من الإرشيف الفني اليمني
طه غانم :منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، وعلى ضفاف نهر(الفولجا) في العاصمة الروسية (موسكو) جمع القدر بين شخصيتين فنيتين عملاقتين كان لهما باع طويل في النهوض بالفن الموسيقي اليمني وتطويره، والدفع به إلى مجالات العلم والدراسة الأكاديمية المتخصصة وهما الموسيقاران الكبيران احمد بن احمد قاسم وجميل غانم، اللذان كان لهما شرف الإسهام المباشر بإنشاء معهد الفنون الجميلة في عدن وتأهيل أجيال من الموسيقيين اليمنيين تأهيلاً علمياً، لمواكبة التطور الحاصل في فن الموسيقى واللحاق بركب الشعوب المتطورة موسيقياً، والنهضة بالموسيقى اليمنية وفنوننا الجميلة الأخرى.وفي موسكو صدرت لهما اسطوانتان تاريخيتان كانتا من تصميم الأصدقاء الروس فيما كان يعرف بـ” الاتحاد السوفيتي” سابقاً حيث صدرتا في غلاف واحد يحمل مناظر طبيعية للبيئة اليمنية لمدينة المكلا وحصون وقلاع في محافظة حضرموت ومناظر تاريخية لمدينة شبام وكذا شاطئ وميناء المكلا والوجه الآخر من الغلاف يحمل صورة للموسيقار جميل غانم وصورة جماعية لبعثة معهد الفنون الجميلة.الزمن عام 1976م حيث صدرت الاسطوانة الأولى في موسكو للموسيقار جميل غانم مدير معهد الفنون الجميلة ومدير الفرقة الوطنية للفنون الشعبية وقد احتوت هذه الاسطوانة على معزوفات يمنية في غاية الروعة وتخللتها نماذج من التسميع بالإيقاعات اليمنية المختلفة وقدم الأستاذ الموسيقار جميل غانم نماذج من الموسيقى اليمنية التراثية مثل أغنية (جل من نفس الصباح) الذي قدمها بصوته وبالنسبة للقطع الموسيقية قدم الفنان جميل غانم تقاسيم وعزفاً منفرداً على آلة العود ومقطوعة موسيقية بعنوان ( رقصة الغجرية) بعد ذلك وفي الاسطوانة نفسها يصدح لنا بصوته الفنان نجيب سعيد ثابت بأغنية “ خصامك زاد” من كلمات الشاعر الكبير الأستاذ احمد جابري والحان الموسيقار جميل غانم ومن غير فرقة موسيقية وبمصاحبة وعزف جميل غانم على العود وأداء نجيب كانت الأغنية وكأنها قد أضفت على لاسطوانة شيئاً من الجمال والمتعة.عموماً مجمل ما احتوته الاسطوانة هو عبارة عن شرح ودراسة وعرض نماذج لبعض من الفنون التراثية اليمنية إضافة إلى إبراز الإبداع الشخصي والجمالي للموسيقار جميل غانم في تقاسيمه وتكنيكه وقدراته في العزف بمهارة على آلة العود وتطويعها بيده.الاسطوانة الثانية كانت للفنان الكبير الموسيقار احمد قاسم فقد شاءت الظروف كما شاء القدر انه كان قد تواجد حينها الموسيقار احمد قاسم في موسكو في زيارة خاصة لها وعند سماعه بالخبر وقيام السوفيتي بعمل وطبع اسطوانة لزميله ورفيق دربه الموسيقي الأستاذ جميل غانم وبعثة معهد الفنون إلا وطار فرحاً واعتبر نفسه مشاركاً في هذه الاسطوانة منذ الوهلة الأولى لسماعه النبأ كيف تسنى له ذلك واحمد الذي لايرفض له طلب، فقد شاء القدر انه تواجد حينها في موسكو الرئيس الأسبق/علي ناصر محمد في زيارة رسمية للاتحاد السوفيتي وكان حينها رئيساًَ الوزراء وأعلن فناننا الكبير احمد قاسم للأخير رغبته بالإسهام في الاسطوانة وتوجيه السوفيتى بمشاركة فنان اليمن الكبير احمد قاسم بأغنية يمنية مختارة الأمر الذي أبدى فيه السوفيت الإدارة السوفيته استعدادهم وترحيبهم بالموسيقار احمد قاسم وتخصيص له حيز آخر يعرف بالجزء الثاني من الاسطوانة واتفق الأستاذ احمد والسوفيت على أن تأتي البعثة السوفيتية إلى عدن حيث سيكون احمد متواجداً فيها وفعلاً فقد حصل ماتم الاتفاق عليه وجاءت البعثة السوفيتية بآلاتها إلى عدن وهناك في مبنى معهد الموسيقى معهد الفنون الجميلة التقت البعثة الأستاذ الموسيقار جميل غانم عميد المعهد كما التقت الأستاذ الموسيقار احمد قاسم الذي كان جاهزاً بشريط كاسيت عليه أغنية له ورائعة من روائعه وهي من كلمات الشاعر الكبير احمد الجابري بعنوان (حياتي أنت) التي يقول مطلعها:“حياتي أنت - أنت ياروحي - ويا أحلى نغم أهواه“ وبهذه الغنية الخالدة وهي من كنوز وروائع الزمان التي أتحفنا بها الموسيقار الكبير احمد قاسم على أكثر من ثلاثة عقود ومن كلمات وشفافية الأستاذ الجابري وإيقاعه الرشيق تغنى احمد وسما وعزف جميل نغما الجذير ذكره ان هذه الاسطوانة عليها ترجمة مطولة باللغة الروسية وهي اصلاً مقسمة الى جزءين وقد نالت استحساناً كبيراً واعجاباً وقبولاً لدى السوفيت وحققت نجاحاً على مستوى الاتحاد السوفيتي وأروبا الشرقية وحازت على ذيوع وانتشار في المكتبات والأسواق السوفيتية إلى وقت قريب وتم اقتناءها من قبل الطلاب والدارسين والوافدين الى الاتحاد السوفيتي في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي فهنيئاً للموسيقار جميل غانم وللموسيقار احمد قاسم والمناصفة في تشريف اليمن وحمل وسام الاسطوانة.