أضواء
لم يدع خادم الحرمين الشريفين إلى حوار عقدي بين الأديان، أو للتقارب بينها، حتى يقلق بعض علماء الدين والدعاة فيلتزموا الصمت كلما مر بهم صحفي يسألهم رأيا، وبالتالي لم نجد من يشرح الفكرة ويعززها للرأي العام، وهي الفكرة النبيلة المفيدة إلا عددا قليلا من العلماء السعوديين وعددا أكبر من العلماء من خارج البلاد.لقد كان - حفظه الله - صريحا واضحا عندما خاطب مجموعة من المفكرين المسلمين واليابانيين اجتمعوا في الرياض قبل عشرة أيام في «حوار للحضارات» فدعاهم للتفكر معه في أحوال البشرية، وما تتعرض له قيم الأسرة والأخلاق من تحديات، وقال إن ثمة ما يدعو للتعاون بين الإنسانية جمعاء لمواجهة هذه التحديات، خاصة بين أتباع الديانات السماوية الإبراهيمية الثلاث، فكلها تحمل نفس القيم الحاثة على أهمية الأسرة والعدالة والأخلاق ونبذ الظلم، وإن اختلفت في العبادات والعقائد، ولكن الموضوع المطروح للتعاون ليس العقيدة، فهذه أمرها محسوم. ولو نجحت دعوة خادم الحرمين - وستنجح بإذن الله - واجتمع أهل الخبرة والعلم من مسلمين ومسيحيين ويهود، وكان ذلك في إطار الأمم المتحدة أو غيرها، وطوروا سبلا للتعاون في مكافحة الفقر، وتأكيد قيمة الأسرة، وسمو الأخلاق، ونبذ الظلم وغير ذلك من القيم العظيمة، فسيبقى بعد ذلك المسلم مسلما والمسيحي مسيحيا، فليس مطلوبا مني أن أتحول عن ديني أو بعض منه كي أضع منهجا أمميا يعلي قيمة الأسرة مثلا لكل البشر. لننتبه إلى جملة هامة قالها خادم الحرمين عندما وصف لقاءه ببابا الفاتيكان بأنه «لقاء إنسان بإنسان» وما أعظم ذلك وأقربه إلى روح الدين خاصة ديننا الإسلامي الذي هو رحمة للعالمين، بإعلاء قيمة الإنسان... أي إنسان.وأي إنسان يريد أن يتجه إلى الرب عز وجل لإنقاذ البشرية مما هي فيه «افتقدنا الصدق، افتقدنا الأخلاق، افتقدنا الوفاء، افتقدنا الإخلاص لأدياننا وللإنسانية.» الجملة السابقة قالها الملك المسلم عبدالله بن عبدالعزيز ولكنها شكوى أي إنسان مؤمن بغض النظر عن ديانته، إنها الأرضية التي نتفق عليها جميعاً.يجب أن نؤمن بأن الحروب بين الأديان كانت استثناء أما القاعدة فهي في السلم والسلام، وعندما نؤمن بالسلام بيننا سنجد مساحة واسعة للعمل فكل الأديان ضد الظلم والعنف والاعتداء على الضعفاء، ضد المخدرات والدعارة والجنس المحرم، وأحسب التعاون الذي يدعو له خادم الحرمين يشبه ذلك التوافق الذي حصل بين علماء المسلمين والفاتيكان قبيل مؤتمر السكان ببكين عام 95 لمنع توجهات «ليبرالية» لقيم الأسرة والزواج حاول البعض دفعها من ثنايا المؤتمر ومعارضة بشدة لمفهوم الأسرة في الإسلام وكذلك لدى الكنيسة الكاثوليكية.رغم وضوح عبارة خادم الحرمين شرق البعض وغرب، تحدثوا عن ضرورة اعتراف الكنيسة أولا بالإسلام لكي نمضي معهم في حوار، وآخرون وصفوا الحوار بين الأديان بمشروع تبشيري، وأجندة خفية تضمرها نفوس الرهبان والكرادلة، وكل ذلك يمكن أن يؤخذ بعين النظر والاهتمام لو كنا أمام استعدادات لحوار ديني، ولكننا أمام مشروع تاريخي لتعاون إنساني بين أتباع الأديان كلها، تبدأ بالإبراهيمية منها، ثم يتسع ليشمل الجميع، نعم لقد كان بين الأديان السماوية صراع بلغ أحيانا حدا مخيفا من العنف، لا نزال نعيش حتى اليوم بعضا من ترسباته، ولكن ليس هذا قدرنا، لقد تغير العالم، هم تغيروا ونحن كذلك، وبالتالي يحتاج التاريخ إلى رجل ليغيره، ولعل الساعة قد حانت لكي تبدأ الإنسانية والديانات السماوية - على ما هي عليه من اختلاف عقدي - مرحلة جديدة من تاريخها.بالطبع سيبقى كثيرون من أتباع كل الديانات عاجزين عن استيعاب هذا التحول متشبثين بالماضي بكل ما يحمل من ألم ومرارة يستدعونهما في لحظة الأمل. [c1]* عن/ جريدة «الوطن» السعودية[/c]