أضواء
في الخطاب السعودي الجديد لم تعد كلمة «الإصلاح» تثير ردات فعل مرتبكة حيال الكلمة وما يرافقها من معان كما كان قبل سنوات قليلة. والمراقب للخطاب الإعلامي في السعودية هذه الأيام لابد أن يلحظ تكرار كلمة «إصلاح» في كل مناسبة يأتي الحديث فيها على التغييرات الوزارية الجديدة في المملكة إذ فسرت قرارات الملك السعودي الجديدة على أنها امتداد لخطوات إصلاحية مهمة يتبناها ويباشرها الملك نفسه. دخول مصطلح «الإصلاح» في الخطاب السعودي الجديد يعد إنجازاً مهماً من إنجازات المرحلة ليس فقط لأن التشكيل الوزاري الجديد في السعودية يأتي عملياً في سياق الخطط الإصلاحية الضرورية في المملكة ولكن أيضاً لأن قبول مفهوم الإصلاح في الخطاب عموماً وممارسته في التخطيط وصناعة القرار تفتح أبواباً أخرى مهمة في مشروع «التغيير» الإيجابي المنتظر في دولة مهمة ينعكس حراكها، اقتصاديا كان أم سياسياً، على المشهد الإقليمي كله. فعلاً، فالتشكيل الوزاري الجديد في السعودية، خاصة في التعيينات الجديدة في وزارتي العدل والتربية والتعليم، يعد خطوة إصلاحية ضرورية للسعودية. والأصوات السعودية التي طالبت على مدى سنوات، خاصة من بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، بإصلاح أوضاع التعليم والقضاء في السعودية انطلقت من رؤية «وطنية» تدرك جيداً أن واقع التعليم في السعودية هو جزء من مشكلة فكرية كبرى جرجرت البلاد كلها في متاهات «أيديولوجية» أربكت التنمية في الداخل وأحرجت الوطن في الخارج . وعلى صعيد القضاء، لم تجادل الأصوات الإصلاحية السعودية في تطبيق أحكام الشريعة ولكنها ناشدت القيادة في تقنين وتطوير آلية إصدار وتطبيق الأحكام عبر قنوات «روتينية» جديدة تستخدم التقنية وتعجل بإنجاز المعاملات المتكدسة في المحاكم وأقسام وزارة العدل. وأن تعجل في إنجاز معاملات الناس فأنت تباشر في مشروع إصلاحي مهم لأجهزة الدولة والمواطن معاً. الخطوة الإصلاحية المهمة الجديدة في السعودية هي في تغيير الوجوه القيادية في وزارة التربية والتعليم. فالأسماء القيادية الجديدة في الوزارة تعطي انطباعا بأن نية إصلاح حال التعليم في السعودية جادة وأكيدة. فالوزير الجديد، الأمير فيصل بن عبد الله، يٌعرف عنه رؤيته المتقدمة حول إصلاح التعليم خاصة وأن خبرته في موقعه السابق، مساعداً لرئيس الاستخبارات السعودية، لابد أنها أعطته فرصة لإدراك معضلة التعليم في بلاده وعلاقتها بفكر المجتمع وحراكه. إنه رجل حاد الذكاء وقريب من الناس ومن أبعد المسؤولين عن «الرسميات» التي تصنع الحواجز بين المسؤول والمواطن. قابلته في جدة، قبل سنوات، من خلال صديق مشترك، وأعجبت فعلاً بثقافته وحرصه على تعلم الجديد خاصة في مجال التقنية. أما نائبه الأستاذ فيصل المعمر، فقد كان رئيساً لمكتبة الملك عبد العزيز ثم رئيساً لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني الذي أطلقه الملك عبد الله استجابة لحاجة البلاد لمنابر جديدة للحوار المباشر بين المدارس الفكرية المتنوعة في السعودية. لقد كانت الدعوة لإصلاح أوضاع التعليم موضوعاً أساساً في أغلب الحوارات التي تبناها مركز الحوار الوطني وفيصل المعمر، بقربه من دعاة الإصلاح في الوطن وعلاقته الوطيدة مع الملك عبد الله، يصبح من أكثر المؤهلين لفهم حاجة بلاده لإصلاح حقيقي، وليس شكليا، للمناهج وآلية التعليم ولتحسين «بيئة» التعليم عموماً من خلال المبنى المهيأ للتدريس وتدريب وتأهيل المعلمين ووضع الإصبع على مواطن الوجع في العملية التعليمية. وفي سابقة تحسب للملك عبد الله، عُينت نورة الفايز نائبة لوزير التربية والتعليم كأول سيدة سعودية تتولى منصباً بهذه الدرجة لكن الأهم في تعيينها في هذا الموقع أنها قادمة بتجربة مهنية وإدارية طويلة من خلال عملها في معهد الإدارة العامة الذي يعد من أكثر الأجهزة الحكومية في السعودية انفتاحا على التجارب الدولية العالمية ويعمل به فريق من نخبة الوطن من كل مناطق المملكة. فتعيين نورة الفايز في هذا الموقع المهم، في وزارة مهمة ، يعد بحد ذاته - خطوة إصلاحية ليس فقط لكونها أول امرأة تتولى هذا المنصب ولكن أيضاً لأن تجربتها السابقة وسمعتها تجعل منها من أكثر المؤهلين لهذا الموقع. التغيير دائماً مطلوب وهو ضروري للتنمية. وتجديد الوجوه القيادية في أجهزة الدولة ظاهرة صحية وخطوة تقود للأمام. والخوف من التجديد والإصلاح يزيد من تعقيدات مشاكل التنمية ويقود إلى «ركود» لا يخدم القيادة ولا الشعب. ولهذا جاء الاستقبال لقرارات الملك عبد الله في السعودية احتفائياً وكأن الحدث ترجمة عملية لوعود الإصلاح وبداية جادة لتغيير إيجابي في بلد مهم مثل السعودية. ولعلها فعلاً واحدة من خطوات «الإصلاح» المهمة التي يقودها رجل إصلاحي أثبت أنه ينتمي لصف القادة الكبار الذين لا يهابون التغيير ولا يتراجعون عن وعود الإصلاح. [c1]*كاتب ومستشار إعلامي[/c]