إعداد /د. محمد أحمد الدبعي :للصحة الإنجابية حضور يفرض على المجتمع ـ لأهميتها ـ التزود بالمعلومات والمعرفة الكافية ففي مؤتمر القاهرة للسكان في عام 1994م أتفق على تعريف للصحة الإنجابية مفاده أنها " حالة السلامة الكاملة بدنياً وعقلياً واجتماعياً في جميع الأمور المتعلقة بالجهاز التناسلي ووظائفه وعملياته، وليس مجرد السلامة من المرض أو الإعاقة" ، هذا هو التعريف المتفق عليه.فحوى هذا ضمان سلامة الأمهات وضمان سلامة مولود سليم من أم صحيحة والحد من وفيات الأمهات التي لا زالت في اليمن ذات نسبة عالية، فبحسب التقديرات فإنها تصل إلى (366) امرأة من كل (100 ألف ولادة حية في اليمن ).والتطرق لمثل هذا الموضوع يلزمه فهم هذه المؤثرات والقدرة على التعامل معها وتجاوز المشاكل والمعوقات لتحسن أوضاع الصحة الإنجابية في المجتمع ورفع استخدام وسائل تنظيم الأسرة.وسيتركز حديثنا حول مكون هام من مكونات الصحة الإنجابية وإحدى السبل الهامة لحفظ صحة الأمهات وخفض نسبة وفيات الأمهات والمواليد.. إنها تنظيم الأسرة بخياراتها المتعددة..إذ ثمة مشاكل كثيرة قد تصيب الأم وأيضاً الطفل، فمن ناحية الرضاعة إذا حملت الأم في أقل من سنتين، لا يحصل الطفل على الرضاعة الطبيعية الكاملة التي لا عوض ولا غنى له عنها لو لجأت الأم إلى الحليب الصناعي المجفف أو حليب الأبقار ، ذلك أن فوائدها فريدة ، تساعد الطفل الرضيع على النمو بصورة طبيعية وإكسابه مناعة طبيعية ضد الكثير من الأمراض الخطيرة.وإنها لتتيح للأم فرصة كاملة لاستعادة فسيولوجية جسمها بعد الحمل وتعود إلى حالتها الطبيعية ولا يكون ذلك في أقل من سنتين ، كذلك الطفل القادم إذا حملت به في أقل من سنتين ، على ولادتها السابقة سيتأثر بمسألة تتابع الحمل من خلال صور كثيرة ، ومن ثم يولد ناقص الوزن أو يولد مبكراً( قبل 9 أشهر).ولو أمعنا النظر من حولنا، يحكي الواقع نفسه مشاكل كثيرة صحية ونفسية تحدث لبعض الأمهات وبعض الأطفال بسبب المضاعفات التي تترتب على الأحمال المتكررة التي تصاب بها الأم ، كفقر الدم وهشاشة العظام وحالة التوتر العصبي والنفسي والقلق المتواصل.تخيل أن يكون لدى الأم طفلين يرضعان في نفس الوقت .. أحدهما لم يكمل عامه الأول من العمر بعد ، والآخر ولد حديثاً ، وكلاهما يرضعان وبحاجة إلى اهتمام متواصل وعناية كثيفة ، من نظافة وأكل وترفيه ؛ ناهيك عن البكاء في الليل الذي تضطر معه الأم والأب للسهر وما يشكله هذا من تأثيرات نفسية تشكل بؤرة خلاف بين الزوجين ، قد تصل ـ لا قدر الله ـ إلى مشاكل كبيرة مزعزعة للاستقرار الأسري ، فالمباعدة ضرورية جداً للأم والطفل والزوج والأسرة بل والمجتمع أيضاً ، فالمجتمع عبارة عن مجموعة أسر إذا سعدت سعد المجتمع كله.وليس كل وسيلة لتنظيم الأسرة ( تأجيل الإنجاب) مناسبة لكل الأمهات، كما أن الوسيلة الواحدة غير مناسبة للمرأة طيلة فترة خصوبتها، عدا عن ضرورة الكشف عن الأم المنتفعة التي ترغب في استخدام وسيلة لتأجيل الإنجاب للتأكد من خلوها من بعض الأمراض المانعة لاستخدام الوسيلة التي ترغب بها.وتنقسم هذه الوسائل حسب الكفاءة إلى نوعين رئيسيين:- وسائل تعتمد على الاستخدام الشخصي، وتتسم بكفاءة عالية إذا استخدمت بانضباط كالوسائل العازلة والحقن والحبوب الهرمونية (أحادية الهرمون ـ ثنائية الهرمون ) .- وسائل أخرى تعتمد على كوادر مدربة، تتميز بكفاءة عالية مثل (اللولب ـ الغرسات ) .ومن أرادت استخدام إحدى هذه الوسائل من الأمهات، ما عليها إلا الذهاب إلى الطبيبة أو إلى أقرب مرفق صحي يقدم خدمات الصحة الإنجابية ، حتى بالنسبة للمناطق النائية والمحافظات البعيدة، ففيها تقدم للأم المنتفعة الوسيلة والطريقة التي تناسبها.وإّذا أتينا إلى ذكر الحبوب الأحادية الهرمونية ، فهي مخصصة أساسياً للمرأة المرضعة، تأخذها بعد أتمامها فترة النفاس إلى أن يصل عمر وليدها ستة أشهر، وخلال هذه المدة يمكن أن ترضع الأم طفلها من دون أن تؤثر الحبوب الأحادية على حليبها مطلقاً أو على صحة الطفل الرضيع.وتقل فاعلية الحبوب الأحادية بعد الشهر السادس على الولادة ، وحينئذ لا تكون مضمونة لتأجيل الإنجاب.أما الحبوب الثنائية الهرمون ، وحسب المصادر الطبية لها فوائد كبيرة قد تكون علاجية للمرأة التي تعاني من عسر الطمث أو من آلام أثناء الدورة الشهرية وتفيد في تنظيم الدورة، كما تقلل من أمراض كثيرة كالسرطان الرحم وسرطان المبيض وأورام الثدي الحميدة.وتستطيع أن تستخدمها بعض النساء وليس كل النساء ، إذ لا يسمح باستخدامها من قبل النساء اللواتي يعانين من أمراض السكر أو الكبد أو القلب أو ارتفاع ضغط الدم أو الدوالي أو من لديها جلطة سابقة أو حصل لها مرض في الدماغ ومن يستخدمن أدوية السل أو الصرع.إضافة إلى أنه يفضل للأم التي تجاوزت الثلاثين من العمر عدم استخدامها الحبوب الهرمونية ، ولديها وسائل كثيرة غيرها لتستخدم واحدة منها، مثل ( اللولب ـ الغرسات ـ العزل الموضعي التي تضعه المرأة في المهبل).وبمقدور جميع النساء استخدام اللولب، باستثناء اللواتي لم ينجبن بعد ومن لديها تشوه خلقي في الرحم أو نزيف أو التهابات في الرحم، حيث يمكن تركيبه للمرأة بعد الولادة مباشرة أو في اليوم الخامس للدورة الشهرية ليبقى في الرحم لمدة عشر سنوات أو إلى أن ترغب المرأة بإزالته.ومن عيوبه أنه يولد الشعور بالألم لدى بعض النساء أثناء الدورة الشهرية مع نزول بقع الدم بعد تركيبه لمدة شهر أو شهرين دون مشكلة.وهذه الوسيلة مناسبة للمرأة في الريف أو في المدينة على السواء، وليس صحيحاً ما أخذ على محمل الظن عند البعض بأن بعض النساء في الريف لا تستطيع استخدام اللولب لما يقمن به من أعمال شاقة وما يحملنه من أحمال ثقيلة وكثيرة.. قطعاً لا علاقة للولب بهذه الأشياء ، سواء ركبته قابلة أو طبيبة.كما ليس له أي مضاعفات هرمونية ، لأنه عبارة عن مانع حمل موضعي تستخدمه حتى من لديها أمراض ، مثل الضغط السكر وما إلى ذلك.نعود إلى الوسائل الهرمونية وبالتحديد إلى الحقن ، حيث يمكن للمرأة استعمالها مرة كل ثلاثة أشهر في العضلة العلوية الأمامية للذراع، وتأثيرها يومي طيلة تلك المدة ، ثم ينتهي مفعولها بعد انقضاء الثلاثة أشهر على استخدامها مباشرة.غير أن من حدثت لها جلطة دماغية أو جلطة في الأوردة أو جلطة في الرجلين حديثة أو من تعاني من أمراض القلب، لا ينصح الأطباء باستخدامها لهذه الحقن ، ويشمل المنع كذلك من لم تنجب بعد وترغب في إنجاب أطفال في المستقبل القريب ، ومن تعاني من التهاب كبدي ، أو من أورام الكبد أو الثدي أو الجهاز التناسلي أو أي مشاكل في الكبد، إضافة إلى ذلك من تتعاطي أدوية مرض السل أو أدوية الصرع.وبالتالي يجب على المنتفعة في أحوال كهذه استخدام وسيلة أخرى مناسبة بعد استشارة الطبيبة ، طالما أن الكثير من وسائل تأجيل الإنجاب متاحة.ولا مانع من أن تستخدمها المرأة المرضعة دون أن تؤثر لديها على الرضاعة الطبيعية نهائياً.ومما يميز الحقن أنها لا تحتاج إلى استشارة دائمة ويمكن للمرأة أن تأخذها بمفردها أو بمساعدة غيرها في المنزل.أيضاً هناك الغرسات وهي عبارة عن كبسولة واحدة توضع تحت الجلد، تأخذها بمفردها أو بمساعدة غيرها في المنزل.أيضاً هناك الغرسات وهي عبارة عن كبسولة واحدة توضع تحت الجلد تأخذها المرأة لمدة ثلاث سنوات ويسمح بها للمرأة المرضعة دون استثناء أي منتفعة.وقد بدأت بست غرسات فيما مضى ، ثم اختزلت إلى غرستين ، ثم إلى غرسة واحدة.الأمر الآخر لابد من المشورة الطبية وأن تلتمسها المنتفعة من مقدم الخدمة( طبيب أو طبيبة أو قابلة) قبل الشروع في استخدام وسيلة لتنظيم الأسرة، لأن العمر له حكمه وأيضاً الإصابة بالأمراض أو وجود تشوهات خلقية في الأجزاء التناسلية.ودور المشورة أو الاستشارة هنا يكمن في المساعدة على الاختيار الموفق للوسيلة ومشاكلها وشرح طريقة الاستخدام أو التعامل، وتوضيح نسبة نجاح وفاعلية الوسيلة ومشاكلها والأعراض الجانبية المترتبة على ذلك، وما يتعين عمله إذا وجدت المنتفعة في وسيلة تأجيل الإنجاب مشكلة ، ومتى عليها وقف استخدامها واللجوء إلى الطبيبة إذا ظهرت لديها مضاعفات.وفي مجتمعنا مسألة التراضي بين الزوجين أمر ضروري، بحكم أن الرجل هو الولي الشرعي للمرأة ويحبذ ألا تحصل مشاكل أسرية تضطر معها المنتفعة لإلغاء الوسيلة نفسها.وحق الزوجين في اختيار وسيلة لتنظيم الأسرة( تأجيل الإنجاب ) يأتي بالتراضي بينهما دون إكراه على اختيار واستخدام وسيلة مشروعة ومأمونة لتأجيل الحمل ، بما يتناسب مع ظروف الزوجين الاقتصادية والصحية والاجتماعية وفي نطاق المسؤولية نحو أولادهما وأنفسهما.وحتى يتحقق رضا الزوجين يفضل اجتماع الاثنين لدى مقدم الخدمة لتقدم لهما النصائح والمعلومات عن وسائل تنظيم الأسرة ومنافعها ومشاكلها، ومن ثم يكون الاختيار للوسيلة المناسبة موفقاً.ختاماً.. جميع وسائل تأجيل الإنجاب متوفرة في اليمن وفي متناول الجميع بالمجان ،بناءً على القرار الذي اتخذته وزارة الصحة العامة والسكان بمجانية وسائل تأجيل الإنجاب (تنظيم الأسرة ) لدى تلقيها توجيهات من الأخ الرئيس / علي عبد الله صالح ـ حفظه الله ـ بهذا الخصوص.ونؤكد على ضرورة التزام الأم المنتفعة باستخدام وسيلة تأجيل الإنجاب الهرمونية ، فسوء الاستخدام له تأثير سلبي كبير على صحتها وعلى الطفل أيضاً، لكن التأثير الأكبر يكون على الأم لعدم استخدامها الوسيلة الاستخدام الصحيح.وأكثر مشكلة تحدث لها، الحمل غير المرغوب فيه لو أخذت مثلاً الحبوب بصورة متقطعة أو أخذت معها المضادات الحيوية أو أي شيء آخر يقلل من فاعلية الحبوب.
خـيـارات تـأجيـل الإنجاب
أخبار متعلقة