الشاعر الملاحي :
استقراء / محمد نعمان الشرجبي :إن ما يريح النفس المبدعة عندي، الحديث أو الكتابة عن الشاعر عبدالله عبدالكريم الملاحي المولود في (شحر حضرموت) 1933م، المتوفي 24 يونيو من العام 1997م. رجل جمع بين القول والفعل الإنساني، والوطني والإبداعي . والملاحي بصدق نفس تتسع لأروع معاني الإنسانية والنضالية والوطنية والإبداعية، طاقات وطنية حية تتدفق مع إحساس عميق بالمسؤولية لواحد من الرموز الوطنية والإبداعية. بعض قصائده تفصح ولا تلمح بأنه منذ يفاعته كان شعوراً مذاباً في الولاء للوطن مفعماً بحب الشعب والإخلاص للوطن وذلكم أقوى برهان على الوطنية وأنبل سمات الوطني الذي يعمل على مصلحة الشعب واهدافه ولنصرته حرك الشعر باتجاهه وهو في السادسة والعشرين من العمر. أيها الشعب تكلم وأبن رأيك تفهم لست يا هذا اصما أنت حي تتألم فلماذا تتوارى بدموع تتضرم إن بعض الصمت جبن وانهزام نتعلملا تطاطئ رأسك المحموم إرفعه تقدم ومن وطنيته اليافعة هذه لا ترى الا روحاً تشربت وامتلأت بحب الوطن. ولأن قانون الإبداع غير المكتوب عنده راسخ في ضميره، تجوس بداخله تجليات روحانية وإمتلاء مطلق باليقين يجعله يطفق بين الحين والآخر إلى الخلود والهدوء لايشغل نفسه الا في النظر إلى نورانية الله.. فوقع على خفيف الفراهيدي.. يا شفاء النفوس من كل داء [c1] *** [/c]وضياء قد فاق كل ضياءيا كتاباً عزت به لغة الضا [c1] *** [/c]دوضاءت مجاهل الصحراءأعجز الدهر أنه ليس يفنى [c1] *** [/c]ومصير الوجود للإنتهاءكل آياته هدى وبيان [c1] *** [/c]وتفاصيل حكمة صماء بعض قصائده تفصح عن عميد في العشق ورقة الشوق والصبابة، قلب مفعم بهوى دفاق يسطره شعراً في لطافة ورقة النسيم ، وتارة يسقيك الهوى عشقاً فتخال أنك بقلب الحب تحيا لجمال الحب. طال التجني والمطال [c1] *** [/c]بعد التودد والوصالأسلمته قلبي الذي [c1] *** [/c]من هجره ذاق الوبال أدنيته بالأمس من [c1] *** [/c]نفسي فكان فكان لها الظلاليا ساحر النظرات في [c1] *** [/c]قلبي لحا ظك كالنبالأملي رضاك فلا يكن[c1] *** [/c]صعب رضاك فلا ينال والملاحي .. شعر يستوقفك منه هزة الدهشة والإعجاب، قصائد عشق تفجر الأشواق وتلهب العواطف، وهو فوق ذلك قلب مفعم بهوى دفاق يسطره شعراً صاف الينوع ، ولولا الحب ماهبط الندى يوماً على ليل البساتين. غريب الجمال بديع القوام [c1] *** [/c]له لفته الظبي عند الصباح إذا مر بالحي مستأنساً [c1] *** [/c]تبسم عن مبسم كالأقاح وحيا خجولا بإيماة [c1] *** [/c]وغض حياءً بأمضى سلاحأخاف عليه عيون الحسود [c1] *** [/c]وأشفق من نظرات الملاحوفي قول الملاحي ( أخاف عليه عيون الحسود) دلالة لمعنى بلاغي جميل يجرنا إلى القول بأن المرء ليكاد يقرأ في عين الحاسد مايسره خلف معسول الكلام وحلو البيان، كما أن في قوله، ( بأمض سلاح، ونظرات العيون)، معنى دلالي البلاغة يفصح عن أن للعين عند المحبين حديث آخر، فقتلى الهوى وجرحى الغرام أصابتهم جميعاً سهام النظرات الساحرة كما في قول الشاعر: إن العيون التي في طرفها حور[c1] *** [/c]قتلننا ثم لم يحيين قتلانا وقول آخر.. عيناك اخبرتاك عن قلب امرئً [c1] *** [/c]فعلت به عيناك مالم تعلم وعلى نحو كهذا أحسب أن المعنى الدلالي الشعري ينشأ عند الملاحي في تشكله وتجليه بما يسهل عليه ربط ذلك بالإفادة التعبيرية عند ربط الكلام بالمتكلم أو كانت الإفادة في شوطها الإبلاغي عند ربطه بمن وجه إليه. أما والعرب قالت، (قاتل الله الوشاة والحساد) ، تتساوى عندي حالة خوف الملاحي وحالة شعراء الغزل العذري من الحساد، وفي قول عميدهم تأكيد على ذلك.. ولو كان واش باليمامة بيته [c1] *** [/c]وداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا وللمدينة حضور في عاطفة الشعراء، فهي عند الشاعر أحمد حجازي انفعالية تفجر الاستجابة والتقلب المستمر في المكان والزمان لاكتشاف قلب المدينة والتعرف على إسرارها، وعند الشاعر «أمل دنقل» توظيف مشاهدها في القصيدة، وهي عند الشاعر الملاحي فضاء للحضور والحركة والحياة، وفيض حنين، وليالي شوق لضبضب ، ومدارج سمعون ، ورمال الخور وصخر النوبة، ومرتفعات تباله. مشتاقون إلى (ضضب ) ومدارج لهو في (سمعون ) وعشيات فوق رمال ( الخور ) الأهل يذكرها طير البحر وضجيج الموج على صخر (النوبة )أضنانا الشوق إلى النبع الفوار على مرتفعات (تباله) وفي غربته كان الشعر تعبيراً عن ظمأ لايرتوي وتشوق إلى الوطن، والهوى المتفتح على ضفاف الينبوع الأول دون أن يحبس الدمع يواسية الرصافي بقوله..أأمنع عيني أن تجود بدمعها [c1] *** [/c]على وطني إني إذن لبخيل ..غربة لا تفارقه فيها ريح عطرة من عبق الوطن الندي وذكريات تملأ النفس مسرة واشتجاناً وترحاً وبهجة وأملا ، يتعشق تنفس العودة كما يتنفس الصبح المتألق عن ضياء يروق العين ويفتح النفس. ولربما كان بقاؤه في السعودية عقب أحداث ( 26 يونيو 1978م) دونما حاجة لطلب اللجوء السياسي اصعب من رحلة الإنسان في عصور النبوة، عاش في غربته هذه حياة ساكن وانتظار ساكن لشيء يعرف أنه يحدث، ومن حسرة بعد كانت تتجدد كل ليلة، ووجيب غير مسموع ، عاد في الثمانينات إلى الوطن وألقى كل منهما ظلالاً من روحه على الآخر، وفيه استراح من التعب إلى حين ، وهذا بذاك ولاعتب على الزمن. والملاحي لا يقل شأنا عن نظرائه الممتلئين حناناً بالايقاع القديم إبداعاً إضافة إلى ما ترسخ في وعية من بلاغة الموروث وأسرار الأداء اللغوي جنباً إلى جنب الترجيعات الايقاعية التي تبرز الوزن في علاقته بالإلقاء الجماهيري.ومن شعره في سن الخامسة عشرة نختتم بهذه القدرة الشعرية الموزعة بين عواطف متأججة، ووجد واشتياق ، ونغم متدفق. قلب أبكيه وأندبه [c1] *** [/c]إذ اوهي الصدر توثبه قلب أبداً يحيادنفا [c1] *** [/c]لوعات الحب تذوبه يشقى بهواه وأن له [c1] *** [/c]هدفاً في الحب يهذبه لدن الأعطاف متى تحنو [c1] *** [/c]إذ أنت لقلبي مطلبه رحماك بواه مضطرب [c1] *** [/c]يفديك وأنت تعذبه هذا ماعندي حتى الآن عن الشاعر عبدالله عبدالكريم الملاحي وديوانه (الابحار إلى مدن الحب والسلام). اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين / عدن الجميلة الثلاثاء 19 يوينو 2007م .