول :لكن يفاجأ بصدمة مش على الخاطر اسمه سقط والوزارة حالة استنفارمع سليل الحسب الناهي الآمر ابن الوجيه الموقر الولد صرصارالكفو صرصار للمنحة وهو القادر معدله ميه بالعكس اوضع الاصفاروضيع المنحة الفاشل رجع خاسر كانت خسارة واعظمها منير انهارالثور زهير :وهي قصة مستوحاة من التراث الشعبي وتتحدث عن ذلك الفلاح الذي أراد أن يستبدل الثور العجوز بثور أصغر منه وأقوى وبعد أيام على بيعه وبعد تردده على السوق اشترى ثوراً بثمن أغلى مما باع ثوره بعد أن اعجب به كثيراً ولكنه ما إن عاد الى البيت حتى أكتشف أنه لم يشتر سوى ثوره زهير بعد أن قص قرناه وامتلأ جسده ببعض الشحم.جرس رنان :وهي تحكي في قالب شعري جميل قصة "من يعلق الجرس" والتي تروي حكاية الفئران التي اجتمعت للبحث عن طريقة للتغلب على هجمات للقط فقررت أن تضع جرساً على رقبة القط ولكنها نست أن مجرد وضع الجرس هو المعضلة بذاتها .البابا والشيطان :وتتحدث عن البابا الذي استطاع الشيطان أن يغويه لمساعدته وإنقاذه من الحفرة التي وقع فيها بعد أن أقنعه بأن موته ، أي موت الشيطان ، يجعل البابا بدون عمل وأن وجود الشيطان هو مصدر رزق البابا.سعدية في البير تسقط:وهذا النص يحكي قصة فتاة جميلة سقطت في البئر وتطوع لانقاذها رجل شهم اسمه قاسم ولكنه خشي أن يلامس جسدها الناعم حتى لايغويه الشيطان فقرر أن يقبض على أطرافها بيديه ويعض على الحبل بأسنانه والقوم يسحبون الحبل من أعلى وقبيل الوصول كان أخو الفتاة يسأل عن حالها متلهفاً ولكن قاسم الذي أراد أن يطمئنه بأنها بخير أفلت الحبل من فمه فعاد معها على قاع البئر .نبأ هام :وتتحدث عن رجل تلقى خبراً هاماً عن بدء الحملة على الفساد والفاسدين وفتح المحاكم والسجون للمتورطين في قضايا الفساد والتلاعب بالقوانين وعندما تحضر حفل إعدام أحد المتورطين يختتم القصيدة بالابيات التالية :ممن عـبث وأفسد وأجرم فـيحقنا في عدة أعوامأول قضية حكم صارم عــبرةلمن فكر ومن رامبســاحة التــحرير يـنـفذوحددوا تنفيذه اليومحضرت من ضمن الجمـاهيرذي جت تشاهد حكم الاعداموشـفت والمذنب مقيد وفـوقهالسيـاف بـيقومضرب على عنقه وبسيفه وطاررأسه تحت الاقدامشاهدت رأسه تحت رجلي نهضت مستيقظ من النومومثل مابيتت اصبحت وكلها اضغاث أحلامإن أهم مايميز هذه المجموعة من القصص هو أنها تأتي في قالب شعري جميل وأخاذ وهي مهمة قد وفق الشاعر في القيام بها ولايخفى على القارئ اللبيب ما في هذه القصص من تكثيف للعديد من المعنى ونقذ لاذع لبعض المسالك غير السوية والسلوك المعوج.4- الرمز في المجموعة:كثيراً ما لجأ الشاعر الى استخدام الرمز وهذا الرمزيختلف كثيراً عن ظاهرة التلغيز والطلسمة التي تكتنف بعض النتاجات الشعرية والتي تحولها الى مايشبه الاحاجي والشفرات تحت حجة الرمز ، فالرمزعند الضباعي من السهل الممتنع الذي لايخلو من الوضوح والدعابة والسخرية والفكاهة كما في قصيدة " الله يصيبش يا بقرتي " وهو العنوان المأخوذ من زامل شعبي فكاهي كان المرحوم الخالدي قد نظم على غراره قصيدة جميلة يمتدح فيها البقرة ويعدد أفضالها وجمائلها وبخلافه عمد الضباعي الى التندر بالبقرة وتعداد المتاعب التي سببتها له بالقول :الله يصيبش يابقرتي ياذي سلوكش مش سويةكلتي محاصيل المزارع وكم مدافن ممتليةوفي قرونش تنطحيني لاردش الله ياأذيةإلى أن يقول :ما شي معي منش منافع ربي بلاني بش بليةخلصش ذي هو بالمخازن وقلش ما عندش شهيةماشي عليا لوم لا اصبحش في يوم ياليلى ضحية5- توظيف التراث المحلي والعربي:أبرز الشاعر قدرة عالية في فهم واستيعاب وتوظيف الموروث الثقافي والفولكلوري المحلي والعربي من خلال الكثير من الامثال والامثلة والحكايات والقصص والتي تكثف معاني ومدلولات عميقة بقدر قليل وبسيط من الكلمات مثل قوله " احصد ثوم واغرس بصل" او " تكفي الحليم الاشارة " او " للشعب بيغني بجنب اصور" وكذا في حكايات " جرس رنان" والثور زهير " والبابا والشيطان " وغيرها .ملاحظات :قد لا أكون في موقع يسمح لي بتوجيه بعض الملاحظات النقدية لمحتويات المجموعة فأنا لست الناقد المتخصص كما أن نقد الاعمال الشعرية العامية أصعب بكثير من نقد الاعمال الادبية الفصحى ، ومع ذلك فسأسمح لنفسي بتقديم ملاحظة رئيسية للمجموعة الشعرية " كلم جدار" ربما منها قد تتفرع مجموعة ملاحظات أخرى والملاحظة الرئيسية واعتقد إنني سبق وقلتها للأخ العزيز الشاعر عبداللاه .إن صاحب المجموعة الشعرية يتمتع بذائقة شعرية رفيعة كما يمتلك القدرة على توظيف الصورة الشعرية وابتكار التراكيب اللغوية الجميلة التي من الصعب استعراضها في هذه العجالة ولكن المأخذ الوحيد على المجموعة الشعرية هو التواضع في التركيز على أناقة الجملة الشعرية .يتهيأ للمتابع لقصائد المجموعة أن الشاعر يأخذ القلم والورق وفي ساعات وربما دقائق يكتب النص الشعري الطويل او المتوسط ويكتفي بذلك دونما مراجعة وإعادة صياغة للتخلص من المفردات الضعيفة او الاختلالات العروضية وإغناء النص بالمعاني الافضل والتماسك العروضي الاقوى ليغدو أكثر جمالاً وأشد أناقة .ومن خلال هذه الملاحظة تتفرع بعض الملاحظات الجانبية مثل وجود اختلالات عروضية او مفردات كان يمكن استبدالها لتقوية المعنى او تحريك بعض النهايات الساكنة وتسكين المتحركة وتحويل بعض همزات الوصل الى قطع والقطع الى وصل ، وهذا ولاشك يضعف من جمالية القصيدة ويقلل من أثرها عند المتلقي ، وكان بإمكان الاخ عبداللاه وهو الشاعر المتمكن أن يتغلب على كل ذلك بقليل من الجهد المضاعف وبإعادة صياغة النص قبل اعتماده النهائي .ومع ذلك فإن كل هذه الملاحظات لاتقلل من تلك القيم الجمالية والفنية التي تتمتع بها هذه المجموعة الشعرية التي أتمنى لصاحبها المزيد من التألق والابداع والعطاء الادبي الدائم.
|
ثقافة
قراءة اولى في ديوان كلم جدار للشاعر عبدالإله الضباعي 2-2
أخبار متعلقة