إعداد / داليا عدنان الصادقالفنان السكندري محمد شاكر هو احد ابرز التشكيليين المصريين الذي يباشرون التعامل مع الطبيعة بعناصرها الغنية ومرئياتها المتنوعة بقدرة عالية على إعادة صياغة المتعينات متجاوزا قانون الإبصار المباشر إلى حالة من التوحد مع مفردات المعمار البصري وفي هذا السياق يوظف مهارته في استخدام أكثر من وسيط مثل الألوان الزيتية والقواقع والأصداف والصواميل والمسامير والخردة. إضافة إلى تمكنه من الرسوم الجدارية والزجاج المعشق والفسيفساء الذي يحظى بعضوية رابطته الدولية لفنانيه المعاصرين.ومنذ ان تخرج في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية وهو مخلص لخاماته باعتبارها وسيلة لتجديد رؤيته وتفعيل صلته ببكارة الطبيعة وعذرية أسطحه التصويرية ففي إعماله الزيتية ينزع الفنان الى الانتقاء القصدي لشرائح من بعض البيئات المحيطة به في الإسكندرية ومناطق اخرى من ارض مصر وعبر ذلك البناء البسيط شحيح العناصر يستطيع التقاط روح المكان داخل الصورة بكل ابعاده التاريخية والجغرافية والزمنية بجنوح نحو اصطياد الموجودات الموغلة في القدم والمكسوة في الطابع الأثري في أسوان وسيوه ومطروح والصحراء الغربية وغيرها من البقاع تشي بمتواترات الماضي.وبرصانة في اداء يتلاعب محمد شاكر بأدوات النسيج البصري مثل الضوء وتأثيراته الروحية والتكوين وتماسكاته البنائية والملمس وإيقاعاته العفوية يضاف إليها بعض الإيماءات الرمزية التي تتسرب على استحياء من باطن الشكل الى اسفنجة التلقي فعلى مستوى الضوء يميل الفنان إلى إبراز البعد الثالث في العمل عن طريق ذلك الرداء الأبيض الشفاف الذي يدثر به مفرداته في هيئة انسكابات نورانية على جسد العنصر يتأرجح فيها مصدر الضوء بين المعلوم والمجهول على صراط دقيق يفصل بين المفهومين الغربي والشرقي حين يعني الأول بتحديد الزمن بوساطة الضوء بينما يحرص الثاني على إدراك النور من خلال الزمن المرئي فنجد مفردات الفنان هنا تجمع بين الأعمدة التيجانية العتيقة والصخور والأحجار والكهوف والحارات والممرات والقدور والحلقات الحديدية والبوابات الخشبية والفتحات المظلمة إضافة إلى المسطحات المائية والأشجار أحياناً وعبر تلك العناصر الطبيعية يستطيع الفنان شاكر تنويع الشعور بالتمايزات الزمنية بين عمل وآخر مثل تبدل المثول اللامباشر للشمس بين نعومة الصباح ولفحة الظهيرة ودفء العصاري.وفي بعض الأعمال استخدم النور الخجول الذي يقترب من ضياء القمر في ليل حالك وفي كل الحالات يعتمد على اللون الأبيض بدرجاته بداية من النصاعة وحتى التشرب بالاصفرار المحمر مرورا بما بينهما وهو لايقف عند الحدود الفيزيقية لتسكين الضوء الأبيض داخل الصورة بل يطير به الى مشارف اللامرئي حيث يتحول إلى توصيف كوني مختلف وهو النور غير معلوم المنبع والقادر على الانتشار وافتراش حبيبات التوالي لتبدو كحبات من الماس على صدر التكوين.وهنا تتجلى بعض صفات النور الذي يدرك في ذاته ويدرك به في آن عكس الضوء الذي تدربك به الأشياء فقط لأنه معرض للزوال.وتجمع الصورة عند محمد شاكر بين صلابة المعمار وليونة الجسد الإنساني ورائحة أنفاس البشر وهو استيعاب شديد الحساسية للمشهد الصوفي في معالجته للمرئي بوصفه وسيلة لاستكناه اللامرئي لعل هذا ما يفسر الاختفاء الكلي للعنصر البشري في إعمال هذا الفنان الحافلة بذلك الإيقاع المستتر الذي يجمع بين الظاهر والباطن وبين النسبي والمطلق.وعلى النهج نفسه يستخدم الفنان وسيطا آخر يطرز به مسطحاته المائية وهو الخردة والصواميل والمسامير والأصداف والقواقع وفيه يطوع مفاهيمه البصرية الراسخة في أعماله الزيتية لمصلحة بناء متين وملمس أكثر ثراء من ذي قبل وذلك لطبيعة الخامة ونهودها على السطح بشكل يجسم الرؤية وهنا تعلو وتيرة الموسيقى البصرية عبر الفروق بين الإحجام وتعدد إشكالها وألوانها وهو التحدي الذي يبرز إمام الفنان فيستنفر ملكات أخرى لديه يعيد بها صياغة المادي الجاهز ويدفعه الى حيز مشهد روحي إيحائي فتجده يشيد جبلا من مسامير يعلوه قمر من صواميل على خلفية زرقاء حالمة ثم تلك السحب من الأصداف والقواقع التي تحلق في فضاء مظلم فذلك البناء الفسيفسائي الهندسي من الأحجار الصغيرة وهكذا حتى تضيق المسافة بين الصورة والتصور في لحظة إبداعية خاطفة وعبر تلك القدرات الإبداعية المترامية يغازل محمد شاكر عيون المجتمع المصري بلمساته السحرية.
|
ثقافة
تنوع الوسائط في أعمال الفنان محمد شاكر
أخبار متعلقة