أبو أصيلبين سنوات ميلاده في مدينة غيل باوزير، واغترابه بدولة الكويت، كانت هناك ثورة من شجن وحنين لمسقط الرأس.. لم تخبوا ذات يوم جذوتها إلا بعد أن عاد ليستقر في عشه الهادئ.أسمعوه يقول :فارقتها والقلب عاده شاب ما يعرف عناءفارقتها وأشجار حبي قاربت دور الجناءفي وقتها ما كان شي ميزان أو شي كيلمن قال من في القلب والوجدان ؟ قلت : الغيلهكذا كان حال الشاعر الرقيق المشاعر أحمد سالم البيض إزاء مدينة جميلة سكنت في قلبه بهدوء، ومضت معه بمحبة إلى موطن اغترابه، لكنها وفي كل مساء، كانت تأتي وترتسم أمام ناظريه وبصورٍ مختلفة.ها هو يناشد المسافرين إليها :شلني يا المسافر ديرة أهلي وناسيودني الغيل مهد الحب وكنان رأسيال بعدي وزادت غيبتي سنين وسنينلكن شاعرنا البيض يدرك أنّ المسفر إلى مدينته يستحيل أن ينفذ طلبه، ولهذا لا يملك إلا يبعث معه رسالة إلى الغيل تحمل اعتذارًا لطيفًا، يقول :بلغوا الغيل أنّه كان نفسي كماكمنلتقي فوق ترتبها وتخطي خطاكمدعوتي من دعاكم يجمع الشمل وبي بعد كل المقاساهوذات يوم تأتي إليه الغيل في شكل ذكرى.. وفي شكل حبيب.. يقول :والغيل لا ذكرتها سالت دموعي وفاجأني البكاء والنحيبفيها حبيب الصبا شمعة فؤادي ومن غيره فؤادي كئيبوعن هذه الصورة يقول الأستاذ/ عبد الرحمن عبد الكريم الملاحي في مقدمته لديوان الشاعر أحمد سالم البيض : "حنين مغترب" :ما هذه الصورة المطلية بلون الحنين؟! أبعادها شوق وتلهف، وملامحها ألم وتوجع، تنطبع في أذهاننا صورة الشوق إلى الأهل ومراتع الصبا من أول وهلة، نظرة تقع عليها العين، ومن ثمّ تشاهد صورة المحبوب مترديًا في ركن منها، فلم يكن نقطة الارتكاز كما يقال في رسم موضوع هذه الصورة.. ولكن الأهل بما فيهم الحبيب، هم النبع الفيّاض لجدول الحب الجاري".كما نجد في أشعار البيض أنّ مدينته الغيل والحبيب وجهان لعملةٍ واحدة قاسمهما المشترك الشوق والمودة والوفاء، يقول :ما شافت حد مثلك أنا بين البشرلا في سعاد الشحر أو بندر عمرفي الغيل بس وحدك وهم نعم المقرلي باقي بعد الجدودوهذا الاستثناء لمدينة الغيل لا يعني بأي حالٍ من الأحوال التقليل من شأن مدينتي الشحر "سعاد" والمكلا "بندر عمر"، ذلك أنّ في قصيدته والموسومة بـ "يا بلادي" شكلت المكلا والشحر والغيل ثلاثية عطاء جميل للوطن، يقول شاعرنا البيض :للمكلا دور وافيفي غناء اللحن الجميلصاغت الشحر القوافيوأنشده بالغيل جيلوالخُلاصة :لقد كانت، وستظل مدينة غيل باوزير بكل سرها، وألقها، وألوانها، مصدر حنين لا ينضب في وجدان الشاعر أحمد سالم البيض، ولهذا، وعندما عاد إليها بعد غياب طويل لخص لنا في قصيدته الآتية شيئًا مشتركًا من ذاته وذات المدينة العابقة بشدى الحناء .. يقول :من بعد غيبة طويلة عدت لك يالغيلوقطعت آلاف في آلام كم بالميلقصدي أزور الحبايبسنتين لي كنت غائبماسك بحبل الأمل في صبر ما له حدودمهما يطول الزمن الحي لازم يعود* * * *في ترتبك كل شجرة قول شجره هيلوروائح الورد تتهادى نصيف الليل تنفح بريح الأطايبليهم لهم رأي صائبأحلى جمال الهوى فيك وحلو الخدود
|
ثقافة
الغيل .. المدينة .. والبيض .. العاشق
أخبار متعلقة