نبض القلم
بعض الآباء في بلادنا - للأسف - يجهلون أساليب التربية الصحيحة فيخطئون في توجيه أبنائهم ، ويسيئون معاملتهم ، ويتسببون في انحرافهم من حيث أرادوا إصلاحهم. فهذا الأب مثلاً يصدر أوامره لابنه البالغ الراشد في صرامة لامرونة فيها ولاتسامح، وربما يشفع ذلك بألفاظ بذيئة ، وقد يدعم ذلك أيضاً بالضرب المبرح من غير رحمة ولاشفقة ، متناسياً قول الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم : (الزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم ، فإن أولادكم هدية لكم). وهذا الأب لا يزال متمسكاً بالعادات القديمة في التربية، فيربي أبنه بنفس الطريقة التي تربي عليها متجاهلاً قول الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم : (خلقوا أولادكم بغير أخلاقكم ، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم). وهذا الأب يريد إشباع حب السيطرة ، فيتلذذ بالتحكم في ابنه ، فيلزمه إتباع نظام وتقاليد خاصة لاتتفق وطبيعة الحياة المعاصرة التي يعيش فيها، أو لاتتماش مع السلوك الذي تتطلبه طبيعة مرحلة النمو التي يمر بها ابنه ، فتراه يعامل ابنه المراهق كما كان يعامله حينما كان طفلاً ، مع أن الرسول محمداً - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لاعب ولدك سبعاً ، وأدبه سبعاً ، وصاحبه سبعاً ، ثم هو عدو أو صديق). وهذا الأب يدفعه حرصه على نجاح ابنه في الدراسة فيرغمه على المذاكرة بصورة دائمة آناء الليل وأطراف النهار بصورة تملها النفس، ويمجها العقل، مع أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم يقول: (أن لنفسك عليك حقاً، ولبدنك عليك حقاً ولربك عليك حقاً ، فأعط كل ذي حق حقه).وهذا الأب يدفعه تدينه وتزمته المبالغ فيه إلى حرمان ابنه من الاستمتاع بأوقات فراغه، فيحرمه من اللعب ، واللهو المباح، ويحرم عليه ما أحل الله من الطيبات ، فإما أن يمنعه من ممارسة الألعاب الرياضية، أو يمنعه من الاشتراك في المخيمات الشبابية الصيفية، أو يحاصره فلا يسمح له باللقاء برفاقه ، أو يوقف نشاطه في إشباع هو اياته ، أو يحول دون تمكينه من تطوير مواهبه ،متجاهلاً قول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: (روحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة ، فإن القلوب إذا تعبت كلت، وإذا كلت صدأت). وهذا الأب يجمع بين القسوة والأنانية والفظاظة ، فلاهم له الا إشباع رغباته أو إرضاء شهواته ، أو مجاراة أهوائه، فتراه يغرس بذور الفتنة بين أبنائه، ويولد الحقد بين الإخوة ، ويفرق في المعاملة بين أبنائه ، فيفضل أحدهم على غيره، ويقربه إليه دون سواه ، ويوليه من العناية والرعاية والاهتمام أكثر من بقية إخوته ، وربما يوليه عليهم ، فيتولد عن ذلك كراهية الأبناء لأخيهم المدلل أو المقرب إلى أبيه ، ويقترن ذلك ببغضهم لأبيهم، فيشب الولد المدلل منبوذاً من إخوته ، ومكروهاً في بيئتة، ومفعماً بالمآسي والآلام، كل ذلك لأن أباه أخطأ في تربيته، وتجاهل التوجيه النبوي القائل: (اعدلوا بين أولادكم) وكررها ثلاثاً.وهذا الأب يقسو على أبنائه, فلا يعطف عليهم, ولا يهتم بهم, ولا يكترث بوجودهم, ولا يعنى بشؤونهم, ولا يرعى مصالحهم, فينشغل عنهم إما بأعماله الخاصة, أو بتخزين القات عند أصدقائه, فيهمل تربية أبنائه, غير مدرك أن العاطفة الفياضة في قلب الأب ضرورية لتحقيق السعادة في الأسرة, فالله تعالى يقول : “والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً” (الفرقان, 74).وهذا الأب ينبذ أحد أبنائه, فيسيء معاملته أمام إخوته ورفاقه, فيحرمه من الحب, ويظهر له الكراهية, فيشب الولد منبوذاً في الأسرة لا أمل له في الحياة, لأنه محروم من حنان الأبوة, فينشأ حاقداً على أبيه, وكارهاً لإخوته, فهذا الأب قد تجاهل التعليمات النبوية القائلة : “إن لبنيك الحق أن تعدل بينهم”.إن هذه النماذج الخاطئة في أساليب التربية هي التي تؤدي إلى انحراف بعض الشباب, وهي التي تدفع بعضهم إلى التمرد على الأسرة والتخلص من سلطة الأب, لأن الدنيا عبست في وجوههم, والحياة ضاقت أمامهم, فتولد في نفوسهم نوع من الصراع الداخلي الذي يشتد يوماً عن يوم, ويتحول مع الأيام إلى عناد مصحوب بالحقد والكراهية للأسرة والمجتمع, فإذا ما آنس الشباب في نفسه القوة والقدرة على التحرر من براثن الذل والظلم والخضوع لقيود الأسرة, هرب إلى الشارع, ولجأ إلى رفاق السوء آملاً أن يجد في رفقتهم الراحة النفسية أو السعادة التي ينشدها, فإذا به يجد نفسه قد وقع في مهاوي الفساد والرذيلة, وربما سقط في مستنقع الجريمة .[c1]إمام وخطيب جامع الهاشمي ( الشيخ عثمان )[/c]