عائلة عطا الله الفلسطينية:
رام الله / تحقيق- يوسف الشايب:لا يزال الحاج إبراهيم عطا الله، يعيش في قريته المدمرة وشبه المهجورة التي تدعى"بيت سكاريا"، وباتت تعرف باسم "خربة بيت سكاريا"، في إشارة إلى أنها أصبحت شبه خالية من السكان، والتي تقع غرب بيت لحم في قلب "مجمع غوش عصيون" الاستيطاني، حيث تحيطه المستوطنات، والأسلاك الشائكة، والأبراج اللاسلكية العالية والبنايات الفخمة التابعة للمستوطنين. ويجلس عطا الله وأفراد عائلته في منازل منذ العهد البريطاني مسقوفة بألواح "الزينكو"، تميزها جدران متشققة وآيلة للسقوط، وممنوع على أصحابها ليس البناء والترميم وحسب، وإنما إضافة أكشاك أخرى مكونة حتى من ألواح الزينكو. وما أن يقدم أي من أفراد العائلة على ذلك، فإن الجرافات الإسرائيلية، والمستوطنين، يكونون له بالمرصاد لهدمها، حيث تراهن سلطات الاحتلال وعتاة المستوطنين على عامل الزمن، وتضييق الخناق على عطا الله، لعله يترك أرضه لهم، ويرحل.بدأ عطا الله، المولود في العام 1910، بسرد قصته الطويلة وصراعه مع الاستيطان والحكم العسكري . حيث يؤكد الحاج ابراهيم أن قريته الواقعة على تلة جبلية مرتفعة جدا، تمنحه فرصة رؤية قبة الصخرة بالقدس وخيال البحر المتوسط، مرجحاً أنه وبسبب موقعها المميز، تم "تطفيش" سكانها، والذين لم يكونوا أكثر من ألف، لدى احتلال الضفة الغربية العام 1967، بعد جملة الممارسات الإسرائيلية، فلم يتبق في القرية سواه وأولاده وأشقاؤه وأولادهم .. كانوا حينها لا يتجاوزون الخمسين شخصا. لكنهم وبعد أربعين عاماً على الاحتلال، باتوا 510 أشخاص، ما زالوا يعيشون في خربة بيت سكاريا، وسط ظروف صعبة للغاية، مشيرا إلى أن مساحة الأراضي التابعة لعائلته، كانت تبلغ نحو 800 دونما، لكنها مع مرور الأيام تقلصت إلى خمسين دونماً فقط، إذ تم الاستيلاء على باقي الأراضي من قبل سلطات الاحتلال والمستوطنين، على حد سواء.وقال الحاج ابراهيم انه "ولولا وقوفنا بشكل شديد في وجه الجنود والمستوطنين، لما تمكنا من إبقاء هذه الأراضي معنا، ولما تمكنا من أن نبقى في منازلنا شبه المهدومة، إذ لم أترك طريقا وسبيلا للحفاظ على وجودنا هنا إلا واتبعته". ويستذكر "أبو إبراهيم" محاولات عديدة من قبل الإسرائيليين، لشراء منازلهم وما تبقى من أرضهم، سواء بشكل مباشر، أو عبر وساطة العديد من مخاتير القرى المجاورة، والعشائر، على مدار الأربعين عاما الماضية. ويقول: أحد مالكى مخاتير القرى المجاورة، طرح علي عرضا من قبل قيادة الحكم العسكري في بيت لحم، في العام 1980، بدفع مبلغ 300 ألف دينار أردني مقابل إخلاء المكان، وقد توالت العروض مرارا من الوسطاء، وجميعهم من الفلسطينيين الذي كانوا من أتباع الاحتلال الإسرائيلي، حسب قوله، وكان العرض الأكبر يزيد عن المليوني دولار أميركي، إلا أنه رفضه أيضاً.وترافقت هذه العروض مع "مضايقات عنيفة" من قبل الجنود والمستوطنين، " فالمستوطنون الذي يحيطون بنا من كل جانب كانوا يتوجهون إلى حيث نسكن، ويبدأون بإلقاء الحجارة باتجاهنا وباتجاه منازلنا، كما استخدموا أساليب أخرى لتطفيشنا، كالسطو على أملاكنا من دجاج وغنم، علاوة على إتلاف المزروعات، أما الجنود فقد اقدموا في العديد من المرات على هدم منازل لنا، وهدم اكشاك نبنيها نحن حتى أصبحت حياتنا كلعبة القط والفار، فهم يهدمون هذا الكشك ونحن نبنيه ولا زالت الحالة كذلك، إلى جانب اعتقالي وأبنائي أكثر من مرة، حيث كان ضباط الحكم العسكري يحاولون مساومتي ما بين بقائي في السجن أو ترك الأرض، وكان الجواب دوما بالرفض القاطع حتى لو تم قطع رقبتي". ونجح محمد نجل الحاج إبراهيم بتخصيص عددا من الغرف ليسميها مدرسة، يدرس بها نحو 26 طالب وطالبة حتى الصف السادس، وقد أصبحت مديرية التربية والتعليم مسؤولة عن هذه المدرسة قبل عدة سنوات، حيث عينت مديرة وعددا من المدرسات فيها، ولكن بمقومات الحد الأدنى، فهي تفتقد لكل المرافق.ويقارنها محمد بمدرسة مستوطنة "الون شفوت" المجاورة حيث الملاعب المتطورة والمراحيض والمختبرات وبرك السباحة وما شابه، ويقول: كل ذلك بني في غضون عشرين عاما او اقل، اما نحن الموجودون هنا منذ مئات الأعوام أبا عن جد، فمرافقنا تكاد تكون معدومة، موجها اللوم للسلطة الفلسطينية بكل وزاراتها وإمكانياتها، فهي مقصرة تماما وعاجزة عن تقديم مقومات الصمود.ويعتاش الأهالي على إنتاج ما لديهم من الماشية، فهناك مزرعة للأبقار، وهي تدر الحليب، ويصنع منه الجبن الأبيض، واللبن، ويتم تسويقها لمحافظة بيت لحم، وهناك أيضا أنواع عديدة من الطيور والاغنام، وفي الآونة الاخيرة اضطر محمد لان يفتتح بقالة صغيرة يحضر ما بداخلها من بضاعة كل اسبوع من مدينة بيت لحم كي يريح الاهالي من عبء الشراء من المدينة كونها بعيدة عنهم، وقد بدأوا بالفعل يبتاعون حاجاتهم من هذه البقالة الوحيدة في الخربة باعتبارها تسد الحاجة، رغم صغرها وبؤس بنائها القديم، حسب ما قاله أحد أقاربه.خالد العزة، رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الأراضي ومواجهة الاستيطان في محافظة بيت لحم، والذي اعتاد زيارة الخربة ويعرف سكانها الذين يعرفونه أيضا، اعرب عن فخره واعتزازه بهم وبصمودهم كما قال، مشيرا الى انه يحاول دوما تقديم المساعدة من اجل تعزيز صمودهم من خلال رفع المطالبات المتعددة للمسؤولين، معرباً عن أمله بالاهتمام بهذه المناطق التي تبدو جزراً معزولة تحيط بها المستوطنات من كل جانب.