قصة قصيرة
وهل يأتي الخير من وجه الغراب !! ·نطقها الرجل غاضباً وكور اصابع يده اليمني في قبضة مشدودة ووجه لكمه إلى الرجل ذي البدلة ( السمو كنج ) الزرقاء والواقف قبالته معصور الكتف وأردف قائلاً منذ أن جئت الينا مطروداً وانت تثير المشكلات والمعارك وأجواء الكراهية والبغضاء بين زملاء العمل وكأني بك دون كثوت اليماني يصارع طواحين الهواء . ·وقال آخر : يا اخي تحملنا امراضك وعقدك وعنترياتك الفارغة .. الا يمكنك أن تكون على رأي واحد ووجه واحد فتصدق وتلقى بالأقنعة والاكاذيب خلف ظهرك ؟· وأعقبه أخر : الا يمكن أن تكون محترماً وترباً بنفسك عن ايذاء زملاءك وطعنهم من الخلف والكيد لهم لدى رؤسائهم ؟ فأنت ما شاء الله في نعمة فارعها وكفى تهريجاً !! ·وتحرك أخر باتجاه الرجل الواقف المتفاجئ من كيل الاتهامات وصاح بأعلى صوته : لست وحدك صاحب الصوت الجمهوري المرتفع . . ياصديقي انتهى عصر الزعامات فأرضى بما أنت فيه وكف عنا أذاك ولتعلم انك مشـــــروع فاشل منذ أن كنـــت هناك والآن هــــنا ، فهذا الغرور والتعالي لا معنى له فلست أفضل من الآخـــرين . ـ·استمر رجل ( السموكنج ) على ذهوله ما سمع متسمراً في مكانه .. كان قصيراً مثل الجمل القصيرة الصاخبة التي يطلقها عادة كالسهام في وجوه الناس ، وكان واقفاً حين مر الآخرون من أمامه يربتون على شعره وكتفه ويهمون بالمغادرة تنتابهم مشاعر اليقين من أن الرجل برغم كل هذه الانتقادات الساخنة لسلوكه لن يتعلم ولن يتعظ ، وسيعود مرة أخرى إلى عاداته المؤذية وإلى تقمص دور المهرج الذي حفظه عن ظهر قلب لا شعورياً منذ أن شب عن الطوق وصار رجلاً يشار إليه بالبنان وماهي الا لحظات حتى دخل جسمه الضئيل وقامته المضغوطة في تلك الملابس الملونة الفضفاضة ووضع القناع وعلبه الأنف العاجي الأحمر والآذان المعقوفة على وجهة متنططاً على رأسه وقضاه ملاحقاً جمعاً من الأطفال مخلفاً وراءه الآلام والقلق . ترك ( المهرج ) مقعدة وغادر المجلس متجهاً نحو سيارته الفارهة تسابقه بعض العيون القلقة من تلك الكلمات الجارحة التي أطلقها لاعنا هؤلاء الذين يكرهونه وينكرون عليه مواهبة وقدراته في تعبئة الناس من حوله وتجييش التنابلة واليائسين وبراعته في التدخل في ربع الساعة الأخير للعب دور البطل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه وزرع قنابل الخوف والألم تمهيداً لاقصاء الخصوم وتغيير الملامح والوجوه وفقاً لمقتضى الحال .. فلماذا يستكثرون عليه ان يكون مميزاً ؟ وان يقول لهم أنه قائدهم ورجلهم المفضل ؟ وانه قريباً سيكون ملء السمع والبصر فيرتفع عالياً ويحقق لكل واحد من أعوانه حلمه الوردي بعد أن يلبسهم الأقنعة والأغطية وخودات التهريج ويتبادلوا الوجوه والأدوار ويطلقون الضحكات والحركات البهلوانية على المسرح ، تلك هي الهدايا التي ينجئها لهم كلما تكاثروا من حوله ، المهم أن يكون هو الأعلى وهو الزعيم وعنوان الجميع ، ولايهم كيف يكون ذلك ولو بلعق الأحذية وتقبيل الأيادي ، ذلك ديدنة يبيع كل شيء ويحظم أي شيء وكل شيء ولايهم بعد ذلك من بقى ومن لم يبق .. ومن غرق في شبر من الأحلام ومن نام ولم يفق ، وبينما كان يحدث نفسه على هذا النحو شعر بيد قوية تأخذه من ديلوج روحه المنهارة وتلقى به على قارعة الطريق .. كان نائماً وافاق على أصوات الاطفال وهم يضحكون في وجهه فكشر في وجوهم ودلف إلى المنزل وهو يتصبب عرقاً بينما كانت نسائم هواء جدلي تحرك شعر رأسه بنعومة وتغلق الباب من خلفه بقوة فيتعثر في دخوله . ويدرك عندها أن اللعبة لم تنته على خير وأن أوراقة القديمة والجديدة قد انكشفت وبات الحساب قريباً وأنه ما كان عليه أن يكون مهرجاً على هذا النحو .