لا اظن ان شاعراً من شعراء الاغنية في اليمن او في الجزيرة العربية حظي بإعجاب الخاصة والعامة مثل الشاعر الكبير حسين ابي بكر المحضار ولو قدر لاشعاره ان تنال حظها من عناية الادباء في البحث والتحليل لاطلع الناس على مالم يألفوه من الكنوز والاسرار البلاغية والبيانية مع دقة وعمق معانيها وبعد مراميها وغاياتها او ان نالت تلك الاشعار حظها من عناية النشر والترجمة لمختلف اللغات والاقطار لكان حسين المحضار في مقدمة المشاهير الذين يلهج الناس بذكرهم في الشرق والغرب ولأذهلتهم عبقريته الفذة وسلب البابهم سحر موهبته وقدرته الفنية في مجالي الشعر والالحان على حد سواء . ولا اعتقد ان شاعراً من شعراء العشق والغزل ممن شاع ذكرهم في الوطن العربي لاجيال مضت في مجال الغناء حمل في طيات رسالته الشعرية وعطائه الادبي الهاجس الوطني فاقترن بكل تفاعلاته العاطفية اشد ما يكون الاقتران والتلازم كما فعل ذلك حسين المحضار حتى ان السامع ليحتار اهو امام رسالة عشق وغزل ام امام طرق قضية سياسية واجتماعية !!! كل ذلك بسلاسة لفظية وتعبير بلاغي بلغ درجة الاعجاز مبتكراً شتى فنون البديع البياني مع رقي اللفظ وسمو الغايات والقيم والمثل مصحوبة برقة وعاطفة مرهفة في التعبير عن خلجات النفس حتى لتكاد ان تسمع نبضات قلبه او ترى اشراقة وجهه ومختلف انعكاسات المشاعر تكاد تتجسد من خلال ابياته الشعرية بل ينقلها للمستمع فتسرى في وجدانه بتساوي في ذلك الاحساس الخاص والعام ومختلف الاعمار ذكوراً واناثاً . حسين المحضار والوحدة اليمنية لعل شهرة حسين المحضار في مجال الشعر الغنائي والعشق والغزل طغت على جميع جوانب شخصية الشاعر حتى يتصور الكثيرون ان الباعث الاهم في نتاجه الادبي الرائع كان الفن والحب والجمال ولا شك ان الدهشة ستعتري الكثيرين عندما يجدون ان الهم الوطني والتوجه الفكري والرسالة الاجتماعية التي حملها حسين المحضار كانت وراء معظم انتاجه الفني ولا شك ان الجوانب الفكرية والسياسية تكاد تكون مجهولة للكثيرين وسأحاول في هذه القراءة مستعيناً بنصوصه الشعرية والذكريات الشخصية التي وفرت لي التعرف عن قرب على الكثير من رؤاه الفكرية وطبيعته الاجتماعية وتوجهاته السياسية والوطنية - سأحاول من خلال كل ذلك استبيان موقع الوحدة اليمنية في اشعار حسين المحضار لا كهدف فكري وسياسي عام ولكن كحدث وطني وسياسي في الثاني والعشرين من مايو 1990م . لقد كان لحدث الوحدة في 22 مايو الاثر العميق الذي هز وجدان حسين المحضار فتفاعل معه اشد ما يكون التفاعل اذ انه اتى منسجماً مع رسالته الوطنية ورؤاه السياسية وثوابته الوطنية في حياته منذ نشأته الثقافية فقدم للوحدة اليمنية من نتاجه الشعري كما لم يقدمه لاي حدث وطني آخر طوال مسيرته الفنية على مختلف المنعطفات الوطنية التي عاصرها في حياته على الاطلاق ولا نبالغ اذا اعتبرنا الشاعر حسين المحضار هو الشاعر الوحدوي الاول في عموم الوطن اليمني ولست القي القول على عواهنه بل لنستمع الى حسين المحضار وهو يقول : وحده وبالوحده لنا النصر مضمون مايو وفي الثاني وعشرين منهياشعبنا حققت اغلى الامانيوبنيت فوق الجنتين الفين جنهوجنيت بالوحدة من احلى المجانيياشعبنا بانزف لك التهاني لانك تريد العز ما تقبل الهونوحدة وبالوحدة لنا النصر مضمون حافظ على الوحدة بيسره ويمنه ياشعبنا الشعب العظيم اليماني وابني صروح المجد لبنه بلبنه ما يستقيم المجد الا لباني واحذر من اقوال الحسد والشواني كثير لي يحسدونك ويشنون وحده وبالوحدة لنا النصر مضمون لعل ذلك النص البديع ولحنه الرائع من مفردات ترجمة صادقة لمشاعر حسين المحضار الفياضة تجاه حدث 22 مايو وهو واحد من ابرز نصوص المحضار واقواها على الاطلاق في التعبير عن أي حدث سياسي اخر طوال حياته وتفاعلاته الوطنية في جميع المواقف والاحداث الكبرى في حياة الشعب اليمني التي عاصرها الشاعر حسين المحضار . ثم لنتأمل الابيات الغنائية : وهي قصيدة غنائية لا تقل روعة في التعبير عن اقصى مشاعر حسين المحضار تجاه الوحدة اليمنية اذ انه بالرغم مما اشتهر به من قدرته الباهرة على تطويع الالفاظ فتنقاد اليه بسلاسه معجزة الا انه صرح بعجزه عن وصف مشاعر الفخر بقوله - ما عاد فوقه فخر ما بعده ولجأ الى الاستشهاد بالدهر الذي سلم ومد يده اعترافاً وانبهاراً بحدث الوحده وليس بعد شهادة الدهر شهادة يعتد بها لافراد . ولنركز على نصوص المناسبات التي عادة ما يكون فيها التعبير صريحاً بعيداً عن الرمزية التي تغلب على الشعر الغنائي الذي يتطلب في كثير من الاحيان الى قدر من التأمل ومستوى من المعرفة فينبري ذو بحاجة في التشكيك بهذا الغرض الشعري او ذاك وتلك النصوص هي فصل القول في التعبير عن وجهة نظر الشاعر . لنستمع اليه في هذا النص الحاسم وهو يقسم بالله مستعيناً به ومستعيناً بالوحدة وبالقائد وبالقانون في القضاء على ما تبقى من مخلفات التشطير وامراضه بمناسبة اعياد الثورة 1995م : بالله وبالوحدة وبالقائد وبالقانون بانطرد اهل الضر بانقضي على الطاعون لي هو بطى فينا وفي اجسامنا ينخر عادت لنا اعياد سبتمبر واكتوبر ها قد توحدنا واصبح نصرنا مضمون ولعاد با نسمع كلام الناس لي يهدون لي هم بغوا البنيان لي نبنيه يتكسر عادت لنا اعياد سبتمبر واكتوبر - يهدون أي يهجرون بالقول وهي كلمة يستخدمها اهل سيئون الوادي لسنا بحاجة الى شرح ذلك النص وانفعالات حسين المحضار في تلك الابيات حتى لنكاد ان نستبين ملامح وجهه من خلال تعابيرها الهادرة في تأكيد تعلقه الشديد بالوحدة اليمنية بقدر ما يستوجب ان نشير للقارئ بملاحظة مفردات التوبيخ المقذعه التي يكيلها بغضب بالغ لدعاة الانفصال وتوعداته لهم بالهزيمة وذلك من خلال مفردات بانطرد اهل الضر بانقضي على الطاعون مقسماً بالله في ذلك الوعد . تم يردف القول ساخراً من احلام دعاة الانفصال : مجنون لي يقول بانفترق مجنون وايش بايفك الربط لي رابطه رب الكون نحن خوة من قبل نجم السنبلة يظهر عادت لنا افراح سبتمبر واكتوبر ولقد احتوى هذا الشطر مفرده من اجمل شواهد الاعجاز البياني والبلاغي التي تميز بها حسين المحضار والتي يعجز عنها بلغاء الادب اذ لاتصدر الا عن موهبة فذه حباها المولى عز وجل قدرة الهام خارقة نستعرضها بايجاز في سياق شواهد الوحدة اليمنية في اشعاره وتلك المفردة هي الاشارة الى نجم السنبلة ووجه الاعجاز البلاغي ان شهري سبتمبر واكتوبر يقترن دخولهما في التقويم الميلادي بدخول نجم السنبلة عند علماء الفلك وكان المحضار يقول : نحن اخوة قبل ثورتي سبتمبر واكتوبر كما يؤكد ان الوحدة قدر الهي وكوني في علم الله باللوح المحفوظ ألا ترى معي ان هذه المعاني الجزيلة والبليغة تندر ان نجدها عند غير المحضار في شعراء العربية عموماً وها هو في مناسبة اخرى يعبر عن العهد التشطيري باقصى ما يحمله تعبير " العهد الجاهلي " من معنى ويدعو دعاة الانفصال الى التوبة والقبول برسالة السماء !! نحن مع الوحدة بارواحنا هي والقلوب وان عاد حد ما تاب قل له احمد المولى وتوب الى متى بالتفرقة بانحمل انفسنا ذنوب كل من بغى الاسلام ما يبغى الزمان الجاهلي ان تعبير الزمان الجاهلي كناية عن عهود التشطير يشير الى قدرة المحضار البلاغية الفذة في اختزال المعاني مصرحاً بموقفه الحاسم من الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م ويعتبر الارتداد عنها ارتداداً في العقيدة وكفر برسالة السماء. والمحضار باقتدار معجز لا يستخدم الكنايات والتشبيهات السمحة او المجردة عن العلاقة بالموضوع او التشبيهات الخيالية بل يوردها بقدرة مدهشة بصورة تحمل من فن المغالطات المعنوية كما يسميه اهل الادب والبلاغة بحيث تحمل الكناية او المفردة اكثر من معنى ولكن كلها لا تخرج عن حقيقة الموصوف في المعنى الظاهر او المعنى الخفي . اليس تعبيره كل من بغى الاسلام ما يبغى الزمان الجاهلي حقيقة موضوعية ؟ وهو المعنى الظاهر . اما في المعاني والدلالات الخفية للنص أتراه تعدى جانب الحقيقة ؟ اليست عهود التشطير وما عانى فيها الشعب اليمني من الحروب الاهلية استمراراً لحرب داحس والغبراء في الجاهلية ؟ اليست الفرقة والتشردم مخالف للتوجيه القرآني واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا .. ؟ فلا تكاد تجد في مبالغات حسين المحضار أي خروج عن حقيقة الموصوف فهو ديدنه الصدق حتى في مبالغاته !! ولا نكاد نجد حدثاً وطنياً سيطر على احاسيس حسين المحضار كحدث الوحدة اليمنية فملأت مشاعره واصبحت تهيمن على اشعاره في مختلف المناسبات بل يختلق الفرصه لاظهار مشاعره للوحدة . استمع اليه في احدى مناسبات الذكرى السنوية لوفاة الفنان محمد جمعة خان وهي المناسبة الـ 32 على وفاته والتي اقيمت عام 1995م ولنتأمل براعته لاظهار هاجسه الوحدوي عندما تمنى ان لو كان العمر قد امتد بالفنان محمد جمعه اما لماذا فها هو يجيبنا : كانت لنا تمناه نسمع منه للوحدة نغم حتى يجاري الحارثي والانسي فيما نظم لكن رب العرش له من فوق عرشه قد حكم ان يستمر فنه ومن جسمه الاماكن تختلي ولا ينسى ان يؤكد شكره لقائد الوحدة ورمزها الملهم فخامة الرئيس علي عبدالله صالح بقوله : واللي تبنوا هذه الذكرى لهم منا السلام واخص بالذكر المحافظ لي تكفل بالمهام اشكره واشكر كل من ساهم وشارك باحترام واشكر حكومة وحدتي ورئيسنا الملهم علي فانظر الى تعلقه بالوحدة في عبارة " حكومة وحدتي " !!!حسين محمد طالب
|
ثقافة
حسين المحضار .. الشاعر الوحدوي 1-2
أخبار متعلقة