من بهاء صنعاء.. وتجليات عبقها.. في عام تتويجها عاصمةً للثقافة العربية.. جاء هذا الاحتفاء بمجد الكلمة.. وجلال أدوارها في بدء الوعي الإنساني كانت الكلمة.. وعلى رأس فعاليات هذا العام الإستثنائي جاءت هذه الاصدارات.. حدثاً يتوج صنعاء فضاءاً شاسعاً للثقافة والتاريخ والجمال والخصوصية.ومن ضمن هذه الإصدارات الكثيرة والرائعة..يسعدنا كثيراً في الإختيار والتقديم لهذا الإصدار وهو بعنوان "محمد جمعة خان الأغنية الحضرمية الخالدة".حيث كانت المقدمة للكتاب بقلم د/عبدالله حسين محمد البار رئيس اتحاد الكتاب والأدباء اليمنيين. لم يكن هذا الكتاب الأول ولن يكون الأخير عن الاغنية الحضرمية الخالدة".. الفنان العبقري ذي الصوت الرخيم الشجي والإبداع المبهر (محمد جمعة خان) ،وماذلك إلا لأن محمد جمعة خان ، كان متنا عظيماً في تاريخ الغناء الحضرمي ،وأما سواه من المغنيين "فحواش" على ذلك المتن أتراه لهذا جاء عنوان الكتاب:[c1](محمد جمعة خان الأغنية الحضرمية الخالدة)[/c]فهو مبتدأ خبره ماتلاه وهذه لمحة ذكية من لمحات كثيرة يتميز بها المؤلف لذا الكتاب "عزيز الثعالبي" الصحافي القدير ،والدواقة المتميز الإحساس بالغناء لحناً..وكلمة..واداء .ولقد جمع عزيز في كتابه هذا أخبار الفنان محمد جمعة خان ،ووقائع حياته..وما اتصل بها من اخبار ووقائع مدينة المكلا خاصة ،ومناطق أشتات من حضرموت ،وعرض لشخصيات كان لها ادوار في حركة الغناء والطرب وخص منها من عناصر الفنان محمد جمعة خان واتصل به على أي نحو من انحاء الاتصال. ولم يقف عند ذلك فحرص على حصر أشعار الأغاني التي صدح بها هذا الفنان رحمه الله. أكان شاعر الأغنية يمنياً من حضرموت أو من شعراء العربية على إمتداد تاريخها قديماً وحديثاً.وبلغ الحرص بعزيز حداً قصياً فألزم نفسه بالترجمه لاولئك الشعراء والتعريف بهم قدر المستطاع ،وكل ذلك لم يسبق إليه من كتبوا عن محمد جمعة من الكتّاب ،وأختص به عزيز بتأليف هذا الكتاب.وللجمع وظيفته في كل عملية تأليفية ،وتلك من البداءة التي لاتخفى على كل مؤلف ،ومن هنا لاتعد خصيصة في ذاتها ،لكن الأهم في هذا المقام هو طبيعة المادة المجموعة لهذا المؤلف أوذاك ،وطريقة عرضها في هذا الكتاب أوذاك..وهذان الأمران يتصلان بشخصية المؤلف اتصالاً عميقاً..وبثقافته ،وغايته من التأليف ،وأساليبه في الكتابة.ومن عرف "عزيزاً"الصحافي ،سيدرك حين يقرأ الكتاب أثر "العمل الصحافي" على تأليفه جمعاً..وعرضاً.وليس في هذا مايعيب ،فكل ميسّر لما خلق له ،ولن نحظى من الوردة الاّ بأريجها..ولن نجني من النخلة الاّرطبها..وفي كل خير.وكتاب عزيز هذا ،اضافة الى تاريخ الغناء من حيث هو يتناول شخصية عظيمة مثل محمد جمعة ،وسيجد فيه قراؤه متعة لاتنقص من المعلومات التي يعرضها ،والتي ستضيف الى معلومات الآخرين شيئاً ما..يختلف مداه وعمقه باختلاف ثقافة القراء وسعة دائرتهم المعرفية.على أن ماأود الاشارة إليه ههنا ـ وهو مما أوحي به إلى هذا الكتاب ،ولعله يوحي الى الآخرين بما هو أعظم وأعمق ـ هو أن في حضرموت شخصيات كثيرة متنوعة المشارب والاتجاهات ،تبحث عن مؤلفين ،أفلم يئن للقادرين على البحث والكتابة والتأليف أن يسعوا الى ذلك الأمر وينشطوا له؟!تلك دعوتي لهم وأما دعوتي لك – حبيبي القارئ – أن تقرأ هذه الصفحات التي أشتمل عليها هذا الكتاب بحب وأحسبك واحداً فيها ثمرات حلوة مشتهاة أراك تستحقها لأنك لما تزل تجد في الفنان محمد جمعة خان " الأغنية الحضرمية الخالدة" .. وكفى.كانت تلك المقدمة والكتاب بقلم د. عبدالله حسين محمد البار رئيس إتحاد الكتاب والادباء اليمنيين .هناك اسماء جاءت لتبق طويلاً .. طويلاً وتصبح بمكانتها ومكانها في ذاكرة الاجيال توقظ الحنين الى الزمن الجميل ويظل التاريخ يشهد على قدرتها على الاصالة والابداع وإثراء الحياة.وحين أشرقت على حضرموت شمس القرن العشرين كان مطربها الاول سلطان بن الشيخ علي بن هرهرة (من مدينة الشحر) يودع الحياة في مدينة ممباي / الهند عام 1903م ليبصر النور في نفس العام في وادي دوعن من أمسك من بعد سلطان بناصية النغمة الشجية وتطيع ريشة عزفه على العود .. وكسر على مدى نصف قرن جمود الاغنية في حضرموت .إنه المطرب محمد جمعة خان الذي سكن بفنه الوجدان والعقول .. والقلوب وترك لنا "صندوقاً من الذكريات" يفتح وقت الاحتياج لفن صادق صعب العثور عليه الآن .إنه الفنان الذي تسيد في عصره غناء قصائد تميزت بالشهامة والشموخ في معانيها وكان له الحضور المتميز في الاغاني الشعبية المستمدة ألحانها من الموروث الشعبي.وهذا الحضور شكل جيل " السميعة " للكلمة المغناة الراقية في مدينة المكلا على وجه الخصوص وكانت البساطة بحذافيرها هي لغة الحياة التي عاشها تمتع خلالها بلياقة نفسية وذهنية وفي كتاب الاغنية اليمنية يحتل فصلاً بأكمله فقد وضع أحلامه وعقله في خدمتها .غنى عن جروح الروح التي تبقى خضراء تنزف دماً .. أما جروح الجسد يتولى علاجها الاطباء .. وغنى :حاموا على جبر القلوب فإنها [c1] *** [/c]مثل الزجاجة كسرها .. لا يجبر [c1]محمد جمعة خان .. في فيلم سينمائي[/c]كثيرون لا يعرفون أن الفنان محمد جمعة خان قد غنى في فيلم سينمائي يعتبر الوثيقة التسجيلية الوحيدة لهذا الفنان " صوت وصورة" كان ذلك في نهاية الاربعينيات بداية خمسينات القرن العشرين عندما راودت السلطان صالح بن غالب القعيطي فكرة تصوير فيلم سينمائي يعالج قضية اجتماعية أستوحاها من إعجابه بفرقة التمثيل للمدرسة الغربية الابتدائية التي كان مقرها في المبنى الحالي لمستشفى الامومة والطفولة في مدينة المكلا وكان مدير المدرسة يومذاك الشيخ سعيد محفوظ مهيري وكانت المدرسة تقدم كل شهر تمثيلية ضمن نشاطها اللاصفي:فأستدعاه السلطان صالح الى قصره وطرح فكرة تصوير فيلم سينمائي يعالج في قصته .. موضوع زواج رجل متقدم في السن من فتاة شابة وأن يتقمص أدوارها تلاميذ المدرسة لكن الشيخ سعيد مهيري أوضح للسطان أن موضوع الفيلم أكثر من مدارك التلاميذ وأقترح عليه الاستفادة من أعضاء فرقة المعلمين التي كان يرأسها حينئذ الاستاذ محمد عوض باوزير مدير المدرسة الشرقية "مقرها كان يطل على ميناء المكلا القديم في حي البلاد – المكلا" وهو من مواليد مدينة غيل باوزير عام 1922م واستقال من عمله في الادارة المدرسية عام 1954 وأختار الاقامة والعمل في مدينة عدن بأحد المكاتب التجارية .القاص والاديب عبدالله سالم باوزير وافته المنية في عدن يوم الخميس عوض باوزير يعتبر أحد الشعراء المعاصرين اشترك مع شقيقه الاستاذ أحمد عوض باوزير في تأليف قصة الفيلم وتوزيع الادوار على الممثلين المختارين وتقمص دور " الرجل الشايب" الشيخ سعيد محفوظ مهيري ودور الفتاة المرحوم " حسن عاطف".وانتقلت فرقة التمثيل على سيارة " شحن" الى القصر.. وقابلت السلطان وسجل الادوار على شريط أو عدة خصيصاً ثم ألتقط المناظر الخارجية في مناطق زراعية مثل : منطقة الحرشيات " شرق المكلا" ومنطقة "فوه" غرب المكلا .. جعل عنوان الفيلم " عبث المشيب" وقام السلطان نفسه بالاخراج .الفنان محمد جمعة مع أخيه الفنان أحمد جمعة أشتركا في الفيلم بإحياء سهرة في منطقة الحرشيات غنى محمد جمعة في السهرة وهو يعزف على آلة العود بينما غنى أحمد جمعة على آلته الموسيقية المفضلة " الهارموني " وكان التسجيل الصوتي للأغاني يتم في القصر والتصوير السينمائي للسهرة على الطبيعة ويقوم السلطان بعد ذلك بالدبلجة وإرسال " المادة الخام للفيلم" الى الخارج للتحميض .الدعوة لمشاهدة العرض الاول لكبار الشخصيات الرسمية والاجتماعية في المكلا والعرض الثاني في ساحة القصر للمواطنين .ثم فيلم " العلم نور"ونجاح تجربة فيلم " عبث المشيب" شجعت السلطان صالح على تصوير فيلم آخر بنعوان " العلم نور" ألتقطت مناظره الخارجية في منطقة " الصالحية" في مدينة غيل باوزير .. وتكاد تكون أول تجربة سينمائية تفردت بها حضرموت في وقت مبكر على صعيد الوطن اليمني والجزيرة والخليج .[c1]مشروع فيلم بالألوان [/c]وكان للسلطان صالح بن غالب القعيطي مشروع إنتاج " فيلم بالالوان" عهد الى الاديب الراحل حسين عمر شيخان كتابة قصته لكن قصر العمر بالسلطان وتوارى المشروع وتوارث معه الاهتمامات بالانتاج السينمائي في القصر.[c1]السؤال الحائر[/c]وبعد وزال السلطنة القعيطية عام 1967م أختفت تلك الافلام من القصر ولا يدري أحد عن مكان وجودها وبذلك تكون الاغنية الحضرمية قد افتقدت وثيقة تسجيلية " صوت وصورة" لرائدها الفنان محمد جمعة خان والسؤال الحائر : من يبادر بالبحث عن تلك الوثيقة لتجربة سينمائية مبكرة في حضرموت لتدخل خزانة تاريخ السينما في الوطن العربي ؟ من يبادر ؟[c1]غنى لقضايا وطنية وعربية [/c].. تحية لزعيم الامة العربية .. عندما سطع نجم الزعيم العربي جمال عبدالناصر بعد ثورة 23 يوليه المصرية عام 1952م وانتصاره المدوي في حرب السويس عام 1956م غنى محمد جمعة خان يمجد هذا الانتصار ويحيي زعيم الامة العربية "ناصر".الأغنية كتبها الشاعر حسين محمد البار مطلعها :تحيا العروبة ياجمال [c1] *** [/c]رمز البطولة والنضال يامصر ياوطن القنال[c1] *** [/c] يامهد أحرار الرجال [c1]صنعاء اليمن :[/c]ومن شعر المؤرخ الاديب سعيد باوزير ولحن ناصر أحمد الحبشي غنى الفنان محمد جمعة خان في حفل ساهر أشترك فيه عدد من الطربين أغنية وطنية تحمل دعوة الى تأكيد وحدة الوطن اليمني .. مطلعها :من حضرموت الى عدن [c1] *** [/c]وطني الى صنعاء اليمن ومن الخليج الى المحيط [c1] *** [/c] من حضرموت الى عدن هناك محطات في حياة الفنان محمد جمعة خان يتحدث عنها هذا الكتاب .. محطات مشتعلة بالبؤس وبالفن الجميل .. تضيء مصابيح الفن للحياة .. بعد أن تم البحث عنها في كل إتجاه وكيف استمر فيها بعصامية خلاقة .. وأصبح أمير الاغنية العوادية دون منافس .. وظل مكانه شاغراً حتى اليوم .. وأخيراً لا يمكن الكتابة عن الاغنية في حضرموت بغير الكتابة عن الفنان محمد جمعة خان رحمه الله .
|
ثقافة
محمد جمعة خان الأغنية الحضرمية الخالدة
أخبار متعلقة