في نبوءة "باذيب" : الوحدة و"الانتهازيون" الجدد
أحسن الأستاذ القدير أحمد الحبيشي صنعاً، وهو يفرد مساحة كبيرة في أخيرة "14 أكتوبر" أمس الثلاثاء لمقالة تاريخية عميقة للأستاذ الكبير والمناضل الوطني والوحدوي عبدالله باذيب تعود إلى العام 1959م، والحق أنّ الرجلين – باذيب والحبيشي – اشتركا في التقدير لواحدة من أهم القضايا والتحديات التي كانت – ولا تزال تأتي في مقدمة أولويات النضال الوطني، في اليمن، وعلى مركزية محورها تدور مجمل اهتمامات وقضايا واستحقاقات النضال والحركة الوطنية والسياسية والفكرية في اليمن الواحد.وإذا كانت مقالة الأستاذ – باذيب – قبل حوالي خمسة عقود من الآن، تتصدى للمنافحة عن الوحدة اليمنية أو "اليمن الأم" بتعبيره البليغ وبحسب اعتمالات واستقطابات المرحلة تلك في ظل وجود المستعمر البريطاني على جزءٍ غالٍ من الوطن وسعيه الحثيث لطمس يمنية عدن ومناطق الجنوب اليمني، وإلحاقها بالكومنولث البريطاني، وأيضاً في ظل وجود جماعة من الانتهازيين و"الانفصاليين" – هكذا وصفهم باذيب – تتحالف مصالحهم وأطماعهم في الحكم والسلطة ولو بالتبعية للمستعمر وتحت يده وسلطته المباشرة، مع أطماع وسياسات الاستعمار.. وبالتالي انخرط هؤلاء في حركة انهزامية تسعى جاهدة لتعطيل فاعلية النضال الوطني، بالترويح لإشاعات مفضوحة تتلاقى مع المستعمر في أهدافه النهائية إلى تعميق حالة الانفصال الذي صنعه بين الشمال والجنوب. وتكريس التبعية له بالاستفادة من طابور "الحاقدين والانفصاليين والانتهازيين" الذين وصفهم باذيب وقال : "إنّ هذا الطابور يشتعل منذ زمن بعيد ويشتعل الآن أكثر فأكثر حقداً وعداءً للوحدة اليمنية والحكومة اليمنية.إذا كان الأمر هو ما سبق ونوهنا به، فإنّ الدور نفسه الذي تصدى له الأستاذ باذيب قبل نصف قرن من الزمان، يتضح أنّه لا يزال مطلوباً الآن وصادقاً بالمرة، بالمراعاة أو بالنظر إلى ما يعتمل في واقع المرحلة الراهنة من حراكٍ ومظاهر متطابقة مع تلك التي قدمها أنموذج "الأصنج" وسواه في منتصف القرن الماضي.لا يزال "الأصنج" هو هو.. ومهمته ذاتها لم تتغير حتى اليوم، ولا يزال آخرون إلى جواره وفي "الخارج" يمارسون الدور نفسه الذي مارسه رفاق الأصنج في تلك الفترة، فإذاً.. لا تزال مهمة باذيب قائمة ولغته عاملة بالمقدار والقوة والموضوعية نفسها.حقاً : ما أشبه الليلة بالبارحة يا عبدالله، ويجدر بي أن أُشيد بتقدير الأستاذ الحبيشي وإعادة نشر المقالة الآن، ويكاد يتقاسم الرجلان هذه الفائدة، الأول في الكتابة، والثاني في النشر، ويكاد، أيضاً، تشابه الظروف والقضية محل التناولة أو النقاش، يستعيد حالة مسافرة في الزمن، أو هو يختصر المسافات ويكثف الدلالة العميقة في أنّ التاريخ وإن كان لا يعيد نفسه، إلا أنّه بالمثل لا ينسلخ عنها ولا يستبعد كثيراً بل يظل حاضراً في تفاصيل الأزمنة والأمكنة.[c1]وما أشبه الليلة بالبارحة يا عبدالله :[/c]الانتهازيون والانفصاليون يعاودون الكرَّة اليوم، يسعون في الخارج ولدى الحكومات كما وصفتهم يومئذٍ، يتنكرون لليمن الأم الواحد، يعادون الوحدة، يجهدون أنفسهم في إجهادنا، يحاولون إعادة العجلة إلى الوراء.. إلى الشطرية والتجزئة والانفصال.اللغة والحجج نفسها التي ذكرتها عن أولئك، هي هي لدى هؤلاء: "ضم، إلحاق"، "تخلف الشمال، تقدم الجنوب"، "استقلال الجنوب"، "الاستعمار، الاحتلال" وسواها من مزاعم الدجل والافتراء والمتاجرة بقضية الشعب ووحدة اليمن الام.اليوم يحضر باذيب بقوة وكفاءة وعبقرية ،:ان الخوف الذي يبدية الانتهازيون الآن من الوحدة اليمنية إنّما هو خوف مصطنع يفضح نواياهم الانفصالية".هكذا تتشابه الأدوار وتتباعد الأزمنة "إنّ من يقف ضد الوحدة اليمنية إنّما يسير في اتجاه الاستعمار ويلتقي مع أهدافه وخطوطه السياسية في الجنوب".يوجزها باذيب : "إنّ الضمان الوحيد لإنجاز أهدافنا الوطنية في التحرر الوطني الكامل والوحدة هو ربط قضيتنا الوطنية باليمن الأم".على أصحاب المشاريع الانتهازية أن لا يطمعون في غير مطمع لن يمروا، على كل حال، كان اليمن ويبقى واحداً موحداً لا سبيل إلى تكسير حقائق التاريخ وإعادة تخليق جغرافيا جديدة يمن.. يمن واحد لا يمنان.في جميع ما ذكره وأورده باذيب في مقالته الآنفة الذكر، سجل الرجل نبوءة عبقرية.. وكأنّما هو يتحدث عن اليوم لا عن مرحلة مضى عليها نصف قرن من الزمان : "خمسون عاماً "والذئاب" هي "الذئاب" مع اختلاف اللون والأسماء".مع الاعتذار للشاعر أحمد مطر