بلغت المبادرة العربية للسلام قمتها قبل ان تبلغ القمة العربية موعدها وبهذا يكون تحقق البند الرئيسي على جدول الأعمال وبقي ان يقره الملوك والرؤساء العرب.وبلوغ المبادرة قمتها لا يحسب بإعادة تأكيد العرب مضمونها. فهم يفعلون ذلك للمرة الخامسة هذه السنة. أقروها في قمة بيروت 2002م وذكّروا بها في اربع قمم لاحقة ولم يسمعهم احد. بل يحسب بالجديد الذي أضيف إليها: الإدراك الأميركي لفوائدها.نعم احتاجت واشنطن الى خمس سنوات من تجاهل المبادرة العربية لتكتشف الآن، وبلسان وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، أنها صالحة للتطبيق ومطابقة لرؤية الرئيس جورج بوش لحل الدولتين. واشنطن تريدها الآن كما هي بلا تعديل أو تغيير أو شطب لأي من بنودها.هذا الجديد الأميركي أدى بدوره الى جديدين. الأول ضم حركة "حماس" الى المبادرة إذ لم تكن في الحكم سابقا. وقد تكفلت الدبلوماسية السعودية ذلك ولو من غير ان يصدر عن "حماس" أي كلمة تتبناها رسميا. ويبدو ان هذا يكفي أميركا وإسرائيل الآن على رغم مواقفها من "حماس". وهذا يلائم "حماس" التي، كعادتها منذ تولت الحكومة، تريد ولا تريد، تقول ولا تقول، تقبل ولا تقبل. رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل زار السعودية مرتين في الأسبوع الأخير ولم يقل شيئا إنما "نقل" عنه انه ابلغ وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ان "موقف حماس سيكون مع الإجماع العربي وعدم الاختلاف مع الموقف الرسمي الفلسطيني"، وان "حماس" تقبل بقيام دولة على حدود 1967. أما الجديد الثاني فتبدّل رأي إسرائيل من المبادرة. بعد سنوات من الاستخفاف بها ورفضها والاعتراض على مضمونها تبين لايهود أولمرت قبل أيام أنها "مثيرة للاهتمام وتتضمن عناصر عدة يمكنني قبولها". ومع هذا كان يريد من القمة العربية التي تنعقد غدا ان تجري تعديلات ملموسة على البند المتعلق بحق العودة ولكن يبدو انه لم يعد يريد شيئا الآن وقد بدأ يكتشف ايجابياتها.هكذا ستنطلق المبادرة العربية للسلام من القمة بعدما التقت مصالح الأطراف الثلاثة الرئيسيين عليها، العرب وأميركا وإسرائيل. فالجميع في مأزق والجميع يريدون مخرجا ما.العرب الغارقون في أزمات تهدد المنطقة كلها وجدوا الفرصة ملائمة لإعادة تحريك مبادرتهم وكانت السعودية صاحبة الدور الأكبر والمبادر. وأميركا الغارقة في العراق والخائفة من انفلات الوضع كله في المنطقة وجدت ان تحريك عملية السلام يمكن ان يستوعب بعض التفجر ويساعد في احتواء التمدد الإيراني. واولمرت الغارق في مشاكله الداخلية وجد في المبادرة رافعة له وخصوصا في بعدها العربي العام.ولا أوهام... فالعرب يعرفون ان إصرارهم على المبادرة كما هي لا يعني ان إسرائيل ستقبل بها كما هي. وأميركا تعرف ان استرضاء حلفاءها العرب "المعتدلين" بعدم طلب أي تعديل عليها لا يعني بالضرورة ان شيئا لن يعدّل فيها. وإسرائيل تعرف ان ثناءها على المبادرة لا يعني أنها التزمت بنودها. فالباب يبقى مفتوحا لحلول تفاوضية في موضوعي اللاجئين والأرض بين إسرائيل والفلسطينيين لأن المبادرة تؤمن "أسس التفاوض". ولا بد ان يلي الأسس آليات وربما وصول المبادرة الى مجلس الأمن ليحولها قرارا وهو يتكفل عندها تعديل أو تخفيف ما يجب تعديله أو تخفيفه. كل المطلوب الآن إعادة تحريك المفاوضات في أوسع إطار ممكن. إطلاق "عملية" لا واشنطن ولا إسرائيل تبدوان في عجلة لبلوغ نهايتها.* نقلا عن صحيفة "النهار" اللبنانية
قمَّة المبادرة
أخبار متعلقة