حنين إلى عزلة الماضي وهجاء الغرباء
الرياض/ متابعات:«طريق الزيت» هي الرواية الأولى للاعلامي السعودي ناصر الصرامي التي ترصد الخراب الذي أحدثه دخول غرباء على مجتمع بسيط ومعزول، سواء في أرض القرية التي تدور فيها الأحداث خلال زمن اكتشاف النفط واستخراجه وبيعه، والتبدلات الكبيرة التي أحدثتها الثروة التي أتى بها، أو في صعود الفكر الديني المتطرف الذي دخل إلى المجتمع عبر وافدين غرباء جاؤوا مع اكتشاف النفط، واستفادوا من أمواله لدعم مشاريعهم المتطرفة.يحاول الاعلامي السعودي ناصر الصرامي في روايته الأولى «طريق الزيت» تقديم ما يشبه السيرة الروائية للتطورات التي حدثت في المجتمع السعودي قبل وخلال وبعد اكتشاف النفط أو الزيت كما تسميه الرواية، والذي ترافق مع صعود الفكر الديني المتطرف، في القرية الافتراضية التي تدور أحداث الرواية فيها وعنها، والتي يقدمها الكاتب كرمز واختصار لدولة ومجتمع، ويتعامل مع مكوناتها وشخوصها وسكانها الأصليين بنوع من النوستالجيا والحنين إلى زمن بريء مضى، في حين يعامل كل الغرباء الذين وفدوا إلى القرية أو مرّوا فيها بقسوة زائدة، وباعتبارهم دخلاء أقرب إلى الأعداء، بدءاً من عالم الآثار الذي أتى بمفرده أولاً ليرسم الخرائط ويحدد النقاط، ويغيب ويظهر، إلى مجموعة الرجال التي يأتي على رأسها تالياً ليستخرج النفط ويبدل حياة القرية ومصير سكانها بعد الجفاف والقحط اللذين أصاباها، إلى الغريب الذي وفد إلى القرية عارياً جائعاً، حاملاً معه التطرف ليستولي على منبر الوعظ ويحتل إمامة الصلاة بسبب طيبة أهل القرية الذين ساعدوه وآووه، الأمر الذي جعله بعد سنوات الآمر الناهي في مصير القرية وسكانها، بعد أن اجتذب الكثير من المريدين والأتباع، وغدا يأمر فيطاع، ويقرر فينفذ ما يقرره، ويحرم هذا من النعم، ويغدق على ذاك، ويشهّر بمن لا يعجبه سلوكه من على منبر الوعظ في صلاة الجمعة، فيحيله طريداً منبوذاً حتى من أقرب الناس إليه. وفي مقابل هذه الحالة المتطرفة في عدائها للغريب عبر رسمه إما مقتنصاً للثروات المادية، أو مخرباً للبراءة والفطرة الروحية يرسم ناصر الصرامي شخصية الشيخ ابن القرية (لا تربطه علاقة بالإمام الغريب المتطرف الذي تهجوه الرواية بشدة) ممثلاً للدين بنقائه وصفائه، بعيداً عن أي اعتبارات دنيوية، لكنه يقدمه صامتاً يلجأ إلى أوراقه ليخط عليها ما يفكر فيه، أو ما كان عليه قوله، ولديه مريد وحيد ملتزم به هو صارم الذي يمثل المعارضة الشعبية للإمام الغريب المتطرف، وهو نموذج آخر للشخصية السلبية غير الفاعلة، الذي تجبره خطب الامام على ترك القرية، لكن حتى ذلك لا يوقف حملات هذا الأخير عليه، وبسبب هذه السلبية التي تشكل النموذج العام لكل أهل القرية، حيث لا فاعلية ولا تأثير لأحد على البشر غير الامام الغريب، ولا سيطرة على الأرض إلا للزيت وللذين يقومون باستخراجه، مقابل حصة للأعيان وصندوق القرية، الأمر الذي يجعل التجارة تنمو والأعمال تزدهر وسيطرة الامام تزداد، فيدعو مريديه للجهاد المقدس، في كل بقعة من بقاع الأرض، مستفيداً أولاً من أموال الزيت التي تغدق على مسجده ليتصرف بها، وثانياً من انصياع الآخرين له.عبر هذه الحكاية البسيطة التي تستعير خطوطاً عريضة من الواقع التاريخي، عما أحدثه ظهور النفط في بلدان كانت فقيرة، يطلق الصرامي في روايته «طريق الزيت» أحكاماً ويستخلص عبراً ويضرب أمثولات أكثر مما يبني شخصيات أو يرسم حدثاً أو ينسج لغةً، ولذلك شغلته المقولة بدلاً من البناء الروائي، فساوى بين لغة الشخصيات المختلفة الملامح والمنابت والأصول والأهواء، واستخدم لغة تقريرية همها فقط ايصال رسالة الرواية للقارئ، ملحاً عليه في كل تفصيل وعبر كل شخصية ومن خلال كل فعل كي يفهم أنه على الرغم من الخدمات الجليلة التي قدمها ظهور النفط لسكان البلاد التي اكتشف فيها، وتحويله القفار الجرداء إلى مدن واسعة، وتعويضه نقص المياه والجفاف والقحط، إلا أنه جعل منها بلداناً مفتوحة لكل زائر أو مغامر، في وقت لم تكن فيه على استعداد لاستقبال كل هذه التيارات والمتغيرات الوافدة، فضاع الأهالي بين الولاء لدينهم وعاداتهم وبين المتغيرات وأسلوب الحياة الجديد الذي فرضه الأغراب على سيرورة حياتهم الهادئة، ما جعلهم ضحايا لكل فكرة أو مغامرة، لأنهم ببساطة لم يتمكنوا من التعرف إلى ما يشكل حماية لهم من أدوات معرفية وثقافية حقيقية، في مزيج يجمع الوعظ بالموقف الأيديولوجي بالحماس الوطني بحس الخوف الفطري تجاه كل ماهو غريب.