احمد راجح سعيدالوصف الادبي يعتمد على بعدين اساسيين او نوعين رئيسيين حسي وخيالي فالاول يتناول المحسوسات فيصورها كما يفعل الرسام الماهر الذي يقتنص بريشته جمال الطبيعة ويجسمها بالالوان على لوحته فتبدو فاتنة تهوى اليها النفوس ويتنافس في اقتنائها اهل الذوق ولقد اجاد العرب في هذا النوع من الوصف فعنى الاقدمون بماله علاقة بحياتهم البدوية كالجمل والصحراء والسيف والخيل الطلول وجمال جسم الحبيب ولما جاء العصر العباسي تحول الوصف الى الرياض والقصور ومجالس اللهو والسرور وماشاكل من ظواهر الحضارة والترف وكذلك فعل الذين بعدهم ولا يزال الشعر العربي الى الان يعنى بالوصف الحي بل هو عام في ادب كل امة ويعد من ابواب الشعر الهامة .اما الوصف الخيالي قنطرة فنية الى ما وراء المحسوسات واذا كان الشاعر واسع الخيال لا يقف عند حد ما تقع عليه العين فقط بل يتعداه الى مناطق يفتحها امامه الخيال فيجعل من المرئيات اساساً لغيرها ويولد من المحسوسات صوراً محددة يرسمها للبشر تأملات وذكريات يقف في قلب الوادي مثلاً فيسمع فيه نبضات الحياة وتمر امامه على صفحات الماء حوادث الايام فبذكر الامم الغابرة والوقائع التاريخية وقد يحمله ذلك الى النظر في الحياة والانسان وكم تتسع الحياة لخواطر تشعر بها عند رؤيتنا لبعض المشاهد الطبيعية فالوصف الخيالي هو وصف التأثر الذي يحدثه فيك المنظر الحسي والتعبير عما يوحي اليك من خواطر وصور فكرية .وهذا النوع من الوصف قليل في الشعر العربي القديم وقلما اهتم به ادباء الاجيال الماضية ولذلك لم يتركوا لنا من اثارهم فيه الا النزر اليسير .اما اليوم فان الشعر الحديث شديد العناية به وهو يظهر في الوقفات الشعرية التي يقفها الشعراء لدى الاثار التاريخية او الانهار العظيمة او مآثر الاقدمين او عجائب الحضارة الجديدة فتحملهم المشاهد الى آفاق فكرية بعيدة يرون فيها مرعى خصباً لخيالاتهم كما نرى ذلك في هذه الابيات المؤثرة للشاعر الراحل الكبير " نزار قباني " والتي يبث فيها تشوقه ومشاعره الحزينه نحو تلك الايام الجميله التي جمعته بمدرسته وبلده سوريا ويتمنى لو انها تعود كما كانت الى سابق عهدها ثم يصور الشاعر تلك المأساة المركزية التي لحقت بالقضية الفلسطينية وكيف انها اصبحت في حكم التمني او الالتجاء من الضار الى ما هو اشد ضرر فيقول :ايا شام ان جراحي لاضفاف لها فامسحي عن جبيني الحزن والتعباوارجعيني الى اسوار مدرستي وارجعي الحبر والطبشور والكتبادمشق يا كنز احلامي ومروحتي اشكو العروبة ام اشكو لك القرباسقوا فلسطين احلاماً ملونة واطعموها سخيف القول والخطبا !ايا فلسطين من يهديك زنبقة ؟ ومن يعيد لك البيت الذي هربا ؟شردتي فوق رصيف الدمع باحثة عن الحنان ولكن ما وجدت ابا !
|
ثقافة
الوصف الحسي في الشعر العربي الحديث
أخبار متعلقة