صباح الخير
يتبادر إلى ذهني وأنا أفكر في مفهوم (الوطن) صورة أسرة هانئة، سعيدة، متحابة، متعاونة، متكاتفة، أفرادها متفاهمون نشيطون، كل واحد منهم يعرف واجبه ويقوم به، ويعرف حقوقه فيطالب بها ويتسامح بها أحياناً. وأتساءل هنا: هل تستقيم الحياة في بيت لا يشترك الجميع في تحمل مسؤولياته، ولا يتعاونون على تنظيفه، وترتيبه، وصيانته، وحراسته، وتجميله، وتحسينه، بل وترتبط في ذاكرتهم ذكريات جميلة بكل زاوية من زواياه. لا أظنها تستقيم، وكذلك الحال في الوطن، فما لم يكن أبناء المجتمع وبناته أسرة واحدة يشعرون بالانتماء الصادق إلى وطنهم، ويغارون على أرضه وعرضه، وإنجازاته، ومكتسباته وخيراته، وثرواته، ويتعاملون معها كما يتعامل الفرد في الأسرة مع ما يضمه بيته من متاع وأثاث، ومقتنيات، ويحرسونها من (الداخل) فلا تكسر أو تتلف، ومن (الخارج) فلا تسرق أو تمتهن. ما لم يكونوا كذلك، فإن الحال لن تستقيم في ذلك الوطن، وسيكون عرضة لأمراض داخلية، وأخطار خارجية. فالوطن إن لم تسهر على حمايته وتدافع عن حماه، فسيتعرض للنهب والسرقة والاستيلاء من قبل الغريب، ويضيع منك وتضيع معه هويتك. إن الوطن غال جداً، فهو مأواك، ومسقط رأسك، ومرتع ذكريات الطفولة والصبا في حياتك، والإنسان المنتمي إليه هو رأس ماله وثروته الحقيقية التي لا تقدر بأي ثمن. وما دمنا في - هذا الوطن العظيم بشعبه وقيادته - تنتمي لليمن بكل مدنه وقراه، ووديانه وجباله، ومناطقه الشمالية والجنوبية، والشرقية والغربية، في كل ربوع الجمهورية، بل وكل جزره وبحاره وشواطئه، وأشجاره وكل ذرات رماله ويحتضن كل أبنائه تحت سقف واحد، ويظللهم بظله، فلماذا هذا الجفاء الذي يتعرض له الوطن من قبل أناس أرادوا أن يتصفوا بالإرهابيين، وأن يقوموا بأعمال إرهابية شنيعة بحق الوطن، بغية الإخلال بأمنه، وزعزعة استقراره، وتشويه سمعته، والإضرار به أرضاً وإنساناً، ولماذا يصبحون أداة طيعة بيد قوى حاقدة على الوطن، ويقترفون عملية إجرامية بشعة في مدينة سيئون الآهلة بالسكان الآمنين، وزعزعة الأمن العام والسكينة والسلم الاجتماعي، وقبلها في مدن يمنية أخرى، وهي عملية بشعة راح ضحيتها أبرياء من المواطنين. لا أعتقد أن أمثال هؤلاء ينتمون إلى الوطن اليمني، ويكنون له الحب والإخلاص، بل إنهم من طينة أخرى تضمر الحقد والكراهية للوطن، وتسعى إلى التآمر عليه في الخفاء، دون أدنى وازع وطني أو ديني. إن مثل هذه الأعمال الإرهابية التي يندى لها الجبين، لا تستهدف إلا الإساءة إلى أمن الوطن، والنيل من منجزاته المتحققة، وعرقلة عجلة التنمية، ونشر الخوف والتخويف في نفوس المواطنين الآمنين. إن المواطن اليمني - عموماً - أكثر الناس حباً وإخلاصاً لوطنه، وأكثر الناس تضحية وفداء له في سبيل الدفاع عنه، فمن أين جاءت لنا صناعة الإرهاب والموت، بسيارات مفخخة، يا ترى؟لا أعتقد أن مثل هؤلاء الإرهابيين ينتمون إلى حياض الوطن اليمني، إنهم من طينة أخرى غير يمنية، ولكن هيهات لهم أن ينالوا منا - فلابد أن ينكشف أمرهم، ويقدموا للتحقيق، ويمثلوا أمام القضاء لينالوا الجزاء العادل فـ “الهربة منا سنة والمسكة فينا يوم” حسب مضمون المثل الشعبي.