الجريمة الأولى : اغتيال ممثل قوة سياسية واجتماعية كبرى في اليمن هي (أنصار الله).
الجريمة الثانية : قتل أحد الأعضاء الفاعلين المثقفين في مجلس النواب اليمني، أي اغتيال الشرعية القائمة، فتكون الجريمة موجهة ضد كل عضو في مجلس النواب وضد كل من يمثله العضو المستهدف من طبقات وفئات الشعب اليمني.
الجريمة الثالثة : اغتيال عضو أساسي في (مؤتمر الحوار الوطني) الذي ينعقد تحت مظلة وحماية الأمم المتحدة الدولية ورعاية عدد من كبرى دول العالم وفي مقدمتها ممالك وإمارات الخليج العربي، مما يجعل الجريمة ذات طابع دولي، لأنها تنطوي على اعتداء إجرامي صارخ ضد الحماية الدولية والعربية للحوار والمتحاورين، مما يستوجب تدخل الأمم المتحدة في التحقيق ومتابعتها له حتى القبض على المجرمين اللذين نفذا الجريمة والمحرضين لهما عليها. إن مما يؤكد، أيضاً، الطابع الدولي لجريمة الاغتيال الإرهابية هو التصريح الهام والمحمود الصادر عن الممثل الأممي في اليمن الدكتور (جمال بن عمر) الذي أدان الجريمة والمجرمين بأشد العبارات قسوة وتنديداً.
الجريمة الرابعة : قتل مثقف مجرد مجتهد ومفكر أكاديمي حائز بجدارة على اللقب العلمي (دكتور) من جامعة معترف بها عالمياً في واحد من أهم المواضيع وهو: (أصول الفقه المعتزلي).
وبذلك فإن الجريمة الإرهابية هي ضد الأمم المتحدة ومجلس النواب اليمني ودول الخليج العربي والجامعات اليمنية والعربية والعالمية واتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين والمثقفين في عموم الوطن اليمني والعالم وضد أحد أهم التنظيمات السياسية في اليمن وهو (أنصار الله) وضد محافظة (صعدة) كون الشهيد كان ممثلاً لها في البرلمان، ليس ذلك وحسب، بل إن الجريمة النكراء موجهة ضد كل يمني محب لوطنه وضد كل مواطن في اليمن وإنسان في العالم توّاق للحرية والتقدم والديمقراطية والسلام.
إن جريمة الاغتيال الخسيسة هي رسالة إرهابية إلى كل مثقف وأكاديمي وسياسي وطني ومفكر مجتهد، لإشاعة الرعب في النفوس وفرض الحيلولة دون استمرار الجهاد في سبيل إقامة دولة مدنية حديثة مستقلة خالية من الفساد والمفسدين في اليمن.
وبناءً على ذلك: فإن صمت القوى التي استهدفها الاغتيال هو تخاذل حقير وخيانة عظمى للدين والشعب والوطن، والمعلوم بالضرورة هو أن التاريخ لا يرحم الخونة ولا المتخاذلين.
ليس ذلك فحسب، بل إن صمت المثقفين وسلبيتهم أمام هذه الجريمة النكراء هو تعميم لثقافة الاغتيال.
فهل تستوعب القوى المعنية بالرسالة الإرهابية (الدولية والبرلمانية والمثقفة والأكاديمية والحزبية)، أنها إذا لم تبدأ الآن وفوراً في محاربة الإرهاب المادي والفكري بخطوات جادة وفعالة والتضامن فيما بينها للقضاء عليه وعلى منابعه وأدواته الإعلامية والحاضنة السياسية والعسكرية والقبلية له، فإن القوى المستهدفة بالإرهاب سوف تعض أصابعها حسرة وإحساساً بالخيبة والنذالة حيث لا ينفع ندم ولا تجدي نذالة أو يفيد تردد وسلبية.
إن جريمة قتل المجتهد العلامة والسياسي الثوري العظيم الدكتور (عبدالكريم جدبان) هي اغتيال الشعب اليمني بقيمه الحضارية وتراثه الفقهي المتقدم ولقيمه وقواه السياسية واعتداله المذهبي وسعيه الدؤوب للتقدم والحرية والكرامة.
إن جريمة الاغتيال هذه ليست مجرد اغتيال لجسد وروح الشهيد الطاهرة العظيمة، وحسب، بل هي من حيث طبيعتها وأبعادها ودلالاتها اغتيال لكل مثقف حر شريف وسياسي مناضل في معمعة الحرب على الفساد والتخلف والاستبداد.
إنني لم أتشرف بمعرفة حي الشهيد شخصياً، ولكنني شاهدت بعض الحوارات معه في التلفزيون وتابعت مواقفه خلال جلسات مجلس النواب الذي شغل فيه بجدارة مقعده ممثلاً للشعب اليمني طيلة عشر سنوات مليئة بالجهاد في سبيل الوطن والمواطنين، لقد كان حي الشهيد عظيماً في شموخه صادقاً في كلماته فاضحاً للفساد وداعية للإصلاح الثوري في اليمن مجاهداً في سبيله ومدافعاً عن الحرية والعدالة واستقلال الوطن وتقدمه.
أستاذ علوم القانون الجنائي - جامعة صنعاء