يدرك اليمنيون المناهضون للحوثي أن الضربات الإسرائيلية على البنية الأساسية لليمن تُنعش الجماعة المتمردة أكثر مما تضرها. فالضربات العمياء تُصيب مقدرات هي ملك اليمنيين، لاعصب الجماعة المتمردة، وذاك لا يعني كثيراً للحوثي وجماعته. فالجماعة التي تسيطر على صنعاء منذ عشر سنوات لا تفكر بعقلية الدولة المسكونة بهموم الناس وتوفير الخدمات. وبالتالي، لن تهتز لضرب منشآت مدنية أو قتل مدنيين. ذلك باختصار لا يعني لها الكثير، فهي جهاز أمنى يرى في الناس ملح الأرض يقبض على أرواحهم وأموالهم، وبالتالي لا يعنيها عدم وجود خدمات أو ضربها إلا بقدر ما يعود عليها من إيرادات. وقد لا يتصور المتابع العربي البعيد، المأخوذ بخطاب الحوثي إعلامياً، أن الجماعة التي تسيطر على كل موارد الدولة في صنعاء لا تصرف رواتب الموظفين منذ سبع سنوات، وتجبرهم على العمل دون راتب بقبضة أمنية تهدد كل خصوصياتهم.
وعندما لم يجد الحوثي أي سند وطني لتثبيت شرعية بقائه في السلطة، جاءت فكرة الادعاء بنصرة غزة، وهو ينتشي عندما يُنظر إليه كفاعل إقليمي، يكسب بذلك بعض الشرعية الثورية، من رفع مستوى القلق الإقليمي. لذا يُحدث أكبر قدر من الجلبة في المنطقة، وهذه الجلبة لن تُحدث فرقاً في مسار القضية الفلسطينية، بقدر ما هي أشبه بجنون طفل فوضوي منفلت، والرد عليه بشكل عشوائي يزيده ابتهاجاً لا ذعراً؟. فتحطيم البيت بالنسبة له إثارة مطلوبة لمزيد من بهجة الفوضى.
واليمنيون يدركون بوعيهم أن الجماعة المتمردة لن تستكين ما لم يكن العقاب مباشراً لها. وبالتالي، فإن الهجوم الإسرائيلي الرابع على الحوثي لن يكون مجدياً. الحوثي، الذي يعتصم بجغرافيا صعبة، لن يلحقه ضرر كبير. وبهذا البعد الجغرافي، يجد نفسه آمناً. كما يدرك أن إسرائيل لا تراه خطراً حقيقياً. فبرغم القصف الحوثي بصواريخه التي تطال بعض الأراضي المحتلة، إلا أن ذلك لا يشكل خطراً على إسرائيل، وإن كان أمراً مزعجاً، ولا تزال قضية ضرب إيران هي أساس التفكير الإسرائيلي.
الحوثي بالنسبة لصانعي القرار الدوليين ذراع ثانوية، أما بالنسبة لكل من لا يحب اليمن، فإنه هبة السماء حيث إن بقاءه يمثل عقوبة حقيقية للشعب اليمني، بل هو خنجر في خاصرة الإقليم وغصة في الحلق. فهو يثير القلق الإقليمي ويمنع استقرار اليمن، ويشرعن الوجود لكل غزاة الأرض. وإذا كان من خطر حقيقي تستطيع مليشيات الحوثى إلحاقه، فسيكون باليمن أولاً، والجوار ثانياً، لا أكثر. وذاك يبدو مرضياً لتقاطع المصالح الدولية المتعددة، وإن كان الحوثي لا يروق لها، لكنه يحقق غرضاً مطلوباً في صنع القلق والتوتر الإقليميين واستمرار عدم استقرار اليمن، وبالتالي هناك دور وظيفي مطلوب، سيبقى يصنع هذا العبث إلى أن تسترد الدولة اليمنية أنفاسها وتعيد ترتيب المسار. أما القول إن القصف بالطيران الدولي وإنشاء تحالفات دولية سيكون ذا أثر فاعل في إنهاء خطر الحوثي، فهذه مسألة بحاجة إلى نقاش. والرد البسيط هو: إذا كان هناك جدية حقيقية من قبل القوى الدولية لمعاقبة تمرد المليشيات الحوثية، فالأمر أسهل من شن ضربات جوية عمياء تُلحق الضرر بالبنية الأساسية لليمن أكثر مما تُلحق الضرر بقيادات الميليشيات. فالحوثي لا يزال غير مصنف دولياً وأمريكياً كإرهابي، ولا هو مطلوب أمنياً بشكل فوري. وسرعة التصنيف والملاحقة القانونية ستُحدث فرقاً ملموساً. وإجراءات العقوبات الاقتصادية الجادة، وإنهاء خدمات الاتصالات كفيلة بتحجيم المليشيات الحوثية أكثر من ضرب محطة كهرباء.
إن إنهاء تمرد الميليشيات، وإنهاء حالة التوتر الأمني إقليمياً لن يتم إلا باستعادة مؤسسات الدولة الشرعية اليمنية. وهذا لا يعني فقط معركة عسكرية محدودة، بل إعادة الاعتبار للمؤسسات وبناء الجيش الوطني الذى لا تنقصه القوى البشرية ولا الجغرافيا. هناك على الأقل ثلثا مساحة اليمن وعشرات المدن والمطارات تحت سيطرة الحكومة الشرعية، يمكن أن تكون قاعدة بناء حقيقية لقوة وطنية ضاربة، والخطوات تبدأ بسرعة بناء الدولة ووقف هدر الوقت والمال، وإعادة تصويب المسار.
لنا أن ندرك أهمية بناء القوات البحرية اليمنية، خاصة أن كل السواحل اليمنية تحت سيطرة الحكومة الشرعية، كذلك، القوات الجوية التي تملك عشرات المطارات والمدن. هذه هي الطريق السهلة والواضحة لإسقاط التمرد، لا التدخلات البعيدة التي يكون ضررها أكثر من نفعها. اليمنيون وحدهم يستطيعون حل مشكلتهم واستعادة صنعاء، أما ضرب إسرائيل الخاطف، فهو يُنعش المليشيات، ويشرعن حضورها، ويخلق لها حاضنة لم تكن معها. الأمر يبدأ بإدراك وطني عبر استعادة مبادرة التخلص من التمرد، وإدراك إقليمي أن الفوضى لن تبقى محدودة الضرر. المشروع الوطني الجامع لاستعادة الوطن اليمني صار أولوية.
نحن في معركة تتجاوز إصلاح سلوك طفل فوضوي مختل كما يراه الغرب، أو استعادة جهاز إداري تم الاستيلاء عليه من عصابة منفلتة، إلى استعادة وطن، وتحقيق الأمن للمنطقة بكاملها. وتلك هي المعركة مع الحوثي.