مخرجات الواقع الثقافي المأزوم
لا يختلف اثنان أننا نعيش واقعاً مأزوماً، ويتجلى ذلك بوضوح من خلال حالة الركود الشديدة لميكانيكية العمل الثقافي والفنــي والاجتماعي والعطــب الواضح - بكل أسف - في مفاصل هذه المحاور الرئيسية التي تعتبر البيئة الأساسية لبناء المجتمعات الإنسانية الحضارية نحو الآفاق العصرية بكل مفاعيلها الخلاقة.وما لا شك فيه أن عوامل كثيرة تفعل فعلها المدمر وتقف حائلاً بين مجتمعنا الإنساني اليمني المعاصر المثقل بتركة هائلة من التخلف والتكلس المؤسسي، والمجتمع العصري الإنساني المتقدم بكل مساحاته المشرقة المضيئة التي ولدت لأجلها الثورة اليمنية المباركة وصمام أمانتها وحدة الخير والنماء والحرية..وحدة العزة والكرامة التي جاءت في الثاني والعشرين من مايو الخالد كتتويج لنضالات شعبنا العظيم في بلد الإيمان والحكمة اليمانية.ولعل من المجحف حقاً أن نقول أن الوضع الثقافي والاجتماعي والفني لم يتقدم أبداً ولم يتغير حال اليمنيين في هذه المساقات الحيوية،لأن الحقيقة..مطلق الحقيقة تؤكد أن ثمة تقدماً كبيراً جداً حدث في صميم هذه المحاور والمرتكزات كنتيجة طبيعية لتطور الحركة السياسية ومنظومة العلاقات الإنسانية التي اتسعت باتساع عقل وفكر الثورة اليمنية رغم اصطدامها العنيف بجدار الجهل والتخلف والديكتاتورية الاستعمارية والإمامية البليدة.وقد سعت الثورة اليمنية المباركة(26سبتمبر14أكتوبر30- نوفمبر) منذ إشراقتها المجيدة إلى إخراج الشعب بكل مكوناته الثورية من نفق الجهل والفقر والمرض والتكلس الإنساني المخيف الذي رسمته السياسة الاستعمارية والسلاطينية والإمامية الشيطانية الرعناء في مساحات عقل ووعي وخيال الناس آنذاك والتي كانت تشبه إلى حد كبير مساحات محزنة عاشها الإنسان البدائي أو إنسان العصور الحجرية.رغم هذه المعوقات الرهيبة والحواجز الأسمنتية استمرت مسيرة الثورة اليمنية الخالدة وقلبها النابض وحدة الثاني والعشرين من مايو1990م السرمدية على قدم وساق نحو بناء الإنسان القادر على فهم وبلورة قيم ومفاهيم الجماهير المتسلحة بأهداف ومبادئ ورؤى الثورة والوحدة التي نبعت مؤكدة عظمة ورقي الإنسان اليمني المعاصر الذي تجاوز ظروفه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتخلفه الرهيب ليحقق منجز الوحدة في زمن قياسي على قاعدة السلمية السياسية رغم الاختلاف في الرؤى الإيديولوجية كفكر وسلوك موجه للعملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهي الطفرة السياسية التي غيرت وجه الوطن نحو الأجمل والأبهى والأرقى وملامح الإقليم..إقليم شبه الجزيرة العربية والذي أصبحنا رقماً صعباً فيه وقبل هذا كسبنا حب وود احترام العالم الذي أصبح يقدر دورنا المحوري في العملية السلمية والبناء الأممي نحو عالم يسوده السلام والديمقراطية ولعل أبرز الأسباب والعوامل التي تكبح جماح التطور والتقدم والرقي الفني والاجتماعي والثقافي التصادم العنيف بين قيم ومفاهيم ومبادئ الثورة والوحدة برؤاها العصرية الخلاقة والفكر القبلي المسيطر على مفاصل عقل الكثيرين إضافة إلى الفهم الخاطئ للدين واستغلاله من قبل كثير من ضعفاء النفوس(السياسيين نص كم) بهدف الوصول إلى سدة الحكم على حساب مكونات العملية التحديثية الجارية بثبات دائماً وأبداً رغم أنوفهم بإذن الله.هذه بالإضافة إلى عوامل كثيرة لا يمكن حصرها في واقع إنساني عشائري معقد يموج بأمواج ومخالفات قديمة غاية في البلادة استطاع فكر الثورة والوحدة والعولمة رغم سلبياتها الكثيرة أن يذيب جزءاً كبيراً من هذه المخلفات الرجعية بمفاهيمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.وفي غمرة هذا الصراع المرير بين كل مكونات تركة الماضي الاستبدادي الاستعماري الإمامي ومكونات الحاضر الديمقراطي الثوري الوحدوي بآفاقه التحديثية المشرقة في ظل دولة النظام والقانون والعمل المؤسسي الذي شهد نماء ملحوظاً ومطرداً ثمة حلقة مفقودة تعيق عملية التوازن الفكري والنفسي للمجتمع وتكبح جماح أي جهد ثقافي فني يسري في عروقه لكن النضال الفكري مستمر هنا وهناك في الاتجاهات التي تدفع بالمجتمع نحو واقع ثقافي جميل يرسم غدنا الأجمل بإذن الله بألوان قوس قزح.ومن وجهة نظري المتواضعة فإن الخروج من هذه الشرنقة يتطلب الاستمرار بلا هوادة في المواجهة الكلاسيكية بين مكونات العملية الثورية الوحدوية بآفاقها الديمقراطية وبين مكونات الماضي الاستعماري الإمامي السلاطيني البغيض الذي لا يزال يسعى جاهداً من خلال أدواته الجديدة إلى العودة إلى السلطة عبر أساليب انقلابية جديدة تتبنى جملة من المشاريع الصغيرة في إطار المشروع الاستعماري الكبير والهادف بدرجة رئيسية إلى تمزيق وحدة الصف العربي والإسلامي وطمس الهوية،التاريخية والحضارية والثقافية تحت تراب ورماد الحروب الأهلية والاقتتال الداخلي عبر قنوات عربية وإقليمية للأسف الشديد.والمحاور الأساسية في هذه الحرب الكلاسيكية القديمة الجديدة للارتقاء بالواقع الثقافي والفني والعملية الإبداعية الإنسانية نحو المجتمع العصري المنشود بإذن الله هي كالتالي:- إحياء المسرح الوطني إحياء حقيقاً باعتباره عقل وفكر الثورة والوحدة وعمودها الفقري بين أوساط الجماهير. تحسين المستوى المعيشي والإنساني للفنان اليمني ومراعاة همومه وتطلعاته الروحية والمادية بما يتناغم وروحه الشفافة الرقيقة.- إقامة الندوات والفعاليات الثقافية والفنية في أكثر من صعيد لبث الروح في الذات الفنية ومساحات الخيال الفني الجميل المتجذرة في أعماق المبدع.- نبذ أفكار وأدبيات وخطاب بعض الجماعات والتكتلات المنضوية تحت مظلة الأحزاب والجمعيات والمؤسسات الدينية المجافية لقيم الثورة والوحدة والأفكار الإنسانية المتوازنة.- تأسيس خطاب ديني متوازن وشفاف في المساجد والمنابر الدينية بما يحقق التوازن المطلوب بين مهمات الرسالة الدينية ورسالة الإبداع في الحقل الإنساني..بعيداً عن مساحات المجون والرخص الفكري المستهدف لمسلمات إلهية عظيمة وجليلة رسخها الواحد الأحد الحي الصمد في حياتنا لتسير طريق الإنسانية (المسلمين) نحو العمل الخيري.- تأسيس مكتبة وطنية في كل مديرية بحيث تتولى المجالس المحلية تزويدها بالكتب الثقافية والعلمية والفنية لخلق الأفكار العصرية المتجددة ورسم الفكر الثوري الوحدوي في أذهان الأجيال المتعاقبة وتزويدهم بمعاني الإحساس الوطني النبيل الهادف إلى ترسيخ مبدأ المحافظة على الصف الوطني وحق الإيمان والتمسك بالثوابت والحياة الإنسانية الكريمة. - إسهام الدولة بشكل أساسي في بناء دور العرض السينمائي والمسرحي وتشجيع المستثمر المحلي والأجنبي على المضي في هذا السياق وحمايتهم من مافيا الأراضي التي تسببت في فشل كثير من المشاريع.- إصدار نشرة خاصة بالمجالس المحلية تعنى بالشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفنية بعيداً عن إيقاع الكتابة، الرسمية والأهلية التي خلطت الحابل بالنابل وأصبحت موجهة للمكايدة السياسية (إلا من رحم ربي).- توجه الدولة إلى تفعيل العمل السينمائي والمسرحي اللذين يعتبران أهم محورين في تفعيل العمل الفني إلى جانب الدراما والأعمال الغنائية.- بناء دور للعزف الاوبرالي لخلق وعي جديد في مفاصل العقلية اليمنية المعاصرة للأرتقاء بمعاني الإحساس الفني.- الاهتمام بالتربية الموسيقية وتربية الفن التشكيلي في المدارس خاصة في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي.- التوسع في إنشاء المعاهد الموسيقية ومعاهد الفن التشكيلي في المدن الرئيسية على الأقل وابتعاث المتوفقين والمبدعين منهم لمواصلة دراستهم العليا (بحق الله كم لدينا من موسيقار يمني وكم عدد دكاترة بلادنا في حقول الفن والإبداع.- تحمل المجالس المحلية في كل مديرية إنشاء صندوق لدعم طباعة الكتاب للمبدعين في مختلف حقول العلم والمعرفة والفن والإبداع.- اهتمام القنوات الفضائية والإذاعية بالبرامج الثقافية والعلمية والفنية وإقامة المسابقات المختلفة لتنشيط وعي الشباب والجماهير وربطهم بآخر ما توصلت إليه الإنسانية في شتى المجالات.في اعتقادي هذه أهم المهمات والمخارج للنهوض بالواقع الثقافي والفني والخروج من شرنقة الجمود والركود الذي رسم لوحة ضبابية على حال الفكر اليمني المعاصر.