الإشراقة المجنحة
غزة / متابعات : أصدر مؤخرًا الشاعر محمد حلمي الريشة والشاعرة آمال عواد رضوان, كتابًا جديدًا بعنوان: "الإشراقة المجنَّحة لحظة البيت الأول من القصيدة", وقد قدَّم الكتاب, بمقدمة مطوَّلة تحت عنوان "لحظة بأبدٍ, إن أتيح لها أن تشرق", الشاعر والناقد د. شربل داغر.قام الشاعران بتنفيذ وإنجاز فكرة الكتاب الجديدة, حيث استكتبا العشرات من الشعراء/ الشاعرات, وتجاوب مع الفكرة الاستثنائية والمفاجئة 131 شاعرًا وشاعرة, وقد أثنوا, وغيرهم من الشعراء والنقاد والأدباء عمومًا, على جنونها وغرابتها وعدم التطرُّق إليها في الشعرية العربية من قبل إلا نادرًا جدًّا وبشكل غير مدروس, حيث تتعلَّق بكيفية ومضة/ لمعة/ وهجة/ انبثاقه/ إشراقه البيت الأول من القصيدة في مخيَّلة الشاعر, استنادًا إلى مقولة الشاعر بول فاليري: "تهبنا الآلهة البيت الأول بظرف ودون مقابل, أما البيت الثاني فعلينا صنعته", حيث تفاوتت, بشكل كبير, شهادات الشعراء والشاعرات الشُّهود في تحديدها وتدوينها, بل والاختلاف عليها من حيث تأكيدها أو نفيها كذلك.وقد جاء في تقديم الشاعر والناقد د. شربل داغر : "هذا كتاب- شهادة, شهادات, بما يشتمل عليه من بوح, ووصف, وتفسير, وسبر لأغوار الشّاعر, فضلاً عن مجاهل القصيدة، وفيه ما يجعل الشّعراء ينظرون إلى صنيعهم, إلى ما يصيبهم صدفة, أو إثر تدبير، وشارك فيه 131 شاعرًا عربيًّا, من أجيال وتجارب وحساسيّات مختلفة, ما يعدّ اجتماعًا نادرًا في حدّ ذاته.وقد يكون مناسبًا طرح السّؤال: كيف يحدث مثل هذا الاجتماع? أله صلة بأنّ اسّؤال مطروح من فلسطين? وهو سؤال يمكن طرحه بالعكس أيضًا، إلاّ أنّ القول في ما التقَوْا حوله صعب بقدر ما هو مبتكر ومثير, إذ قلّما عاد إليه الشّعراء بتلقائيّة, فيما تجنّبه الدّارسون، وإن عادوا, فإنّ ما يتوقّفون عنده هو ما لن تلبث الممارسة الشّعريّة أن تردمه, أن تغطّيه". وتساءل د. داغر: "أيقوى الشّاعر فعلاً على تذكّر أو على مباغتة خطوته قبل أن "يغمرها العشب"؟ ذلك أنّ "لحظة" القصيدة "الأولى" قد يتّجه الشّاعر صوبها، إلاّ أنّها قد تأتي إليه أيضًا، طالما أنّها لحظة تتعيّن في التّعب أو في الحماس الشّديد، في السُّكْر أو في اليقظة العالية، في النّوم أو في المباغتة، في التّلهّي أو في الرّصد، وفي غيرها ممّا ينساه الشّاعر، طالما أنّ ما يستفزّه ويستثيره يردم وراءه دومًا ما حصل له- إن تنبّه له، في النّادر". وأضاف: "والإجابة عن هذا السّؤال صعبة، حتّى لا أقول: مستحيلة، بدليل التّعثّر المتكرّر بين شاعر وشاعر في تحديد هذه "اللّحظة"، ذلك أنّها لحظة ممّا يبقى في الذّاكرة أو يندثر؛ وقد يكون الاندثار أشهى أشكال الوجود، إذ تختفي "اللّحظة" لصالح القصيدة- المتحقّقة أخيرًا، وهو ما جعل البعض يتلمّس "اللّحظة" أكثر مما يصفها، بلغة التّشبيه والاستعارة.وهو ما اجتمع في الحديث عن: الولادة، حيث أنّ أكثر من شاعر عاد إليها ("القصيدة الابنة الشّرعيّة وغير الشّرعيّة"، "تتخايل لي في الصّحو كأنثى لم تُفتضّ بعد"، "لم تُفتضّ بعد حروفها على شكل امرأة"، "الحبّ القديم يخلق دفئًا سلبيًّا"، "لحظة أن يكون فيها القلم قيسًا والورقة ليلى... راكضيْن متقافزيْن أو طائريْن بأجنحة البهجة"، "القصيدة مثل الحبّ"، "الوصال الموجب"، "مع امرأة لم تعرف بعد تجربتها الأولى على سرير مرتعش"، "قد يكون الأمر أشبه بالولادة، قد يتمكّن الطّفل الوليد من التّنفّس وقد لا يتمكّن"...).ألهذا يقول الشّاعر إيف بونفوا: إنّ "القصيدة تأتي من الطّفولة" (وهو ما قاله قبله ريلكه، وبكلمات أخرى)، وكان في إمكانه أن يقول: "إنّها تأتي من الطّفل"، من هذه الرّغبة الّتي تبقى له، مع العمر، في أن يندهش، وهو يلعب بالخفّة الّتي للاعب الخفّة إذ يلاعب الكريات بين يديه. لهذا- كما إنّ الطّفل هو مستقبل والديه- كذلك فإنّ القصيدة "تبتسم للموت"، أو تمدّ لسانها له، بمعنى آخر.والشّرارة ("لحظة البرق المبهر"، "شرارة القصيدة الأولى"، "لحظة الإشراقة الأولى"، "الومضة"، "الرعد القويّ"، "يشبه حالة البرق في سماء رتيبة"، "كبرق خاطف"...)، وهي استعارة تقْلِبُ الاستعارة السّابقة، إذ ما كان فعلاً إنسانيًّا، يصبح فعلاً ماديًّا؛ وما كان لحظة "جماع"، يتحوّل إلى فعل خارجيّ، مفروض".