صنعاء / "26 سبتمبرنت" يؤثر تعاطي (القات) تأثيراً كبيراً على اقتصاديات الدول التي ينتشر فيها، فزراعته تحتل مساحات كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة، ويستهلك كميات من المياه يمكن استغلالها في محاصيل أخرى نافعة تحتاج إليها هذه الشعوب في غذائها.ففي اليمن - على سبيل المثال - أثرت زراعة (القات) على معظم المحاصيل المهمة، وخاصة البن الذي تشتهر به اليمن، وحسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة؛ تقدر المساحات المزروعة بـ (القات) في اليمن بربع مساحة الأراضي المروية، ولوحظ انتشاره بشكل كبير في الوسط النسائي وبين الأطفال، وخاصة خلال السنوات الأخيرة.د. نجاة محمد صائم خليل، باحثة متخصصة في دراسة ظاهرة انتشار (القات) بين النساء، ولها رسالة ماجستير حول ارتياد المرأة مجالس (القات) وعلاقتها بواقع الأسرة اليمنية.. أما رسالة الدكتوراه فكانت حول اتجاهات الشباب اليمنيين نحو ظاهرة تناول (القات)، وكانت عبارة عن تشخيص الاتجاهات ومن ثم عمل برنامج لتعديل الاتجاهات، وتقوم حالياً بإعداد بحث حول أسباب انتشار تناول (القات) بين الأطفال في المجتمع اليمني، وقد بدأ اهتمامها بهذه الظاهرة منذ العام 1994.. وعن أسباب ذلك تقول:"نزلت إلى المجتمع اليمني عام 94 لتحديد الظواهر المنتشرة التي يمكن أن أدرسها كموضوع لرسالة الماجستير، ولفت نظري انتشار هذه الظاهرة بين النساء والتي كانت تعتبر في الماضي عيباً، وخاصة بين النساء غير المتزوجات، ولكنها مع مطلع التسعينيات بدأت تنتشر بشكل كبير بين النساء خاصة في المدن، وبمعدل غير طبيعي بين طالبات الجامعة".وأكدت د. نجاة "أن زيادة الوعي ومع وجود حقوق الإنسان بدأت المرأة تعتقد أن هذه العادة حق من حقوقها، والطالبة الجامعية الآن بشكل خاص لا تجد حرجاً في تناولها لـ "القات" ومعرفة الآخرين بأنها تتناوله لأنها تمارس حقا من حقوقها، لأن الرجل يمارسه وبالتالي تعتقد أنه شيء طبيعي".أما عن أسباب انتشار هذه الظاهرة فتقول: "إن هناك أسبابا تؤدي إلى انتشار أي ظاهرة، فهناك عوامل ثقافية واقتصادية واجتماعية".. مشيرة إلى أن من العوامل الثقافية اعتباره ثقافة يمنية وهوية، فالإنسان اليمني لكي يشعر بهويته كإنسان لا بد أن "يخزِن".وأوضحت أن العوامل الاجتماعية تتجلى بسبب الانفتاح والتغير في نمط الحياة في المجتمع اليمني.. "فمثلا في الماضي كان خروج المرأة محددا من وقت العصر إلى قبل المغرب، والآن تلاشت هذه العادة بسبب خروج المرأة إلى العمل والوعي والدراسة الجامعية، فتعتقد المرأة أن إجازة الخميس والجمعة من حقها أن ترتاح فيهما، وبالتالي تخرج لهذه الجلسات من بعد العصر إلى بعد العشاء، وأحيانا قد تتجاوز جلساتها إلى ما بعد الساعة التاسعة دون التزام أو خوف".وأضافت "أن استقلال المرأة المادي جعل كثيراً من النساء يشتغلن ويعتمدن على أنفسهن، وبالتالي يرين أنه من السهل جدا لكي يرتحن من متاعب العمل والحياة من حقهن أن يرتحن يوم الخميس، فالقادرة على شراء (القات) و(المعسِل) قادرة على الخروج لموعدها والتأخير وبالتالي لا تجد أي مانع من تعاطيها (القات) وبراحتها.. كذلك الانفتاح على العالم من خلال القنوات الفضائية، فنلاحظ أن هناك حاجة مترافقة مع (القات) لم تكن موجودة قبل التسعينات وهي (الشيشة)، وحاليا تقدر نسبة متناولات (القات) في اليمن بـ 85 من عدد النساء يتناولن (القات) أغلبهن من خريجات الجامعات، ومعظم النساء يتناولن قاتا فاخرا وإنفاقهن على شراء (القات) وجلساته أكثر من إنفاق الرجال".وأشارت إلى أن العامل الأساسي لانتشار (الشيشة) في المجتمع اليمني هو انفتاحنا على القنوات الفضائية، ومشاهدتنا للإعلانات المتعلقة بتدخين المرأة العربية لـ (الشيشة)، وهذا أعتبره عاملا أساسيا لانتشار (الشيشة) في مجتمعنا، وبالتالي ليس عاملا واحدا سبب انتشار هذه الظاهرة وإنما هي ظاهرة معقدة لها عدة أسباب وعوامل متشابكة، فكما نلاحظ أن المتعلمات أكثر تعاطيا لـ (القات) من الأميات، فالمتعلمات بدأن ينظرن إلى هذه الظاهرة بأنها موضة وأنها شيء عادي ولا يوجد فيها أي عيب، بينما الأميات ما زلن مهتمات بالعادات والتقاليد والعيب".وعن الطقوس المصاحبة لتناول (القات) تعتقد د. نجاة بأن هذه الطقوس تعتبر عملية جذب للكثير من النساء، فالمجلس والبخور والغناء والمشروبات كـ (البيبسي) والشعير والزنجبيل و(الشيشة) و(المداعة) وطريقة الجلسة يكون فيها نوع من التفريغ النفسي.. هذه كلها عوامل تجذب المرأة إلى تناول (القات).وعن الأمراض الصحية التي بدأت تظهر من (القات)، تقول د. نجاة خليل: "إن الأمراض الصحية التي تظهر ليست من (القات) كنبات في حد ذاته، إنما الممارسات التي تحصل من استخدام المبيدات الكيميائية على (القات)، هذا بحد ذاته أدى إلى انتشار إصابة اليمنيين بالسرطان، وطبعا المرأة بشكل أساسي".. مشيرة إلى أن "مجموعة من الأمراض مرتبطة بـ (القات) مثل القلق والاكتئاب وفقدان الشهية والشعور بالذنب، لأن المرأة تترك بيتها وأولادها على الأقل أربع ساعات يوميا على حساب مسؤوليتها تجاههم، وبالتالي ينتابها الشعور بالذنب، هذا كله ينعكس على الناحية النفسية تحديدا، كما أن هناك مجموعة من الدراسات أجريت من الناحية الطبية تقول إن (القات) يساعد على ظهورها وانتشارها مثل ارتفاع ضغط الدم، وأتمنى أن تجرى دراسات تأكيدية للتأكد من أن (القات) عامل أساسي يؤدي إلى هذه الأمراض".وأضافت "كما أن ما يلفت نظر الباحثة في هذه الأيام هو أن الأولاد من سن 7 إلى 15 سنة يتعاطون القات بشكل كبير.. وتقول إن السبب الرئيسي لتعاطيهم (القات) هو الأب، لأنه طالما الأب أعطى الضوء الأخضر فلماذا لا يتعاطاه الطفل، لأن الأب يعتقد انه عندما يسمح لابنه أن يتعاطى (القات) أي انه يهيئه للدخول إلى عالم الكبار، ففي كل مجتمع محددات لدخول عالم الكبار تجهز الفرد ليصبح صالحا للدخول إلى عالم الكبار، فتناول (القات) من محددات عالم الكبار في المجتمع اليمني .. مثلا يعطيه عودي "قات" ويقول له "خزن تقع رجال" وبالتالي يرتبط مفهوم الرجولة عند الأطفال بتناولهم (القات)".وترى الباحثة أن معظم الأجنبيات المخزنات أتين لعمل دراسات انثربولوجية اجتماعية، فيعتقدن انه من اجل ان يفهمن المجتمع اليمني ودراساته خاصة مستخدمي منهج الملاحظة بالمشاركة فلا بد من ممارسة ثقافته، وبالتالي يجد الأجانب انه لا يمكن فهم المجتمع اليمني إلا من خلال مجالس (القات)، مثلا كيفية العلاقات بين الناس والعادات والتقاليد... الخ. كما أن الوافدات العربيات المتزوجات باليمنيين وغير المتزوجات يتناولن (القات) لكي يفهمن مجتمعا جديدا ويندمجن مع المجتمع، وبالتالي لا يشعرن بالاغتراب، يجذبن الأخريات إلى هذه العادة لأنهن يشعرن فيها بالمتعة والراحة، وينقلن صورة ايجابية عنها.وأشارت إلى أن هناك مشروعا مشتركا بين جامعة صنعاء وجامعة منسوتا الأمريكية لدراسة العلاقة بين تناول (القات) والتدخين بين الشباب، وبعض العمليات الباراسيكولوجية، أي الضغوط النفسية والقلق والمشاكل وكيف يستجيب الجسم لهذه الأشياء، وهل هناك فروق بين متناولي (القات) والمدخنين، وغير متناوليه والمدخنين .. والدراسة تجريبية وسترسل العينات إلى ألمانيا للتحليل.
(القات) .. ظاهرة تنتقل من المجتمع الذكوري إلى جلسات النساء
أخبار متعلقة