استطلاع / أيمن بجاش - بسام عبدالسلام تعد «صهاريج الطويلة » في عدن من ابرز المعالم التاريخية والسياحية التي يحرص على زيارتها الزوار المحليين والسياح الأجانب القادمون الى مدينة عدن، وتدل على عمق الحضارة اليمنية القديمة التي قامت على هذا الجزء الغالي من الوطن. واختلفت المصادر التاريخية في تحديد الوقت الذي تم فيه بناء صهاريج الطويلة، فلم يجد الدارسون والباحثون الأثريون أي سند أو نقوش أو دلالة تشير الى تاريخ بنائها، ولكن القول الغالب أن بناءها مر بمراحل تاريخية متعددة كان أولها في القرن الخامس عشر قبل الميلاد في عهد السبئيين وتقع صهاريج الطويلة في مدينة كريتر بمديرية صيرة وتحديدا في وادي الطويلة على امتداد خط مائل من الجهة الشمالية الغربية للمدينة التي تقع أسفل مصبات هضبة عدن المرتفعة حوالي 800 قدم عن سطح البحر. وتأخذ هذه الهضبة شكلاً شبه دائري حيث يقع المصب عند رأس وادي الطويلة وتتصل الصهاريج بعضها ببعضاًبشكل سلسلة وقد شيدت على مضيق يبلغ طوله 750 قدماً تقريباً، ويحيط بها جبل شمسان بشكل دائري مع وجود منفذ يؤدي لمدينة كريتر .[c1]تسميتها ووصفها[/c]وكلمة ( صهريج ) لفظة مستعربة من اللغة الفارسية وتعني : حوض الماء . وأشار عدد من المؤرخين والرحالة الى ان كلمة “صهاريج” قد تعني عدداً من المسميات التي يقصد بها مكان حفظ المياه، فقد وصفها الهمداني في كتابه “صفة الجزيرة العربية” أثناء تناوله لتاريخ مدينة عدن بأنها (بؤرة) والبؤرة في لغة القواميس هي”الحفرة” .اما ابن المجاور فقد بين معنى صهريج في كتابه “تاريخ المستبصر” بأنها عمارة الفرس عند بئر الزعفران وقصد بها حوض المياه .. فيما قال الرحالة العربي ابن بطوطة في كتابه “تحفة النظار” بعد زيارته لمدينة عدن (... وبها صهاريج يجمع فيها الماء أيام المطر ...) .فيما وصفها الرحالة والأديب اللبناني أمين الريحاني بأن (هذه الخزانات من أجمل الأعمال الهندسية في العالم ) .وتعد صهاريج الطويلة مأثرة معمارية هندسية تبرهن على مابلغه الإنسان اليمني القديم من رقي وتقدم في ابتكاره لما يلبي احتياجاته في العصور القديمة، فكما استطاع بناء السدود والمدرجات الزراعية الجبلية بنى كذلك- الصهاريج كنظام مائي متطور لبى احتياجات عصره واستمرت حتى اليوم شاهداً حضارياً يستمد منه شعبنا اليمني في العصر الحديث دروساً وعبر.ولصهاريج الطويلة أهداف متعددة تختلف عن أهداف الصهاريج الأخرى التي اقتصرت وظيفتها على خزن المياه وحفظها .. فصهاريج الطويلة تقوم بتوفير المياه وجمعها لتكون في متناول المستهلك وهو نظام يكشف عن براعة فريدة في كيفية تلقف الماء عبر جدران حاجزة منحوتة بصخور الجبل أو مبنية بالحجارة والقضاض تقوم بثلاث مهمات تلقف الماء، وحجز الحجارة والطمي الساقط مع الشلالات ، وتوجيه الماء عبر سلسلة من هذه الجدران لتصريفه إلى حيث تكون الحاجة . ويغفل بعضهم عنم ظيفة الصهاريج الأساسية والمهمة في الوقت نفسه والمتمثلة في حماية المدينة من كوارث السيول والأمطار لامتصاص حدة اندفاعها وحفظ المياه في الصهاريج للاستفادة منها في أعمال الري وتغذية الآبار الجوفية .ويقدر الباحثون عدد صهاريج الطويلة بنحو 50 صهريجا معظمها مطمور تحت الأرض أو أصابه الخراب، وما هو قائم منها لا يزيد على 18 صهريجا فقط تستوعب نحو 20 مليون جالون .. وتستقبل صهاريج الطويلة سنويا عشرات الآلاف من الزوار والسياح العرب والأجانب لغرض الاطلاع على مكوناتها المدهشة وخزاناتها ومتحفها . [c1]تحفة صنعها الإنسان[/c]خلال تجوال مندوبي وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) في صهاريج الطويلة استطلعا آراء عدد من السياح العرب والأجانب حول الصهاريج، حيث قال سائح سعودي “ان صهاريج عدن تحفة صنعها الإنسان وتفنن في إقامتها في ارض الرحمن” .. مشيرا الى ان اليمن تحظى بحماية الله في كل زمان لما تمتاز به اليمن من حب للإيمان وأبناءها من حكمة ورجاحة عقل .. مذكراً بقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “الإيمان يمان والحكمة يمانية”. [c1] صهاريج عدن فن معماري نادر[/c]وقال سائح قطري يزور عدن لأول مرة “ان الصهاريج بناء عظيم ونادر وهي تفيد الماضي والحاضر وستفيد المستقبل .. وحث على الاعتناء بها والمحافظة عليها فنادرا ما توجد في الدول مثل هذه الصهاريج التي تفيد في أوقات الجفاف” .. مشددا على ضرورة الاعتناء بنظافتها حتى تكون صالحة لتلبية كافة الاحتياجات المعيشية . ووافق السائح البريطاني رأي السائح القطري من حيث النظافة فأضافت قائلا “ يجب الالتفات والاهتمام بنظافة الصهاريج حتى تكون مكان للجذب السياحي. [c1]..أرض طيبة ورب غفور[/c] زائر مصري قال “اعتقد ان قوله تعالى (ارض طيبة ورب غفور) عن مدينة عدن لما تتمتع به من معالم تدل على إنها كانت مدينة لا ينضب منها الماء لوجود صهاريج الطويلة العظيمة ..وأضاف: قال عز وجل في اية أخرى (وجعلنا من الماء كل شيء حيّ) فمع ما تتمتع به المدينة من موقع جغرافي استراتيجي على مدخل باب المندب تجذب الطامعين إليها فهي ايضا مدينة تتمتع بهذه الصهاريج التي يمكن ان تمد جيش جرار بما يكفيه من الماء دون ان ينضب” . [c1].. الأجداد كانوا يفكرون جيداً[/c] عدد من السياح اليابانيين أشاروا وهم يتطلعون لمعالم عدن الى ان الصهاريج تحفة معمارية وهندسة بنائية تدل على حنكة اليمنيين الذين كانوا يفكرون جيدا .. ونوهوا بأن الصهاريج ستخدم اليمن مستقبلا في حال وجود أزمة مياه. وأضافوا “زرنا عدن أكثر من مرة ولا يمكن ان نخرج منها دون زيارة الصهاريج للتعرف على حالها ورؤية منسوب المياه فيها ولدينا صور كثيرة في الصهاريج ونتحدث عنها في بلادنا على انها ميراث الأجداد للأبناء في اليمن .[c1] .. أتمنى لو كانت الصهاريج في بلادي[/c]من جانبه تمنى سائح ايطالي ان تكون هذه الصهاريج في بلاده حتى يتسنى له الاعتناء بها والمساعدة على نظافتها .وأضاف “انا أحب هذا المكان وزرته أكثر من مرة ويشعرني بأنه مكان للتفكر في صنع الإنسان وكيف ان الرب سخر له العقل ليصنع مثل هذه الخزانات التي تحميه من العطش والجفاف . زوجة السائح الايطالي أضافت على كلام زوجها قائلة “أتمنى من المسؤولين ان يهتموا بنظافة هذه الصهاريج العظيمة والخزانات العملاقة فقد زرت الصهاريج مع زوجي أكثر من مرة وأعجبت بطريقة عمارة هذه الأحواض” . فيما قال عدد من أعضاء فوج سياحي نيوزلاندي “الصهاريج جميلة ونحن نعشق هذا المكان ونحب زيارته على الدوام ونشعر عندما نكون هنا ونرى هذه التحفة ان الإنسان اليمني يتمتع بتفكير راقً وينظر الى المستقبل .. [c1]الجهود المبذولة للاعتناء بالصهاريج[/c] هناك جهود دولية ومحلية لإعادة تأهيل الصهاريج وبما يمكنها من استعادة دورها المزدوج كمعلم تاريخي اثري ذي أبعاد سياحية من ناحية، وكأداة وظيفية لخزن وتصريف مياه السيول والأمطار .. كما تقوم السلطة المحلية في المحافظة بأعمال الترميمات والصيانة لهذه الصهاريج من خزانات وممرات داخلية والحديقة الموجودة فيها بالإضافة الى تقوية الإنارة .وكانت الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية بالتعاون مع شركة بريطانية قد عملت على تنظيف قنوات تصريف المياه التي تمتد من الصهاريج مرورا بوسط المدينة وانتهاء بساحل البحر من الأتربة والأحجار ومخلفات السيول التي تراكمت عشرات السنين، وبلغت تكاليف هذا العمل مليون ريال، بالإضافة الى تنظيف الصهاريج من تراكمات الأتربة، حيث جرى رفع عشرة آلاف طن من المخلفات بتكلفة بلغت 120 ألف دولار .. كما قامت الهيئة مؤخراً باستيراد /15/ من أجهزة القياس الجوي المتطورة التي ستعمل على رصد تراكم السحب الممطرة ومعدلات هطولها وكميات المياه الناتجة عنها، من ثم إعداد الصهاريج وتشغيلها بناء على أرقام ومعلومات دقيقة . وتسير أعمال تأهيل صهاريج الطويلة قدما في إطار برنامج عمل ميداني أعده خبراء من منظمة “اليونسكو” والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، كجزء من حملة دولية تهدف الى إعادة تأهيل هذه المستودعات للاستفادة منها وظيفيا وسياحيا.
صهاريج الطويلة أبرز المعالم التاريخية والسياحية في عدن
أخبار متعلقة