نبض القلم
يحتفل المسلمون في شتى بقاع المعمورة في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب بذكرى الإسراء والمعراج.في هذه الليلة المباركة أسري بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى بالقدس، في فلسطين، ثم عرج به إلى الملأ الأعلى لتكشف له الحجب، وليرى من آيات ربه الكبرى ما يرى.وليس في وسع من يؤمن بالله وكتبه ورسله إلا أن يستيقن وقوع هذين الحادثين، الإسراء والمعراج، فلقد قال الله تعالى: “سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير”.ففي هذه الآية إشارة واضحة إلى حادثة الإسراء، بينما أشار سبحانه وتعالى إلى المعراج في قوله تعالى: “والنجم إذا هوى* ما ضل صاحبكم وما غوى* وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى* علمه شديد القوى* ذو مرة فاستوى* وهو بالأفق الأعلى* ثم دنا فتدلى* فكان قاب قوسين أو أدنى* فأوحى إلى عبده ما أوحى* ما كذب الفؤاد ما رأى* أفتمارونه على ما يرى* ولقد رآه نزلة أخرى* عند سدرة المنتهى* عندها جنة المأوى* إذ يغشى السدرة ما يغشى* ما زاغ البصر وما طغى* لقد رأى من آيات ربه الكبرى”.وهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسراء والمعراج الذي رواه أنس بن مالك، وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:“أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض، طويل فوق الحمار، ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، فركبته حتى أتيت بيت المقدس، فربطته بالحلقة التي ربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت ركعتين، ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن، فأخذت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة، ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا، صلى الله عليهما وسلم، فرحبا بي، ودعوا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة، (فذكر مثل الأولى) ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن، فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة (فذكر مثله) فإذا أنا بإدريس عليه الصلاة والسلام، فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة (فذكر مثله) فإذا أنا بهارون فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، (فذكر مثله) فإذا أنا بموسى عليه الصلاة والسلام، فرحب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السابعة (فذكر مثله) فإذا أنا بإبراهيم، مسنداً ظهره إلى البيت المعمور، فذهب بي إلى سدرة المنتهى، وإذا أوراقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال، قال: فلما غشيها من أمر الله تعالى ما غشى تغيرت، فما أحد من خلق الله تعالى يستطيع أن ينعتها من حسنها. فأوحى الله إلي ما أوحى، ففرض خمسين صلاة في كل يوم وليلة. فنزلت إلى موسى، فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة. قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإني قد بلوت بني إسرائيل فخبرتهم. قال: فرجعت إلى ربي، قلت: يا رب خفف عن أمتي، فحط عني خمساً، فرجعت إلى موسى، فقلت: حط عني خمساً، قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك، فأرجع إلى ربك فاسأله التخفيف، قال: فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى، حتى قال: يا محمد، إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشراً، ومن هم بسيئة فلم يعملها، لم تكتب شيئاً، فإن عملها كتبت سيئة واحدة. قال: فنزلت حتى أنتهيت إلى موسى، فأخبرته فقال: أرجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه.لقد آمن المسلمون جميعاً بحادثي الإسراء والمعراج ولم يختلفوا في كنهه وجوهره، وإنما اختلفوا حول:- عدد مراته، هل مرة واحدة أو مرتين أو ثلاثاً أو أكثر.- واختلفوا في وقته، سنته وشهره واسبوعه وليلته.- واختلفوا في وصف البراق.- واختلفوا في وصف مصعد العروج إلى السماء.- واختلفوا في مكان اجتماع الرسول صلى الله عليه وسلم بالأنبياء السابقين. هل هو في السماء أم في الأرض، بعد العروج أو قبله.- كما اختلفوا في كيفية حدوث الإسراء والمعراج.- هل كان بالروح والجسد أم كان بالروح فقط؟وإزاء هذا الاختلاف من جهة الجسمية والروحية انقسموا ثلاثة أقسام:- فمنهم من قال بالرأي الأول، (الجسمية).- ومنهم من قال بالرأي الثاني (الروحية).-ومنهم من قال إن الإسراء والمعراج كانا بالجسد والروح معاً.وذلك هو القول الصحيح الذي أيده القرآن الكريم، وما يتسق مع تحديه صلى الله عليه وسلم للمكابرين الذين وجدوا في خبر الإسراء والمعراج فرصة لإظهار أحقادهم ونبش ضغائنهم.ولست أريد الخوض في الرد على من ينكرون حادثي الإسراء والمعراج زاعمين أن هذا لا يتسق مع نواميس الكون وقوانين الطبيعة، بل أقول إنها رحلة إلهية خارقة لقوانين الطبيعة، فهي من صنع العلي القدير الذي يقول للشيء كن فيكون، وهي نفحة قدسية اختص بها الله سبحانه عبداً من عباده ليكون حامل رسالته وموضع رعايته، وأمين سره على دعوته.[c1]* إمام وخطيب جامع الهاشمي (الشيخ عثمان).[/c]