إن من حق من يفجر أي ثورة لأجل أمته ان تشكره لأن تفجير الثورات عمل عظيم لايقدر عليه إلا العظماء. وفي الوقت نفسه فإن من حق من عمل على تحقيق أهداف الثورة لأجل أمته ان تشكره لأن ذلك أكثر عظمة من تفجير الثورة..فالثورات غاية في ذاتها ولكنها وسيلة لتحقيق أهداف عظيمة، ولايمكن ان تكون الوسيلة أعظم من الغاية.لقد أثبتت التجارب البشرية أن العديد ممن قادوا الثورات بنجاح قد فشلوا في تحقيق اهدافها، فمن المتفق عليه أن الثورات تكون ضرورية للتخلص من ظلم المستعمر الأجنبي ومن سطوة الجائر المحلي، ولقد أثبتت العديد من التجارب ان بعض من قادوا مثل هذه الثورات لتحقيق مثل هذه الأهداف قد سقطوا فريسة لنفوذ مستعمر آخر ،أو لنزواتهم الشخصية في التسلط على أبناء وطنهم بحجة حماية الثورة والحفاظ عليها وان كان ذلك بدون معنى او غاية.وبدلاً من ان تكون الثورة نعمة تتحول الى نقمة، لذلك فإن السعي والنجاح في تحقيق أهداف الثورة هو بدون شك أعظم من النجاح في تفجير الثورة مع الانحراف بها لتكون وسيلة قمع أشد من قمع المستعمر أو من المتسلط الذي سبقه الذي فجرت الثورة للتخلص منه.إننا اليوم ونحن نحتفل بأعياد الثورة اليمنية لابد أن نقف إجلالاً لمن فجرها،وخصوصاً أولئك الذين استشهدوا في عملية تفجيرها أو استشهدوا على أيدي بعض زملائهم الثوار لأنهم لم يتفقوا معهم على أسلوب السعي لتحقيق أهداف ثورتهم.وكذلك فإنه يجب علينا أن نقف إجلالاً لمن حمل راية الثورة ممن فجروها وسعى بجد لتحقيق أهدافها ونجح في ذلك، فعمل هؤلاء لاشك انه مكمل لعمل الثوار بل إنه أكثر صعوبة وتضحية، فعندما يبلغ الظلم الإمامي والاستعمار البريطاني مداه فإن معظم فئات الشعب تقف الى جانب من يتحدى ذلك ويسقطه مما يسهل على من قاموا بالثورة عملهم.لكن من الصعب تفهم متطلبات تحقيق الأهداف والتضحيات الضرورية لذلك، فإقناع الناس بالقيام بما يجب عليهم في سبيل ذلك مرض صعب للغاية وخصوصاً إذا لم يلجأ الساعون لتحقيق هذه الأهداف الى القوة والإجبار لفرض ذلك عليهم، إن ذلك يجعل من عملية كهذه أشد صعوبة وأكثر تضحية من تفجير الثورة نفسها.إن على مثل هؤلاء مواجهة تحديين قد لايواجههما من فجر الثورة، فالتحدي الأول يتمثل في الانتصار على النفس التواقة للسيطرة وللقوة للتغلب على المعارضين، اما التحدي الثاني فيكمن في مواجهة نكران البعض مع الاستمرار في بذل الجهود الجبارة لتحقيق أهداف الثورة.لعمري إن القلة القليلة من الناس هم القادرون على مواجهة هذين التحديين في آن واحد، ولذلك فإن فضلهم على أمتهم لابد وأن يكون كبيراً، ولعمري أن مثل هؤلاء يستحقون تقديراً أكبر ممن فجر الثورة وفشل في تحقيق أي من أهدافها.لايجادل احد في نجاح الثورة اليمنية في تحقيق الجزء الأصعب من أهدافها، ففي بداية الستينات كان جزء من اليمن يرزح تحت نظام استبدادي عنصري يمكن القول إنه كان من أسوأ الأنظمة التي عرفها التاريخ البشري.وكان الجزء الآخر يرزح تحت نظام استعماري استغلالي بشع، ولذلك فقد كان الشعب اليمني بأسره يعاني الظلم والحرمان والإذلال وبصدق ،فقد كانت الحياة في ظل هذه الظروف أسوأ بكثير من الموت.قامت الثورة اليمنية في 26 سبتمبر عام 1962م ،وفي 14 اكتوبر عام 1963م فقضت على الحكم الإمامي وأجبرت الاستعمار على الرحيل.لكن من بدأ فعليا في تحقيق أهداف الثورة اليمنية على أرض الواقع هو علي عبدالله صالح، فالتاريخ سيسجل له انه لم يكن خاضعاً لأي قوة غير يمنية وبالتالي فإنه لم يعمل لصالحها.والتاريخ سيسجل له أنه أول من وضع اللبنات الأولى للدولة اليمنية الحديثة غير المستبدة ،التي لاتسعى لممارسة الاستبداد ضد مواطنيها سواء باسم الحفاظ على الثورة او غير ذلك من الذرائع، وسيسجل له التاريخ أنه أول من سمح بالتعددية وانه أول من حمى معارضيه وكرمهم ولم يقتلهم حتى اذا عملوا ضده ،وسيسجل له التاريخ أنه أول من وصل الى السلطة عن طريق الانتخاب، وسيسجل له التاريخ أنه أول من بذل الجهود الصادقة لتحقيق الوحدة اليمنية وأول من سعى لتحويل اليمن الى دولة دستورية وأول من رعى التعددية الحزبية وأول من سعى الى تحقيق التنمية الاقتصادية.بفضل هذه الجهود الجبارة فإننا في اليمن اليوم نشعر بأننا دولة مستقلة وليست تابعة ،وان هدف حكومتها هو تحقيق الرفاهية لمواطنيها وإننا شركاء في هذا الوطن.بفضل هذه الجهود فإننا في اليمن نملك دستوراً ومنظومة قانونية ونظاماً تعليمياً ومؤسسة صحية ووسائل اتصالات حديثة وغير ذلك من مقومات الحياة العصرية.صحيح أننا في اليمن لم نصل بعد الى كل مانريد لكننا قد خطونا أهم وأصعب الخطوات في هذا الطريق.لذلك فإنه ينبغي أن نعترف بجميل فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح ومافعله لأجل اليمن، إن ذلك لايعني بأي حال المغالاة في رد الجميل الى درجة التقديس ولكنه ببساطة يعني ان نقف معه بصدق في هذا الطريق، إنه يعني ان نقدم له النصح والعون بدلاً من أن نتعمد وضع العراقيل والأشواك امام سعيه لتحقيق اهداف الثورة اليمنية، لأن ذلك بقدر مايعني نكران الجميل فإنه يعني قتل الذات بواسطة الذات.ولاشك انه لم يكن من ضمن أهداف الثورة اليمنية إبقاء اليمن متخلفاً إذا كان تقدمه قد يؤدي الى أن يحكمه آخرون غيرنا.
أخبار متعلقة