
لم يتمكن القائمون على العملية التعليمية من الوقوف بحزم أمام تلك الإشكالية فتهاوى التعليم واتخذ منحى هبوط حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن.
من المعلوم أن العملية التعليمية في كل أركان المعمورة وفي وسطها وأطرافها تقوم على ثلاثة مداميك، حيث يمكن بناء جيل متعلم تعليماً ذات جودة عالية، وتلك المداميك الثلاثة ( الكتاب، والمعلم الكفؤ، والفصل المدرسي المناسب)، لم تتمكن الجهات المختصة للعملية التعليمية في حينها من توفير تلك، بل اقتصرت العملية التعليمية على حضور الطالب في فصل يتجاوز الطلاب فيه المائة، ومعلم يكاد ينسى أنه معلم، وكتاب مدرسي لم يتوفر في كل مراحل التعليم الأساسي والثانوي الا فيما ندر .
استمر هذا الإخفاق طويلا وتجاوز العقد من الزمان حتى نتج عنه مخرجات تعليمية لاتكاد تقرأ أو تكتب، بسبب عقم الحلول، واعتماد حلول ترقيعية ما لبثت تغادر مواقع علاجها فتهاوى التعليم، حتى اضحى الانتقال من عام دراسي إلى آخر مسألة حتمية مهما كان مستوى الطالب.
جاءت مطالب المعلم المُرحلة من عام إلى عام والمقرة في قانون المعلم، بعد أن نفد صبر المعلم من كثر وطول التسويف وهو يرى بأم عينيه العبث بالمال العام، وانتفاخ البطون وانتشار المباني الفارهة، وهو بانتظار قانون ينفذ ولكن لاينفذ، وبعد أن عانى الفقر والحرمان قرر الانتفاض وطالب بما يستحق، واغلق العملية التعليمية برمتها، فانتفلت العملية التعليمية حبنها من حالة الإخفاق المستدام إلى حالة الاغلاق التام.
واليوم ونحن وكأننا نعيش في أحد فصول مسرحيات الكاتب ارسطوفان الهزلية الساخرة من كل شيء ونحن نشاهد ونتابع مايحدث للتعليم ، نتوجه وبشدة لصفوة المجتمع( كتاباً، مثقفين، اعلاماً، ناشطي مجتمع مدني ومهتمين بالعملية التعليمية...الخ) إلى لقاء مجتمعي موسع تناقش فيه مشكلة التعليم برمتها والبحث لها عن حلول أصيلة ومستدامة وممكنة لحل هذه المعضلة التي إذا استمرت على هذا الحال سينتج عنها أجيال لن تقوى على أن تكون رافعة لمجتمعاتها مستقبلا، بل العكس هو الذي سيحدث ، في ظل جهات مختصة رفعت الأعلام البيضاء مستسلمة للهزيمة ومكتفية فقط بما يتم تخصيصه لها من موازنات تشغيلية وهبات ومنح وسفريات تقتات منها، فهي قد غرقت هناك في ذلك البحر اللجي، غير عابئة بما يحدث لأجيال تمضي حياتها بلا تعليم ذات جودة.