التهديد بتحويل الأمسية الغنائية التي كان مقرراً أن يحييها الفنان المصري إيهاب توفيق في العاصمة صنعاء ضمن فعاليات «مهرجان صيف صنعاء السياحي» إلى «محرقة» أو «مجزرة» أدى بالقائمين على المهرجان إلي إلغاء أو تأجيل الأمسية والزيارة إلى أجل غير مسمى, فهل يعني ذلك أن الإرهابيين صاروا الآن يملكون السلطة التي تخولهم التدخل في كل شؤوننا وفرض الحصار على المشهد الفني والأدبي والثقافي, وتحجيم أو تغريم المناشط السياحية؟!من غير المفهوم أن نسلم بالهزيمة إلى هذا الحد, أو أن تستسلم الجهات والمؤسسات الرسمية والمعنية وتنخذل في مواجهة تهديدات إرهابية مشابهة لتلك التي سبقت ورافقت الأمسية الفنية للفنانة السورية أصالة نصري في محافظة عدن قبل أشهر من الآن.وإذا كانت عدن تحت الإرهاب ورفضت الانهزام له ومضت في استضافة أصالة وإقامة الأمسية المقررة .. وتم كل شيء بسلام, بفعل الإصرار المبدئي والالتزام الكبير الذي أظهره كل من قيادة محافظة عدن, والأجهزة الأمنية, والشركة المنفذة - الجهة المنظمة للمهرجان - وكذلك الاستماتة المشهودة التي أظهرتها على الجبهة الإعلامية مؤسسة وصحيفة (14 أكتوبر) ورئيسها الأستاذ / أحمد الحبيشي, في مقارعة الخوف وفعالية الانخذال والتصدي الإعلامي والثقافي لثقافة الموت والقتل والظلام, الأمر الذي كان له بالغ الأثر في استماتة المنظمين ورفضهم إلغاء الأمسية تحت ضغط التهديدات بالعنف واستهداف الفنانة والمهرجان .. حتى أكد الزميل مروان خالد - ممثل الشركة المنظمة - أن المناصرة الإعلامية الجسورة من قبل (14 أكتوبر) كانت الداعم الأكبر للمضي في البرنامج دون تهيب أو تعديل, الأمر الذي يعطينا تصوراً عن أهمية الرسالة الإعلامية ومحورية العمل الصحافي في التصدي لثقافة الترهيب والعنف.إلا أن إلغاء أو تأجيل أمسية إيهاب توفيق في صنعاء, بعد كل تلك الحملة الدعائية والترويجية للفنان والأمسية وللمهرجان الصيفي السياحي, جعلنا نستشعر الخطر والاستياء تجاه السلبية التي جسدتها هذه الحالة .. وكأنها إعلان هزيمة واستسلام .. فهل علينا أن نضطهد أنفسنا ونعيد تعبئة مشاريعنا وبرامجنا وخططنا المختلفة في قوالب محددة وفقاً لشروط ومعايير جماعات العنف والظلام؟!هناك محاذير حقيقية من أن تتكرس السلبية الأمنية والإعلامية والثقافية المشابهة كظاهرة محتملة بفعل تكرار وتتابع الحالات المتشابهة, وما يعنيه ذلك من تنازل مجاني وتضحية لا آخر لها بروح وعقل وفكر المجتمع والحياة الأدبية والفنية والثقافية والقطاع السياحي, لمجرد أن الإرهابيين يهددون بالجزر والحرق والقتل, والأولى في مثل هذه الحالات أن تتولى الأجهزة الأمنية والجهات المختصة التعامل مع التهديدات كما يجب, وليس الانخذال الجماعي وإعطاء الإرهابيين مسوغات ومبررات ضمنية للتمادي في هذا الغي والاعتماد على لغة التهديد والترهيب في كل مناسبة قادمة!.ألغيت أمسية تامر حسني أولاً في تعز, وأريد لأمسية عدن أن تلغى وهو ما لم يتم, وألغيت أمسية أو فكرة استضافة نانسي عجرم لنفس الأسباب, وها هي أمسية صنعاء تلغى للسبب ذاته. فهل نحن مجتمع محكوم عليه بالانغلاق والانسحاق والانعزال عن العالم بفعل شرذمة آمنت بالقتل والدموية وكراهية النور والحرية؟!أغرب من ذلك أن عشرات الصحف والمواقع والأحزاب والمنظمات المدنية والفعاليات المختلفة في العاصمة لم تقل شيئاً, ولم تفعل شيئاً .. ولو القليل مما بادرت إليه (14 أكتوبر) في هكذا ظرف وتحدٍ؟! فهل جهلت أم تجاهلت .. أم جبنت؟!ليست القضية فقط مجرد غناء وأمسية غنائية تنازلنا عنها, أو أجبرنا على ذلك عنوة. ولكن المسألة الحقيقية هي أبعد من ذلك وأكثر خطورة ودلالة .. حيث تقود حالات كهذه قد تبدو لنا صغيرة أو هينة, إلى حالات أكبر وأضر وأخطر بما لا يحدّ أو يعدّ ويقاس. فكيف قبلنا على أنفسنا أن نمنحهم جولة؟.الأصل في الشيء «الفكرة» .. فطالما انهزمنا لهم في هذه .. وهي على ما نقول أو يقال «صغيرة وهينة», فما الضمانة التي لدينا بأن لا ننهزم لهم في «الكبيرة والخطيرة»؟!قد لا أكون - شخصياً - مهتماً بالغناء أو حضور أمسية إيهاب توفيق, ولكن هذا لا يعفيني من واجب التصدي الإعلامي للتحذير من خطر وضرر ومرور المناسبة السلبية من دون توثيق وتحرير وتحذير لجهة انهزامية ثقيلة لا نريد لمجتمعنا أن يُبالي بها في مواجهة العنف والإرهاب والتهديدات السوداء.