عدن في شعر د.محمد عبده غانم
إذا كان جمال شواطئ عدن هو الذي دفع الشاعر د.محمد عبده غانم رحمه الله عام 1946 إلى تسمية ديوانه الأول "على الشاطئ المسحور" فهو الذي دفعه أيضاً عام 1962 إلى تسمية ديوانه الثاني الذي نشرته دار المعارف بمصر "موج وضحى" فمن الواضح تأثير سحر شواطئ عدن على الشاعر.كان غانم قد كتب مقدمة الديوان الأول بنفسه وشرح فيها سبب استعماله الاسم المستعار "صدى صيرة" عندما كان ينشر قصائده في البداية على صفحات صحيفة "فتاة الجزيرة" قائلاً: "كانت غايتي من هذا الاسم المستعار أن أفسح المجال لنفسي في الإنتاج ولغيري في النقد،لعلمي أن الناس في عدن يهتمون بمن يقول أكثر مما يهتمون بما يقال "أما مقدمة الديوان الثاني فقد كتبها الأديب البحريني الكبير إبراهيم العريض رحمه الله وهو الشخص الذي ترأس مجلس البحرين الوطني التأسيسي في أوائل السبعينات إلا أن العملية الديمقراطية في البحرين تأجلت بعد ذلك لسنوات طوال.ولا شك أن المقدمة كانت قطعة أدبية نقدية راقية أشار فيها العريض إلى قصيدتين كان قد أختارهما لمختاراته من الشعر العربي بين 1900و1950 وهماً أنشودة البدر التي تحدثنا عنها في حديثنا عن الديوان الأول،وقصيدة "أنت عندي" التي يعرفها اليمنيون باسم أغنية "عذبيني" التي لحنها وغناها الفنان اليمني الكبير الراحل أحمد بن أحمد قاسم رحمه الله في فلم "حبي في القاهرة" والذي ربما كان أول فلم روائي ببطولة فنان يمني.ويقول العريض: "أما الناحية الإنسانية التي هي غاية الغايات فهي أشد برواز في مثل قصيدته "حديث الجماجم" وفي هذه الزهرات الكثيرة التي نشرها الشاعر بين يدي صغاره والتي تضفي على شعوره بالإنسانية معنى شعرياً هو خليق به.بقي أمر الصياغة،والشاعر هنا قد وفق حقا في الجمع بين رصانة القديم وطلاوة الحديث في أسلوبه السلس..." ويخبرنا غانم في مقدمته لأعماله الكاملة التي صدرت عن دار العودة:"ولما عدت إلى عدن وتزوجت كان من أول ما كتبت قصيدتي التي قلتها في زوجتي بعنوان "أنت عندي" ونشرتها صحيفة فتاة الجزيرة..".والحقيقة انه كتب أيضاً قصيدة أفضل منها في نفس الفترة بعنوان "أنين" يقول في مطلعها: ست تمشين على الأرض ولكن فوق قلبيتلك أنغام خطى قد مازحت روحي ولبى وأنغام الخطى تكشف بوضوح انه يتحدث عن زوجته التي تعيش معه وتنقل خطوها في المنزل.وقصيدة أنين ترجم النصف الثاني منها المستشرق الكبير آرثر آربري الذي عرف بترجمته الشهيرة لمعاني القرآن وللمعلقات وقد زرته مع والدي عام 1960 في منزله بجامعة كامبردج قبيل وفاته والقصيدة في أحد كتبه.ولا أدري لماذا رأى آربري أن يترجم النصف الثاني من القصيدة دون النصف الأول وهو الأجمل وقد قمت بترجمة النصف الأول من القصيدة في أواخر الثمانينات ونشرتها في إحدى الصحف في الخليج فأثارت اهتماما كبيراً وتسلمت الصحيفة رسائل من القراء بخصوصها.كيف لا وفيها مثل هذه الأبيات الرائعة:[c1]لست أدري ما الذين تخشين مني..لست أدري وأنا الشاعر لا أرضى لمخلوق بضر أنا لولا لوعتي صنتك في قلبي كسريومنعت القلب أن يخفق حتى لا تضري[/c]وأذكر أنني ترجمت شفوياً بعض أشعاري وأشعار الشعراء العرب وهذه الأبيات لشاعره إنكليزية في منتصف الستينات من القرن الماضي في لندن فكانت هذه الأبيات أكثر ما أثار اهتمامها وطلبت مني أن أترجم لها مزيداً من شعر والدي فقط.وفي مقالتي السابقة ركزت على تأثير المكان على والدي وبشكل خاص "صيرة" و"شمسان" ولذلك لم أتحدث عن قصائده أمثال "أنين" و"أنت عندي" و"حديث الجماجم" وهي جميعها من ديوان "على الشاطئ المسحور" الذي كان قد نفذ من زمن طويل فأعاد نشرها والدي في "موج وصخر".وحسنا فعل،فعندما كتب الأديب العراقي الكبير هلال ناجي كتابه "شعراء اليمن المعاصرون" لم يقع في يديه من شعر والدي إلا هذا الديوان ولكنه كان كافياً ليقول! "وبعد فإن أبرز ميزة يكشف عنها الديوان هي قدرة الشاعر على رسم اللوحة.." ويقول"ومهما قيل فإن غانما هو من الرؤوس الشاعرة الضخمة في جنوب اليمن."والحقيقة أن ديوان «موج وصخر» هو الديوان الأثير على قلبي بين دواوين والدي السبعة وذلك لعدة أسباب.أولها أنني ساهمت مساهمة كبيرة في جمع قصائد الديوان من صفحات "فتاة الجزيرة" إذا كنت وأنا في أواخر مرحلة الدراسة الثانوية أذهب إلى دار الصحيفة وأقعد على طاولة أمام جدي المحامي محمد على لقمان رحمة الله صاحب الصحيفة وانقل قصائد والدي من مجلدات الصحيفة لساعات(قبل اكتشاف تصوير الوثائق بسنين طويلة) حتى أشفق علي والدي وعلى دراستي فأمرني بالتوقف عن ذلك وتوقفت مرغماً.والسبب الثاني أنني أثرت على والدي في اختيار القصائد التي أعيد نشرها من الديوان الأول وأيضاً القصائد التي لن تكن قد نشرت في ذلك الديوان فقد كان والدي يثق بذوقي ويستأنس برأيي في مجال الشعر.(أما في أواخر عمره فقد كان يبعث لي بقصائده الجديدة إلى الخليج قائلاً عدلها كما تشاء وانشرها حيث شئت وحيث ترى مناسبا.وهي ولا شك أهم شهادة شعرية أعتز بها أ:ثر من بعض الجوائز الشعرية التي نلتها وما كنت في الحقيقة لأتجرأ على تعديل شعره وهو أستاذي الأول).والسبب الثالث لمحبتي لهذا الديوان أنه صدر في فترة تطوري في كتابة الشعر في مرحلة الجامعة والديوان يتحدث عن تجربة الغربة في أوروبا في كثير من قصائده وهي التجربة التي كنت أخوضها في ذلك الزمن تبدأ القصائد الجديدة في الديوان من الصفحة 53 بقصيدة "المنى الخاطف" التي ألقاها الشاعر في تكريم شاعر لحج ومؤسس الأغنية اللحجية الأمير أحمد فضل العبدلي المشهور "بالقمندان"لأنه كان قائد جيش لحج وهو الشاعر الملحن وباني بستان الحسيني المعروف في لحج.ومنها:لقد هز مسان لحن حسـن [c1] *** [/c] تغـنى به طيـر وادي تـبـنأعاد إلى الذهـن ماضي عدن [c1] *** [/c] ومجداً لهـا من قديم الزمنوكما ذكرت في كتابي "من شعراء الأغنية اليمنية" كان غانم قد كتب كلمات أغنية(لعلها أول أغنية لغانم) أهداها للقمندان الذي قام بتلحينها ثم بعزفها وغنائها شخصياً بحضور غانم والقمندان ما كان يعزف ويغني إطلاقا إلا في حضور خاصة خاصته ومن كلماتها:قد نزلنا بلحج أهلا وسهلا[c1] *** [/c]وغدونا بحسنها نتملىومن قصائد الحنين إلى عدن الهامة في الديوان قصيدة "اغتراب أب" التي كتبها الشاعر عام 1949 في لندن عندما بلغه أن نجله الأكبر قيساً(وهو الآن مهاجر في كندا حيث احتل رئاسة جمعية أطباء الأعصاب ورئاسة جمعية الخريجين العرب وهو من الناشطين هناك في حقوق الفلسطينيين وفي الدفاع عن قضايا العرب والمسلمين وحقوق الإنسان وهو شاعر يكتب الشعر بالعربية الإنكليزية وله بعض المؤلفات الطبية بل أن إحدى الأعراض المتزامنة لمرض الصرع قد أطلق اسمه عليها لأنه أول من كتب بحثاً عنها وهو مؤلف الأغنية العدنية المعروفة "الزين جزع مرة"التي لحنها وغناها الفنان اليمني الكبير سالم أحمد با مدهف) ومما قاله غانم في قصيدته :[c1]عشت يا قيس وعاشت فيك آمال البلادفلقد حققت السبق أماني الفؤادأين مثلي اليوم في الآباء مرفوع العمادهكذا فليكن الأبناء في نهج الرشادأنت من أبناء عدنان وشداد وعادزاحموا الناس إلى نيل العلا في كل واديكم حمدت الله يا قيس لتحقيق المراد[/c]والقصيدة من أرق قصائد غانم يتحدث فيها مع نجله عن الأم الرؤوم والأخوان الصغار " مثل ورق الروض قد رف عليه الجلنار " وفي نهاية القصيدة يتحدث الشاعر عن محنه الغربة والشوق لشمسان :[c1]عشت يا قيس لمن يدعو الله السلامالأب من ذاب في الغربة وجدا هيامافارق الشرق لكي يدرك في الغراب المراماكم يلاقي في ضفاف التيمز فناً ونظاماً" لندن " عاصمة الدنيا لمن شاء المقامالكن القلب على قمة " شمسان " أقامافإذا با خيم الليل تلوى وترامى.. الخ[/c]وفي قصيدة " في هرجيسة " وفي قصيدة " فوق السحاب " يذكر الوطن ويصبح ذلك شبه لازمة في كل القصائد التي يكتبها خارج وطنه يقول :بني السودان والسودان شعـب [c1] *** [/c] أحق الناس بالقدر المهابنزلت بأرضكم فدعيـت فيها [c1] *** [/c] إلى نار القرى من كل بابفكدت لكثرة الترحاب أنسى [c1] *** [/c] حنينـي للأحبـة والصحاب..ويحفل هذا الديوان بعدد لا يستهان به ن القصائد الجميلة التي كتبها خلال السنة التي قضاها في لندن للحصول على الدبلوم العالي من جامعتها في التعليم. ويغلب على هذه القصائد وهي إما قصيرة أو متوسطة الطول روعة الصور في لغة معاصرة رشيقة مليئة بمشاعر الشاعر بالحنين إلى وطنه وزوجته وأطفاله له على الرغم من إدراكه لروعة الطبيعة وعظمة التخطيط والتنظيم والعلم في بريطانيا وأوروبا. وأستطيع أن أؤكد أن نجاح غانم كشاعر كبير في هذا الديوان وفي كثير من شعره في دواوينه التالية هو بسبب مقدرته على التعبير بصدق عن تجربة شخصية نفسية حقيقية مع الصدور عن موهبة شعرية خلاقة ومقدرة على الرسم بالكلمات وتمكن من اللغة العربية مع ثقافة واسعة في الأدب العربي والأدب الغربي خصوصاً الإنكليزي وإلى حد أقل الفرنسي.ومن القصائد التي تعبر عن تجربته في أوروبا قصائد أمثال " في المضجع " و"غربان" و " هالة الإبريز " و " جنة العشاق " و " عرائس اللحن " و "ليل باريس " و " وداع ". فقصيدة " في المضجع " قصيدة من إحدى عشر بيتاً ولكنها غاية في تصوير معاناته بعيداً عن زوجته وقد أثنى على هذه القصيدة هلال ناجي كما ترجمها المستشرق المجري الكبير عبد الكريم جرمانوس وكان يومها في نحو الثمانين من العمر ونشرها في كتيب بالانكليزية. ومنها : [c1]عندما تنهل بالطل على المرج الزهوروتضم الريش في الوكر من القمر الطيورويسود الليل صمت أشفقت منه القبورغير صرصور له في جانب الدار صريرأو خرير جال من سيارة مرت تسيرتحمل العشاق للمخدع والليل مطيرعبثا تلمس الدفء وقد عز السميرليس إلا القلب يهتز فيهتز السرير..[/c]وفي " هالة الإبريز " يصور الشاعر في صورة مبتكرة لم أقرأ مثلها في الشعر العربي فتاة شقراء اسكتلندية فلا غرو أن الشاعر اليمني لطفي أمان رحمه الله أخذ بهذه الصورة فأخذ يقرأها علينا بحماسة شديدة ونحن أطفال في الصف الرابع الابتدائي لا نفقه معاني كثير من كلماتها :وشقراء الجدائل من " بروس " [c1] *** [/c] كأن أثيثها الراح المصفىيسح على العوارض منه فيـض [c1] *** [/c] ويغمر مرجه جيداً وكتفافبات به المحيـا في إطار [c1] *** [/c] من الإبريز جال به وحفافيـا لك هالة طافت ببدر [c1] *** [/c] فبات بها أتم سنى وأصفىيداعبهـا النسيـم فيزدهيها [c1] *** [/c] فيرقص وهجها مرحا ولطفالتحسبها إذا ما هب موجاً [c1] *** [/c] تألق في الضحى صفا فصفافأضحى النور عند الظـل برقـا [c1] *** [/c] وأمســى الظل عند النور سدفا[/c]ولكن جمال هذه الشقراء إنما أثار أشجانه وحنينه إلى زوجته الأجمل :أهجـــيت جوى الجوانـح لم تقولي [c1] *** [/c] غريـب فـات أوطانا وإلفايذكره جمـال الغــيــد خـدنـا [c1] *** [/c] أرق مـحــاسنـا وأجل وصفاوفي " جنة العشاق " ولعلها حديقة " هايد بارك " أو شبيهتها :لا يبالون أن تـفـانوا غرامـا [c1] *** [/c] أن يكون العنـاق واللم جهراصور مـــن مباهـج الحـب شتـى [c1] *** [/c] ورؤى من روائـع الفن تتـرىتزدهي النـازح الغريب فتذكـي [c1] *** [/c] لا عـج الشـوق في الجوانـح جمـراكل حسن يلوح يبعـث في النـفس [c1] *** [/c] حنينـا إلى محاسن أخرى وهكذا تتكرر صورة الجمال والغرام التي تذكره نجدنه وتثير أشجانه.ولن أتحدث عن « عرائس اللحن » فالقارئ أغلب الظن قد سمع بعض أبياتها إذ لحنها وغناها الفنان اليمني الكبير سالم أحمد با مدهف ولكن سأقف سريعاً عند « ليل باريس» التي اختارها الدكتور أحمد الهمداني ضمن مختاراته « عدن في عيون الشعراء » وفيها تتكرر صورة الحنين إلى الوطن. يقول الشاعر مخاطباً باريس : قد سرت فيك على الــمرج الندي عسـى [c1] *** [/c] أن يسعف الصـب مـن جدواك هتـانوفي ريـــاض «التويلري» للسرى عجــب [c1] *** [/c] وجنــة كلـهـا روح وريحـان«باريس » يا جنـة الدنيــا وزينتهـا [c1] *** [/c] إن قلت باريس قـال القلـب «شمـسـان »حيث الشواطــــئ بالأمـواج صاخبة [c1] *** [/c] والريـح تــزأر والاصلاد بركان إن يعشق الناس خباث الزهور فلي [c1] *** [/c] في الصخر خلد وفي الأمــــواج رضـوان[/c]وفي الديوان قصيدة " زفرة " وهي القصيدة التي مطلعها : اتـعلم يــا فــاتـنـي [c1] *** [/c] أتدرى بصنع الــهـوىوبالــقلـب إذ يبــتـنـي [c1] *** [/c] قصـور المنـى في الهـوىوالقصيدة معروفة لكثير من القراء إذ لحنها وغناها الفنان اليمني الكبير أحمد بن أحمد قاسم رحمه الله في ما اعتبره أنا شخصياً أفضل أغانيه وكان شقيقي الدكتور عصام غانم قد لحنها وغناها قبله في الستينيات عندما كان طالباً في جامعة برمنجهام يدرس القانون.وفي الديوان قصيدة « عاصفة » وأشير إليها فقط لأنها تفعيلية الشكل وهي الوحيدة في هذا الديوان بالشكل التفعيلي وكان غانم قد نشر أيضاً في ديوانه الأول قصيدة تفعيلية إلى حد ما وديوانه الأول سبق نازك الملائكة والسياب وإن كان قد سبقه باكثير إلى ذلك الشكل وربما أيضاً الشاعر اليمني حسن بن عبيد الله في قصيدة له في ديو ان " ولائد الساحل " المنشور عام 1943م. وفي قصيدة « بهجة » و « مهرجان النور » يعود غانم إلى التغني بجمال الصخور والبحر تحت نور البدر وهي الصورة التي رأيناها قد تكررت في ديوانه الأول وعلينا أن نتذكر أن غانماً كان يسكن في الخليج الأمامي (الرزميت) في مدينة عدن (كريتر) وأمامه البحر وجزيرة « صيرة ». وفي القصائد قصيدة صوفية النزعة بعنوان « نعمة الإسار » وأخرى من وحي ليلة القدر أيضاً روحانية وأخرى في ذكرى المولد وقصيدة حب جميلة بلغة كلاسيكية بعنوان « ترنيمة » يتحدث الشاعر فيها كيف يسمو الحب بالإنسان : وما أنا إلا نغمــة انت عودها [c1] *** [/c] ونفحة طيب من شـذى عـــودك الرطـــــبوما كنــت إلا قبـل حبـك هالكـاً [c1] *** [/c] فأنقـذني بالحب مـن ظلمـة الجـبوحطمت قيدي بعـد ما كـان مغلـقـاً [c1] *** [/c] على قدمي في حمأة الطـين والتـربوحلـقت بـي فوق المســالك والـذرى [c1] *** [/c] علـى مطلع الــجوزاء أو مسقط الرببعيــداً عــــــن الأوحال والبؤرة التـي [c1] *** [/c] تعـج بأدران الضغائـن والـكذب وفي مرثاته لوالده يقول : تلـك المبـادئ ما عرفـت سبيلهـا [c1] *** [/c] إلا لأنك صنتهـا بهـواكـاوأريتنـي أن الحيـاة بدونهـا [c1] *** [/c] عبث تحور بـه الحاة هلاكـا وعندما فزت بالمركز الأول في الامتحان في عموم جنوب اليمن للتأهل لدخول كلية عدن كتب والدي " أفراح قلب " ومنها : أشهاب فـوزك بالـعلا [c1] *** [/c] فضل تـجود بـه السمـاءخصتـك بالقلب الـذكي [c1] *** [/c] كـم يــقل الأذكـيـاءفأعمل على سنن الجدود [c1] *** [/c] فإنه النهـج السواءفجزاه الله خيراً عني والمثل يقول « القرد بعين أمه غزال » أما إشادة غانم بأهمية العلم فليست غريبة وهو ليس أول خريج جامعي يمني بل أيضاً أول يمني يحصل على درجة « بروفسور » وعندما نالت شقيقتي " عزة " المركز الأول في امتحانات الثانوية بين بنات عدن كتب قصيدة " النبأ العظيم " مشيداً بتقدم الفتاة في عدن وكانت تلك أول دفعة لفتيات يجتزن أول امتحانات " السينير كامبردج " ويذكر في قصيدته سكينة بنت الحسين وخولة بنت الأزور. وعزة أصبحت في ما بعد أول خريجة جامعية عدنية ثم نالت الدكتوراه وتولت عمادة كلية التربية بجامعة صنعاء وحصلت على درجة بروفسور وهي زوجة الدكتور الطبيب أبوبكر قربي وزير خارجية اليمن الحالي. وعندما نال شقيقي عصام المركز الأول في نهاية الدراسة المتوسطة كتب له قصيدة «الوثبة الأولى»: فــادأب لتبقـى في الطـليـعة [c1] *** [/c] إنــــها نعم المقاممن حولك النــشء الكريـم [c1] *** [/c] وفيه " وجدان " المهامتسمـو بـكم عدن الحبيبة [c1] *** [/c] حيـن يشملها السلام ووجدان حصل على المركز الثاني في الامتحان وهو ابن الشاعر علي لقمان رحمه الله ووجدان صار فيما بعد طبيباً وأستاذاً جامعياً في أمريكا وتوفي هناك رحمه الله. أما الأستاذ الدكتور عصام فهو الجامعي والكاتب المعروف.كما كتب غانم قصيدة رقيقة بعنوان " نزار " لطفله الذي هو الآن الدكتور الفنان المعروف نزار غانم : وتجذب الرف فتهوى الدمى [c1] *** [/c] ترجف في القـــاعة كالـقوقعحتى إذا فرقـتنا لاهياً [c1] *** [/c] في الركن تحت الفرش في المضجعمـددت نحوي الكف خذني [c1] *** [/c] ألا خـذني واحملنـي علـى الأذرعأحييـت في الكهل مـراح الصبـا [c1] *** [/c] في عهده المنطلق الممتـع وعندما أخبرت شقيقتي الطفلة سوسن بأن والدي قد أعد ديواناً فيه قصائد عن كل أولاده عداها ذهبت إليه باكية فكتب قصيدة " سوسن" : سوسن يا أبهى من السوسن..وعندما ما عاد والدي مع والدتي وشقيقتي عزة وسوسن من إجازة في أوروبا بالباخرة عام 1955م تقريباً وكنت وقيس وعصام قد بقينا في عدن وسكنا عند جدي المحامي محمد علي لقمان رحمه الله كتب غانم قصيدة « سرى الفلك » ومنها :سيري عـلى اسم الله حتـى ينجلي [c1] *** [/c] شمسان فــوق المـوج والأصلادوالسفـح والشط الرحـيب بما بـه [c1] *** [/c] من زورق الملاح والصيـادوالقارب المرجـو يحمل فتيـة [c1] *** [/c] هم في الحيـاة وسيلتي وعمـاديخلفتهــم والقلــب يقطــر حسـرة [c1] *** [/c] أن لا يــكون بجــانبي أولاديوكانت عدن يومها ثالث ميناء في العالم من حيث عدد السفن وكانت سفن الركاب كثيرة قبل انتشار الطيران وكان الأهل يستقبلون أهاليهم المسافرين بالذهاب إلى السفينة على متن قارب بحري.وديوان « موج وصخر » يحفل بالقصائد الهامة في مسيرة غانم الشعرية مثل « قصة الجبل » عن فتح الأندلس و « كلما نجارو » التي ترجمها والدي إلى الإنكليزية بطلب من أحد الزعماء الأفارقة ونشرتها في كتابي مختارات من الشعر اليمني بالإنكليزية « قصائد من أرض سبأ » وفيها وصف رائع لأعلى جبل في أفريقيا ويقول الشاعر فيها : وأنـا المفتـون بالصخر إذا [c1] *** [/c] لبس النـور من البدر قناعا وهناك قصيدة رائعة الوصف لرحلة في نهر " الرين " في ألمانيا وقصيدة عن آثار أمعادية وأخرى عن رحلة يوري جاجارين إلى الفضاء في أول غزو بشري للفضاء وقصيدة شكسبير وقصيدة رائعة عن مساوئ الثأر في اليمن بعنوان " حمار ورجال" وقد أشاد بها كثيرون منهم أستاذنا د. عبد العزيز المقالح وهلال ناجي.وفي الديوان قصيدة بعنوان « رجاء » ألقاها الشاعر أمام ولي عهد اليمن السيف أحمد عام 1946م عند زيارته لعدن. وأذكر أن الأستاذ الشيخ أحمد محمد نعمان عندما زار والدي في نحو عام 1959م أطلعه على مسودة الديوان فنصحه بشدة بحذف القصيدة وكنت جالساً معهما ولكن والدي أبقاها خصوصاً أنني نصحته بذلك ومنها : مـولاي لا يخفـى عليكـم أننـا [c1] *** [/c] في عصر علم دأبه التجديـدفأبعـث بـه اليمـن الشقيق إلى العلا [c1] *** [/c] ينجـاب عنـه تأخـر وجمـود وقد غضب السيف أحمد ولم يقدم لوالدي هدية كما فعل مع الآخرين ويروي د. عصام غانم تفاصيل عن رد فعل السيف أحمد في كتيبه " سيرة الدكتور محمد عبده غانم ".